الرئيسيةمختاراتمقالاتتطبيع لم يجلب الكثير على حساب قضية تكاد تندثر

تطبيع لم يجلب الكثير على حساب قضية تكاد تندثر

كتب: فاضل المناصفة

كالعادة لم تتوانى الأنظمة العربية عن استصدار بيانات الشجب والاستنكار المعهودة بعد كل جولة تصعيدية يقوم خلالها الاحتلال الاسرائيلي باستهداف مقدسات المسلمين في فلسطين المحتلة، ربما كان ذلك رفعا للعتب أو نوعا من العادات الديبلوماسية التي تستعمل حفظا لماء الوجه أمام الشعوب لا شيء غير ذلك، وحتى مع دخول العلاقات العربية الإسرائيلية مرحلة جديدة بعد اتفاقيات ابراهام، لم يتمكن السلام المنشود أن يثني حكومات الاحتلال الاسرائيلي المتعاقبة عن انتهاكاتها المعهودة، وهو ما يؤكد أن إسرائيل وان اتجهت الى نسج علاقات مع أعداء الماضي، فإنها تبقى سبب العداء قائما الأمر الذي يجعل عملية السلام في حد ذاتها غير مقبولة منطقيا في ظل الوضع الراهن.
بعد مرور سنتين ونصف من امضاء اتفاقيات ابراهام، وما تلاها من حرب وجولات تصعيدية أدت الى إراقة دماء الفلسطينيين وتهجير وتدمير وانتهاك للمقدسات، تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن تلك الاتفاقيات كانت بروتوكولات أمنية واقتصادية محضة رجحت فيها مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى وتجاهلت الموقف الأخلاقي الذي ستقع فيه الدول المطبعة أمام شعوبها وأمام التاريخ بعد أن استبدلوا ما جاء في مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز الذي ينادي بحل الدولتين، بما جاء في خطة ترامب للسلام الشامل الذي جعل القدس عاصمة رسمية لإسرائيل من دون مراعاة حقوق الفلسطينيين فيها، وماهي الا أشهر معدودات من امضاء الاتفاق وسقوط نتنياهو، حتى عاد هذا الأخير مجددا الا سدة الحكم رفقة حكومة متطرفة ينادي فيها وزير متطرف بإبادة قربة الحوارة وانكار وجود شعب فلسطيني ودمج الأردن مع اسرائيل، ووزير آخر باقتحام الأقصى وتهجير الفلسطينيين …في ما الذي تنتظره الدول العربية التي أمضت اتفاقية ابراهام للتراجع عن الخطأ الذي وقعت فيه ؟ وهل هناك نية أصلا للتراجع؟
وان ناقشنا الجدوى الاقتصادية التي حققها وسيحققها التطبيع فإننا نجد أن الاتفاقيات التجارية بين إسرائيل والدول العربية المعنية باتفاقيات ابراهام لا تكشف عما يجعلها توصف بالاستثنائية والناجحة، فعلى سبيل المثال وان كانت النسبة المئوية في حجم المبادلات التجارية قد تضاعف بنسبة كبيرة ما بين الامارات وإسرائيل الا أن الأرقام المسجلة تبقى متواضعة اذ سجلت الامارات في سنة 2021 ما لا يتجاوز 1.2 مليار دولار كجحم كلي للمبادلات التجارية مع إسرائيل بينما حققت 3,7 مليار دولار مع مصر وأزيد من 16 مليار دولار مع السعودية في نفس السنة و 7.7 مليار دولار مع الأردن، وتوقعت الامارات أن يصل حجم المبادلات التجارية السنوية مع إسرائيل في الخمس السنوات القادمة 10 مليار دولار، بينما يصل حجم المبادلات مع الهند حاليا 60 مليار دولار، وهو مرشح للارتفاع الى 100 مليار دولار خلال الخمس السنوات القادمة، ومن هذا المنطلق فان تقييم تلك العلاقة الاقتصادية التي تجمع أبوظبي بتل أبيب يضعها في حكم العلاقة الضعيفة والغير مجدية والقابلة للتجاوز بسهولة كبيرة في اطار منظومة العمل الاقتصادي العربي المشترك .
وعلى فرض أن المغرب قد حقق مكاسب أمنية هامة عبر بوابة اتفاقيات أبراهام التي سمحت بتعزيز التعاون العسكري مع تل أبيب، وحصل على التكنولوجيا الحربية اللازمة فهل مكنه ذلك من حسم قضية الصحراء؟ ربما كانت صفقة التطبيع أكبر خطأ استراتيجي يقترفه المغرب بعد أن أصبحت مسألة التقارب مع وحل الخلافات مع الجارة الجزائر مسألة غير قابلة للنقاش بعد أن أصبحت هذه الأخيرة ترى في ذلك التطبيع استفزازا لها، خاصة وأنه حمل معه اتفاقية دفاع مشترك وعمليات تجسس باستخدام برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي، وحتى السودان الذي شهدت عاصمتها الخرطوم اتخاذ قرار للجامعة العربية عرف بقرار ” اللاءات الثلاث ” : لا صلح، لا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل، مضى في اتفاقيات ابراهام ولم يجني منها: لا استثمارات ولا مساعدات ولا اعفاءه من الديون الضخمة .
وحتى وان نجحت إسرائيل في نسج علاقات ديبلوماسية أو اقتصادية او عسكرية مع الدول العربية الا أن ذلك التطبيع يبقى خال من الروح ويفتقد للجوانب الثقافية والإنسانية التي تنسجها الشعوب لا الحكومات، ذلك لأنه مفروض بلغة السياسة وتقاطع المصالح ومرفوض بالإجماع العربي الشعبي، وحتى وان كان هذا الاجماع لا يؤثر في القضية بشكل ملموس الا أنه يبقى حرجا أخلاقيا طويل الأمد على الأنظمة التي اختارت المضي فيه، مما سيعجل اتفاق التطبيع محل مراجعة يوما.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا