المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

كيف يحلل الشرق الأوسط الأزمة الداخلية في “إسرائيل”؟

عاصفة عابرة أم بداية خراب؟

ترجمة الهدهد

منذ اندلاع موجة الاحتجاج العام ضد تحركات “حكومة نتنياهو” في المجال القانوني وجميع اللاعبين في الشرق الأوسط يتابعون من كثب الانقسام الداخلي المتعمق في “إسرائيل”.

ويستمد أعداؤها تفاؤلاً واضحاً مما يعتبرونه تآكلاً متزايداً في الحصانة القومية، بينما يمتنع أصدقاؤها في المنطقة عن التعليق علناً على الأحداث الدراماتيكية في “إسرائيل”، لكن خلف الكواليس عبروا عن خوفهم من تقويض موقف حليفهم الاستراتيجي، الذي يساعدهم في محاربة التهديدات المشتركة وعلى رأسها إيران.

تتركز أنظار جميع الأطراف في المنطقة على ما يُعرَّف بظواهر غير مسبوقة في “إسرائيل”، وقبل كل شيء: تعبيرات رفض الخدمة بين جنود الاحتياط (جمال زحالقة، رئيس حزب بلد السابق، أشار في هذا السياق إلى المكانة المركزية للطيارين في الاحتجاجات، مؤكداً أنهم بمثابة رأس حربة الجيش الإسرائيلي).

تراجع الشيكل وسحب الاستثمارات من “إسرائيل” (تمنى عدنان أبو عامر المحسوب على حماس أن يتسبب ذلك قريباً في كارثة اقتصادية) واشتداد الاستقطاب الاجتماعي، ما يثير تساؤلات حول قدرة الكيان على المضي قدماً في حملة عسكرية في المستقبل دون إجماع داخلي.

ويزعم العديد من الكُتاب أن هذا يقوض أسس وجود “إسرائيل”، الأمر الذي منحها في الماضي ميزة على أعدائها، ووضعت الفارق بينها وبين الآخرين في الشرق الأوسط.

تعكس ردود أفعال إيران وحزب الله وسوريا وحماس والجهاد الإسلامي، مزيجاً من الشوق ومحاولة لغرس التفاؤل في نفوس مؤيديهم، مثلما انعكس ذلك في خطابات حسن نصر الله الأخيرة التي أعلن فيها أن “نهاية” الكيان الصهيوني اقتربت.

في حماس يتفاخرون بأنهم ساهموا في تعميق التوترات في الكيان (كتب عصام شاور أن فشل إسرائيل في سلسلة من المعارك بغزة زاد من الإحباط الداخلي بالكيان) وأن الانقسام الداخلي يعكس تحقق نبوءات ماضية بشأن النهاية المتوقعة لـ “إسرائيل” (خاصة نبوءة أحمد ياسين الذي تنبأ بانهيارها عام 2027).

ويظهر في الخلفية كتاب بارزون مثل العماني خميس الكتيتي الذي ادعى في مقال بعنوان “لعنة العقد الثامن” أن نهاية “إسرائيل” ستتحقق بالتأكيد قريباً.

في هذا الإطار، هناك قلق من تفاقم وشيك للصراع بين “إسرائيل” وأعدائها نتيجة الأزمة الداخلية، وهناك من يثير احتمالاً أن تحاول “حكومة نتنياهو” قريباً الترويج لعملية عسكرية، كوسيلة للخروج من الانقسام الداخلي (رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، بعد الاضطرابات في حوارة، اتهم “إسرائيل” بـ “تصدير” مشاكلها من خلال استخدام العنف ضد الفلسطينيين)، وحذر آخرون مثل الصحفية الفلسطينية نهى الطوباسي من أن الجمع بين الانقسام الداخلي وقوة الأحزاب اليمينية في الكيان، بقيادة “الصهيونية الدينية” و”عوتسماه يهوديت”، يمكن أن يسبب “نكبة جديدة” للفلسطينيين.

جميع اللاعبين في الشرق الأوسط هم في مرحلة تحليل وتقييم الانقسام الداخلي ونتائجه، لكنهم ما زالوا بعيدين عن صياغة النتائج

ناهيك عن تغيير أنماط العمل تجاه “إسرائيل”، من خلال ستار الخطاب الحربي العدواني الذي يسمع من جانب إيران وحزب الله وحماس، لا يزال هناك خوفاً كبيراً من القوة العسكرية لـ “إسرائيل”، إلى جانب الاعتراف بالضعف الداخلي الذي تعاني منه تلك الأطراف (النفور العميق بين الجمهور الإيراني، وانهيار الدولة اللبنانية أو الضائقة الشديدة في قطاع غزة).

في الخطاب العربي على الإنترنت، هناك من يلوم تلك الأنظمة الديكتاتورية والمنظمات المتطرفة التي تقتل شعوبها، لكنها تستمد التفاؤل من صراع عام وسياسي مستحيل في مناطقها، علاوة على ذلك، لم يثبت بعد أن الانقسام الداخلي ينتقص من قوة “إسرائيل”، أو يعطل تحركاتها العسكرية، فالأضرار التي تلحق بجهود إيران على الجبهة الشمالية مستمرة، وكذلك عمليات “الجيش الإسرائيلي” في الضفة الغربية وردود الفعل على الانتهاكات الأمنية من غزة.

يدرك جميع اللاعبين في الشرق الأوسط أن نتائج الصدع الداخلي ستظهر بشكل أوضح في المستقبل، ليس في الأيام القريبة، ولكن بالتأكيد في غضون بضعة أشهر أو سنوات.

إن التقييمات والآمال بأن “إسرائيل” ستواجه صعوبة في إدارة معارك عسكرية في المستقبل آخذة في الارتفاع،

كما سيفتقر الكيان إلى القوة الاقتصادية والدعم الدولي الذي كان يتمتع به في الماضي.

ولن تتمكن “إسرائيل” من تفعيل نظام الاحتياط الخاص بها وتعزيز إحساسه بالمهمة الوطنية، ومن الممكن أن تنزلق حتى إلى صراعات داخلية عنيفة (يناقش العديد من الكتاب الاستخدام المتزايد لمصطلح “الحرب الأهلية” في الخطاب الإسرائيلي: ويشير الكاتب الفلسطيني شرحبيل الغريب إلى أن الفوضى المطلقة داخل الكيان أمر وارد، وتساءل محمد هلسا في السياق نفسه هل ترسو آلتالينا سفينة الحرب الأهلية الإسرائيلية عند شواطئ يافا مرةً أخرى؟)

يضاف الضرر الذي لحق بصورة الكيان في عيون الساحتين الإقليمية والدولية إلى سلسلة من الأسباب الثقيلة التي تتطلب وقف الحملة التشريعية الخاطفة حول الموضوع القانوني، وفتح حوار وطني، وعلى رأسها الانقسامات التي تظهر في “الجيش الإسرائيلي”، والمخاطر على الاستقرار والقوة الاقتصادية، وتقويض قواعد اللعبة السياسية وهيكلية النظام.

طالما ركزت “إسرائيل” على الفوضى الداخلية، فلن يكون هناك نقاش أو قرارات حول قضايا وجودية مثل الملف النووي الإيراني، ومستقبل النظام الفلسطيني، وتنظيم علاقات فلسطينيي 48 داخل الكيان.

حتى قبل أن يبدأ أعداء “إسرائيل” في محاولات “التجربة والخطأ” المستفزة – بدءاً من تأجيج التخريب والتحريض (بما في ذلك في الساحة الداخلية)، ومن خلال زيادة جهود بناء القوة على الجبهة الشمالية، وانتهاءً بالترويج لهجمات إرهابية في عدد من الساحات ( بما في ذلك الخارج) – من الضروري أن تعود “إسرائيل” إلى رشدها وتنهي الفصل التاريخي القاسي من الانقسام الداخلي.

إذاً وعندما يتم الانتهاء من مهمة العودة إلى واقع ما قبل الأزمة (الذي كان بعيداً عن التناغم أو الاستقرار)، يوصى بأن تنتقل “إسرائيل” بسرعة وبعزم إلى مناقشات متعمقة بشأن التحديات الاستراتيجية التي تواجهها، وقبل كل شيء، تفهم الحاجة إلى اتخاذ القرارات التي كان ينبغي اتخاذها منذ سنوات.

المصدر: معهد السياسة والاستراتيجية/ ميخائيل ملشتاين

Exit mobile version