الرئيسيةمختاراتمقالاتالأرض الموعودة بين الحقيقة والخيال

الأرض الموعودة بين الحقيقة والخيال

كتب: أ.د. يونس عمرو

لا شك في أن إجماعاً شبه تام، لدى علماء الأديان والانثروبولوجيا، على إختلاق وتزوير الروايات الواردة في العهد القديم بعامة، وفي اسفار موسى الخمسة (التوراة) بخاصة، تلك الروايات التي خُطّت بأيدي كتبةٍ غارقين في أوهامٍ أورثتهم غروراً، أدّى بهم الى الإستعلاء على بني البشر، ليعتبروا أنفسهم وأهليهم متميزين على الخلق، ولا أصالة الا لهم هم، وباقي الناس هم من الأغيار الدونيين، الذين لا يملكون شيئاً من حقوق الانسان، التي اختص بها الله خلقه، فلا يعترفون لا بنبوةٍ ولا بأنبياء، ولا بمجتمعات ولا بقوانين ولا أنظمة ليست لهم .
وهذه الروايات التي كتبوها، واخذت طابع القدسية، سعوا من ورائها الى تحقيق هدفين اثنين: الأول؛ اثبات تميزهم واستعلائهم. والثاني؛ نزع الأصالة عن كل ما ليس منهم أو لهم .
ولقد حملوا هذه الروايات، وآمنوا بها وطبّقوها في حياتهم، فأدّت بهم من منطلق هذه الروحية، الى اضطهاد الشعوب لهم، وإلحاق الأذى بأجيالهم هذا من ناحية، وأدّت بهم الى الإجرام بالشعوب ممن ليس منهم من ناحية أخرى، وهذا ما نعانيه نحن الفلسطينيين اليوم، في صراعنا المتواصل منذ قرنٍ من الزمان، مع هؤلاء المحتلين لبلادنا فلسطين .
لعل أخطر هذه الروايات التي نحن بصددها في العهد القديم، رواية أرض الميعاد التي منحها الله لابراهيم (عليه السلام)، لقاء سببٍ بعيدٍ عن العقل، والمنطق، والفهم، وهو أن ابراهيم كآشوري الأصل، لم تُجرَ له جراحة الختان (الطهور)، وحينما جاء الى مملكة جِرار الفلسطينية -موقعها اليوم تل جِرار جنوب شرق غزة على التخوم المصرية- وتحالف مع ملكها الفلسطيني (أبو مالك)، لحساب مصر الفرعونية، طلب الفرعون من ابراهيم (عليه السلام)، أن يجري جراحة الختان -كعادة مصرية حاميّة- في نفسه وفي ابناء بيته وعبيده وخدمه ففعل، فكان جزاؤه عند الرب أن منحه أرضنا أرض كنعان، منحة له ولنسله من بعده (سفر التكوين اصحاح 17)، وترتب على ذلك أن ابراهيم (عليه السلام) أورث نسله من ابناء اسحاق (العبريون او الاسرائيليون او اليهود) همّاً أبدياً يلازمهم الى الأبد، وهو أن الشعوب باتت تحتقرهم لسخف مثل هذا التفكير، وترويج مثل هذه الرواية، التي يشكك بها كل علماء الأديان والانثربولوجيا، وبخاصةٍ ما ورد عن سيدنا ابراهيم الخليل (عليه السلام)، في القرآن الكريم، ما نزَّهُه وترّفع به عمّا يصفون من صفات تُسيء إليه عليه السلام، ثم أورثتهم هذه الرواية، مشكلة عويصة لازمتهم وتلازمهم عبر العصور، يعاني منها كل يهودي على وجه الأرض، وتتمثل في أنه يجب على كل يهودي، أن يثبت نسبه الى أمٍ يهودية، ترجع في نسبها الى السيدة سارة (عليها السلام)، زوج ابراهيم أم اسحق جدة يعقوب (اسرائيل)، ومن لم يستطع ذلك، لا يُعتبر يهودياً، لأنه لأمٍ غير يهودية، فيعامل على انه ابن سفاحٍ يحرم من ميراث اليهود، ومنها ميراثه من ابراهيم، وهذا ما نعانيه نحن العرب أمام هذه الشريعة، لأننا ابناء اسماعيل ابن ابراهيم، ولكن أبناء هاجر الأميرة المصرية غير اليهودية، والتي في حكمهم، ليست أهلاً لتلد ابناء شرعيين يرثون الأب والجد، لأن الأب اسماعيل (أبو العرب)، ليس يهودياً ليرث من أبيه ابراهيم ميراث الأرض الموعودة، وكثيراً ما وقع الباحثون في وَهْمٍ مُضِل، لجهلهم في الشريعة اليهودية، حينما وقفوا على رواية الأرض الموعودة لابراهيم (عليه السلام)، فقالوا ما دامت هذه الأرض (فلسطين)، وعدها الله لابراهيم منحةً وهبةً، فليتقاسمها أبناؤه العرب واليهود، وليحل السلام على هذه الأرض، وعلى رأس هؤلاء الذين وقعوا في هذا الوهم، الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الذي كتب كتاباً مُهماً بعنوان: دم ابراهيم (The blood of Abraham)، والذي أطلق فيه حكمه من أجل السلام قائلاً: اذا كانت هذه الأرض (فلسطين)، قد وهبت لابراهيم (عليه السلام)، كأرض موعودة من الله سبحانه له ولنسله من بعده، فليتقاسمها نسله من العرب واليهود، ومن هنا يدفعون هم ثمن ايمانهم في هذه الروايات المقدسة لديهم، من أركان اليمين المتطرف لدى حكومة الاحتلال، ونحن بدورنا، بل كل الأغيار، في حكم الاسرائيليين ندفع ثمن ايمان هؤلاء بهذه الروايات، والسعي الى العمل بها، ويا ليتهم يعقلون إيماناً بقدرة الله فهو العليم القدير.
ا.د. يونس عمر

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا