الرئيسيةمختاراتمقالاتقطع الحروب بهزيمتها

قطع الحروب بهزيمتها

نبض الحياة

كتب: عمر حلمي الغول

استوقفني مقال للكاتب الصيني “تشوا تشين” بعنوان “من يريد هزيمة أميركا يقطع عنها هواء الحروب” نشره في 24 اذار / مارس 2023، ومما جاء في المقال الهام والهادف “اكبر تهديد للولايات المتحدة ليس الصين، بل السلام،” ويضيف تشين أن السلام في العالم سيضع نهاية الإمبراطورية الأميركية الدولارية، التي بنيت على الحرب، واقتصاد الحرب، وتجارة الحروب.” وتابع فكرته “عندما يكون هناك سلام في العالم، سيضيع الاميركيون.” وعمق رسالته بأنهم “لن يعرفوا ماذا يفعلون؟ فالكثير منهم ممن يتم توظيفهم لمجرد التحريض على الحروب وادواتهم سيكونون عاطلين عن العمل.. وسيكون المجمع الصناعي العسكري بأكمله معطلا عن العمل.
جال الكاتب الصيني على عدم جدوى القواعد العسكرية في العالم، وحاملات الطائرات والصواريخ البالستية العابرة للقارات، واسلحة الدمار الشامل وجميع الصناعات الحربية ستكون بلا فائدة، ولا قيمة لها حين يعم السلام .. الخ
حلم صيني جميل ووردي يحاكي أحلام كل الحالمين بعالم خال من الحروب والويلات والمصائب والدمار وقتل الأبرياء، وبناء عولمة متسامحة تقوم على التكافؤ والتكامل والتعاضد بين شعوب الأرض قاطبة، يتساوى فيها الجميع دون تمييز بين الشمال والجنوب، بين الدول الغنية والدول الفقيرة، بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة، عالم قائم على الشراكة الحقيقية بعيدا عن الاستقواء والتنافر والاستحواذ والاستعمار بكل اشكاله، عالم تقوده حكومة عالمية (هيئة اممية) همها الأساس حماية البشرية من الحروب والصراعات الاجتماعية الطبقية والقومية، ورصد موارد الشعوب في خدمة وتطور الانسان، ووضع مخرجات العلوم كافة في عالم تسوده العدالة والمساواة بين بني الانسان دون تمييز على أساس العرق او اللون او الدين او الجنس، وترفرف على عواصم الدول راية السلام الواحدة.
لكن كيف يتم قطع الحروب؟ وهل اميركا المتصدعة ستسلم بسهولة للصين او لروسيا او حتى للاوروبيين حلفائها التاريخيين بهزيمتها؟ هل كارتلات الصناعات الحربية سترفع الراية امام الأقطاب الدولية الأخرى؟ وهل اقطاب الصناعات السيبرانية سيقبلوا ويسلموا للشركات الصينية او غيرها المنافسة؟ وأين من كل ذلك اباطرة رأس المال المالي؟ وهل يمكن تحشيد العالم بمكوناته واقطابه على خيار السلام الحقيقي بشكل مطلق؟ وكيف يتحقق السلام وبلاد العام سام تمتلك كل المخزون النووي والنيتروجيني واسلحة الدمار الشامل؟
واسئلة من طراز آخر، الا يعلم الكاتب الصيني ان العالم منذ وجد وتبلور في تشكيلته الاجتماعية الاقتصادية الأولى، مرحلة العبودية مرورا بكل التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية المتعاقبة حتى الان، كان عالما مسكونا بالحروب بمسمياتها وعناوينها المختلفة؟ وهل ما تقبل به الصين، تقبل به الدول الأخرى؟ وما هي الضمانة لقبول الدول بالرؤية الصينية؟ وهل قوى الإرهاب والفوضى واستغلال الشعوب ماتت، واندثرت، ولم تعد موجودة حتى يعم السلام؟
هناك فرق بين الحلم والخيال والواقع، وهناك فرق بين الرغبات والاسقاطات الذاتوية وبين الواقع المعاش، ويستحيل التنبوأ بعالم خال من الحروب، حتى لو انهارت الإمبراطورية الأميركية، وتم تدمير أسلحتها النووية والنيتروجينية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وتم تصفية قواعدها العسكرية في دول العالم ال750 قاعدة، وانخفضت موازنتها العسكرية الى الحد الأدنى، وحتى لو تسيدت الصين على العالم، وسعت لتطبيق مبادرة الحزام والطريق، وشقت طريق عالم خال من السلاح النووي مع حليفها الروسي ودول البريكس، فلا يمكن الافتراض بان العالم سيكون آمنا. لان قوى الإرهاب الإقليمي والدولي ستبقى تدافع عن خياراتها الدموية بطرق ووسائل تقليدية وحداثوية وفقا لتطور قوى وعلاقات الإنتاج.
قد يسود العالم لبعض الوقت السلام مع تكريس عالم متعدد الأقطاب، ومع لجم النزعات الأميركية، وقطع هواء الحروب عنها، واعادتها الى حظيرتها الأميركية، وفرض الاستسلام عليها في ظل موازين قوى عالمية جديدة ونوعية مغايرة لما هو عليه الحال راهنا. ولكن من السابق لاوانه الاعتقاد بخلو العالم من قوى العنف والإرهاب والحروب. مع ذلك سيبقى حلم الكاتب الصيني تشين وحلم كل انصار السلام مشروعا، وعلى كل قوى الحرية والعدالة الاجتماعية المثابرة ونضافر جهودها داخل بلدانها وفي اقاليمها وعلى مستوى العالم لبناء عولمة إنسانية جديدة تقوم على تكامل وتعاضد الحضارات البشرية المختلفة بعيدا عن الصراعات والحروب، وتؤصل لعالم متنوع ومتعدد لدحض مقولات ونظريات الصراع بين الثقافات والحضارات ليعم السلام بين بني الانسان في ارجاء المعمورة.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا