الرئيسيةمختاراتمقالاتالصين مجدّداً: هل تحلّ "الصراع العربي الإسرائيلي"؟

الصين مجدّداً: هل تحلّ “الصراع العربي الإسرائيلي”؟

كتب: محمد السماك

لماذا نجحت الصين في ترميم العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران حيث فشل الآخرون؟ والآخرون أساساً هم روسيا والولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي.

منذ سنوات والولايات المتحدة تحاول تحريض العالم الإسلامي ضدّ الصين على خلفيّة الصراع الصيني مع شعب الإيغور المسلم في شينيانغ، لكنّ نجاح الوساطة الصينية بين طهران والرياض جمع جناحَيْ العالم الإسلامي السنّيّ والشيعي حول الصين. أدّى ذلك عمليّاً إلى سقوط دبلوماسية الاستعداء أو التحريض عليه التي كانت تتّسم بها الدبلوماسية الأميركية، وإلى نجاح دبلوماسية المصالحة والتوافق التي تتجسّد الآن في إعادة فتح السفارتين والقنصليّات في السعودية وإيران، وفي تبادل الزيارات الرسمية، وفي وقف الحرب في اليمن والبحث الودّيّ والهادئ في العديد من الملفّات الإقليمية الأخرى.

لماذا نجحت الصين في ترميم العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران حيث فشل الآخرون؟ والآخرون أساساً هم روسيا والولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي

تستعدّ الصين الآن للقيام بمبادرة ثانية ربّما لا تقلّ أهميّة، لكنّها بالتأكيد أشدّ صعوبة، وهي العمل على تحقيق تسوية سياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

صحيح أنّ إسرائيل غارقة في الحضن الأميركي، وأنّها جزء من الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، إلا أنّ لإسرائيل مصالح واسعة مع الصين، خاصة في المجال التكنولوجي، وحتى العسكري. ومن جهتها، ترى السلطة الفلسطينية أنّ الصين قوّة عالمية جديدة خرجت من قمقمها بعد طول انحباس، وأنّها مؤهّلة لأن تلعب دوراً عجز عن القيام به كلّ من الاتحاد الروسي، والاتحاد الأوروبي، وطبعاً الولايات المتحدة.

أميركا على خطّ “الخربطة”

لذلك من المتوقّع أن توظّف واشنطن الآن ثقلها السياسي والمعنوي لتفشيل المبادرة الصينية المقبلة بما لها من دالّة على إسرائيل ومن أفضال عليها. لم تكن إدارة الرئيس جو بايدن قادرة أو مؤهّلة لعرقلة المساعي الصينية الحميدة بين السعودية وإيران، ذلك أنّ بايدن لم يترك في العالم العربي، ولا حتى في كلّ الشرق الأوسط، صديقاً ولا حليفاً يثق به. وإذا لم تكن إدارته قادرة على صناعة تسوية سياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على قاعدة القرارات الدولية، فلن تعجز عن تفشيل أيّ محاولة تقوم بها دولة أخرى، خاصة إذا كانت الصين هي تلك الدولة.

في شهر آذار الماضي زار وزير خارجية الصين “ونغ يي” طهران، ووقّع مع إيران على اتفاقية تعاون مدّتها 25 عاماً تحصل الصين بموجبها على النفظ الإيراني مقابل تنفيذ الصين سلسلة من المشاريع الإنمائية، من بينها قطار الأنفاق في العاصمة طهران، وتطوير شبكة الاتصالات والمواصلات، وبناء سلسلة من المستشفيات والمرافئ.

قبل ذلك في عام 2016، زار الرئيس الصيني نفسه “شي جينبينغ” جامعة الدول العربية، وأعلن أنّ محاربة الاضطرابات في المنطقة تكون بالتنمية، وأنّ الصين على استعداد لمشاركة الدول العربية في برامجها التنموية المختلفة. وبالفعل هناك مشاريع تنموية نفّذتها الصين سابقاً، وأخرى تنفّذها في عدد من الدول العربية من سلطنة عمان حتى مصر.

في حين كانت تجري هذه المناورات المراقَبة أميركياً، كانت تجري الاستعدادات للقاء التسوية والمصالحة في بيجين بعيداً عن الأعين الأميركية المنتشرة في الأرض وفي الفضاء

الصين: السياسة بدل العسكر

لا يُعرف سوى قليل جدّاً من المناورات العسكرية المشتركة التي أجرتها قوات صينية مع كلّ من القوات السعودية والقوات الإيرانية. كلّ ما يُعرف هو أنّ تلك المناورات بوجهَيها كانت تحت مراقبة الأقمار الصناعية الأميركية.

لكن في حين كانت تجري هذه المناورات المراقَبة أميركياً، كانت تجري الاستعدادات للقاء التسوية والمصالحة في بيجين بعيداً عن الأعين الأميركية المنتشرة في الأرض وفي الفضاء.

بالفعل فقد وجّهت الصين الدعوة إلى كلّ من السلطة الفلسطينية وإسرائيل لإرسال ممثّلين عنهما إلى بيجين لإجراء مباحثات تمهيدية بإشراف صيني. وهي المرّة الأولى التي تتّخذ فيها الصين مبادرة من هذا النوع. صحيح أنّ الدعوة وُجّهت إليهما قبل إعلان نجاح المساعي الصينية الحميدة بين المملكة العربية السعودية وإيران، إلا أنّ تجديد الدعوة بعد نجاح هذه المساعي يعطي المبادرة نفحة من الأمل تتجاوز عقدة المستحيل واللاممكن. وبعد التطوّرات الأمنية المتصاعدة في القدس وفي الضفّة الغربية المحتلّة، تكتسب المبادرة الصينية بعداً استثنائياً من الأهميّة في غياب أيّ مبادرة أخرى لمنع الانفجار الكبير.

أيّاً تكن النتائج، فقد وضعت الصين قَدَماً في الشرق الأوسط من خلال التسوية السعودية – الإيرانية. وهي تعمل الآن على وضع القدم الثانية من خلال تسوية فلسطينية – إسرائيلية. وإذا تحقّق لها ذلك، فهي تعلن نفسها اللاعب الرئيسي في المنطقة. وهو ما يتناقض تماماً مع الاستراتيجية الأميركية من جهة، ومع المصالح الأوروبية الأطلسية من جهة ثانية.

ليس صحيحاً أنّ الأوراق الدولية اختلطت في الشرق الأوسط. الصحيح أنّ لاعباً جديداً دخل الملعب السياسي، وأنّ دخوله فرض تغيير قواعد اللعبة.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا