الرئيسيةأخباراسرائيليةدولتان أم فيدرالية... حلول استباقية لأزمة إسرائيل المستقبلية

دولتان أم فيدرالية… حلول استباقية لأزمة إسرائيل المستقبلية

معروف أن الحريديين عاشوا منذ قيام إسرائيل في أحياء ومدن مغلقة حافظوا داخلها على نمط حياتهم ومارسوا معتقداتهم بحرية نسبية، في حين سيطرت الدولة العلمانية على الحيز العام، إلا أن تطورات العقود الأخيرة أخذت تقضم في قيم هذه الدولة.

كتب: سليمان أبو ارشيد

كشفت قضية الخلاف الذي يضرب إسرائيل متخذا من قضية الإصلاح – الانقلاب القضائي عنوانا له، عن أزمة عميقة تمتد جذورها في عمق المجتمع الإسرائيلي الاستيطاني القائم، بلغة القاموس الصهيوني، على “تجميع المنافي”، وهي تؤشر إلى فشل ما سمي بـ”بوتقة الصهر” التي هدفت عمليا إلى تفتيت وتذويب الشرقيين والمتدينين بواسطة قمع قيمهم ومعتقداتهم وتبديد هويتهم الثقافية وصهرهم في قالب الدولة الأشكنازية الليبرالية. وهو فشل تبدى في العقود الأخيرة بتحولات ديمغرافية – دينية غيرت وجه المجتمع الإسرائيلي وتمضي نحو الإطاحة بالدولة “البن غوريونية” الأشكنازية وقيمها الليبرالية.

ولا غرابة أن يكثر الحديث في الآونة الأخيرة، مجازا أو فعليا، عن دولتين يهوديتين البعض يسميهما “دولة يهودا” و”دولة إسرائيل” في استحضار للتاريخ اليهودي التوراتي والبعض يسميهما دولة يهودا و”دولة تل أبيب” أو “دولة دان”، وهو الاسم الذي استعمله رئيس برنامج الاقتصاد والأمن في معهد أبحاث الأمن القومي، بروفيسور عيران إليشيف، الذي طرح فكرة تقسيم إسرائيل إلى دولتين منذ عام 2015.

نفى إليشيف أن تكون الأزمة التي تعاني منها إسرائيل تنبع من انقسامها إلى أسباط بتعبير رئيسها السابق، رؤوفين ريفلين، مشيرا إلى أن المشكلة تكمن في وجود كيانين يحمل أحدهما الآخر على ظهره، بينما يمر الأخير بعملية تدين وتطرف، وتجاوزا لكل التباعدات القائمة، علمانيون – متدينون، أشكناز – شرقيون، يهود – عرب، مهاجرون جدد – قدماء، ضواحي – مركز، كما يقول، توجد هنا دولة علمانية ليبرالية عصرية ومتطورة اقتصاديا إلى جانب دولة دينية قومية رجعية، وأن الحديث عن تعدد أسباط هو محاولة لتشويش هذا التشخيص الجذري الواضح.

والباحث في معهد الأمن القومي يرسم الحدود الجغرافية لكل دولة من الدولتين المقترحتين حسب التقسيم الاثني – الاقتصادي رغم أنه لا تحدوه ذرة أمل بتطبيق اقتراحه، وهو ما سيؤدي في المحصلة إلى تعاظم هجرة يهود “دولة دان” إلى الخارج.

في المقابل، يرى موشيه سويسا وهو حاخام وكاتب وصحافي يسكن في الولايات المتحدة، أن الصهيونية الدينية التي رأت في دولة إسرائيل مرحلة تمهيدية لعملية “الخلاص” و”قدوم المسيح” وتبنت منذ البداية توجها رسميا، وجدت شرعية دينية لاحتواء قوانين الدولة العلمانية ومحاكمها تحت مظلة القاعدة الشرعية التي تجيز الالتزام بقوانين السلطة السائدة في دولة معينة، وليس فقط بتشريعات القانون العبري المتعارف عليها.

إلا ان سويسا يعتقد أن الكثير من أبناء الصهيونية الدينية مروا بعملية “تدين قومي” وأن الحركة التي قدست في الماضي “النهج الرسمي” بوحي زعيمها الحاخام يتسحاك كوك، مرت بعمليات تجميل وغيرت صورة وجهها، كما كتب في مقال نشرته “هآرتس” مؤخرا، هذا في حين أن الجمهور الحريدي الذي رأى دائما بأبوة الدولة “خطيئة قديمة”، عاش كل تلك السنين حياة مزدوجة، فهو من ناحية لم يعترف علنا بقوانين الدولة، وتمتع بخدماتها ورضع من حليبها من ناحية أخرى، إلا أن الحريديين تحولوا منذ “انقلاب” 1977 (حصول اليمين بقيادة الليكود على الأكثرية في الكنيست، لأول مرة في تاريخ إسرائيل السياسي) من شريك صغير ومحتمل إلى شريك أساسي في إدارة الدولة، وهو لن يعيش طويلا في هذه الازدواجية وسيلتحق في الوقت المناسب بمطلب إقامة سلطة الشريعة اليهودية في الدولة.

ومعروف أن الحريديين عاشوا منذ قيام إسرائيل في أحياء ومدن صغيرة مغلقة خاصة بهم حافظوا داخل حدودها على نمط حياتهم ومارسوا شعائرهم الدينية ومعتقداتهم بحرية نسبية، في حين سيطرت الدولة العلمانية الليبرالية على الحيز العام، إلا أن تطورات العقود والسنوات الأخيرة بما حملته من تحولات ديموغرافية – دينية، أخذت تقضم في قيم هذه الدولة مهددة إما بانقسامها إلى دولتين، كما ذكر سابقا، وإما بتبني نظرية تعدد الأسباط التي تعني أول ما تعنيه إقرار “الأشكناز العلمانيين” بأنهم ليسوا أسياد الدولة بل هم أحد أسباطها، والانكفاء للعيش في “مناطق مغلقة” على غرار الحريديين لكنها واسعة أشبه بكانتونات يستطيعون داخلها ممارسة حياتهم العلمانية بحرية تامة.

وفي هذا السياق يقترح، رئيس المنتدى العلماني، رام فرومان، تحويل إسرائيل إلى فيدرالية تتألف من بضعة كانتونات، وهو أمر سيجعل الحياة في الدولة أكثر احتمالا شريطة أن تسند إدارة غالبية شؤون حياة السكان إلى حكومة الكانتون، حيث تقيم الكانتونات العلمانية فصلا تاما بين الدين والدولة ولا تكون عملية تديين ويتم نقل الجزء الأكبر من الضرائب إلى الحكم الفيدرالي ولا تستخدم لتمويل المستوطنات أو المدارس الدينية، بل للاحتياجات الملموسة، بينما يحظى جهاز القضاء بالاحترام الذي يستحقه.

يقترح فرومان سيناريو آخر في حال فشل اقتراح “الدولة الفيدرالية” وهو إزاحة مركز الثقل إلى المجال البلدي، كما يقول ويسوق تل أبيب كمثال جيد لمدينة تدار بشكل أفضل مما تدار عليه الدولة ويحافظ قادتها على قيم تتعارض أحيانا مع قيم الحكم العام في الدولة (من هنا جاء مصطلح دولة تل أبيب)، وهو يرى أن إعطاء صلاحيات أوسع للحكم المحلي ونقل جزء من عائدات الضرائب من الحكومة إلى البلدية يساهم في خلق نوع من الأوتونوميا (الحكم الذاتي)، وهو يقترح أيضا إقامة جهاز تعليم علماني مستقل على غرار جهازي التعليم الديني والحريدي.

في الختام لا بد من الإشارة إلى أنه برغم أن هذه الأفكار أو بعضها لا تبدو واقعية، فإن تداولها، بما يعنيه التفكير بصوت عال، بتقسيم/ انقسام إسرائيل إلى دولتين أو تفتتها إلى كانتونات في إطار حكم فيدرالي، يعكس أزمة حقيقية تبحث عن حلول.

إلا أن المستغرب أن هذه الافكار والاقتراحات تتجاهل هي الأخرى العرب الفلسطينيين الذين يشكلون 20% من مواطني إسرائيل، ولا نعرف ماذا سيصير مصيرهم بين دولة يهودا ودولة إسرائيل وهل سيحظون بكانتون مستقل في الدولة الفيدرالية.

عرب 48

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا