المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الصبيانية في الحرب

نبض الحياة

كتب: عمر حلمي الغول

الحرب هي السياسة بوسائل قتالية، وهي فن من فنون الصراع، ولا يدخل الحرب الا من يكون على مستوى الدراية بالعلم والكفاءة والحكمة العسكرية، ويدرك أهدافها وسيناريوهاتها السلبية قبل الإيجابية، ورغم ان الحرب مطلق حرب تعتبر مغامرة، ولكنها مغامرة محسوبة، وليست مزحة، او نزوة، او ناجمة عن ردود فعل ارتجالية، ولا هي مراهقة صبيانية، لانها محكومة بقوانين وقراءات دقيقة للموقف في تحولاته الناجمة عن سير المعارك، والشروط العملياتية، والاستحضار الدائم لجاهزية وقدرات العامل الذاتي العسكرية والمالية الاقتصادية والصحية والتربوية والإعلامية الثقافية والبيئية، وأيضا الوقوف على تطورات العامل الموضوعي، إن كان على صعيد الطرف الاخر، او على صعيد حلفاء وشركاء الطرف ذاته، ومدى استعدادهم لتقديم الدعم المادي والمعنوي.
ما تقدم له عميق الصلة بالمحاولة الأوكرانية الصبيانية يوم الثلاثاء الماضي الموافق 3/5 الحالي باغتيال الرئيس فلاديمير بوتين، والتي تم التصدي لها من خلال تدمير الطائرتين المسيرتين، التي اطلقها نظام الرئيس زيلينسكي، معتقدا انه باغتيال الرئيس الروسي يستطيع ان ينهي الحرب، ومفترضا ان القيادة السياسية والعسكرية والأمنية الروسية ساذجة حتى تترك مركز القرار الروسي بلا حماية، والأخطر انه لا يدرك تداعيات العملية الغبية التي افشلها الروس في اللحظة الاخيرة، ومراهنا على الغرب الرأسمالي بقيادة اميركا بحمايته من رد الدب الروسي، ويتضح انه لم يتعلم حتى الان من الحرب الدائرة، ولم يستخلص دروسها المختلفة، واولها انه لا يساوي شيئا بالنسبة للاميركيين، لانهم يقاتلون حتى آخر مواطن اوكراني بما في ذلك شخص الرئيس زيلينسكي وأركان جيشه وحكومته.
ومن القراءة السريعة لمحاولة اغتيال حاكم الكرملين القوي، يمكن الاستنتاج التالي: أولا أكد الرئيس الاوكراني وقيادته العسكرية والأمنية، ومن يقف وراء دفعه لتنفيذ العملية الصبيانية، انهم جميعا مراهقين، ولا يملكوا حدا ادنى من الحكمة السياسية او العسكرية؛ ثانيا ادخل الحرب في مرحلة نوعية جديدة، وهو يعلم ان موازين القوى كانت ومازالت لصالح الجيش والقيادة العسكرية الروسية؛ ثالثا اطلق يد القيادة الروسية في اتخاذ ما يستوجبه الرد المناسب بما في ذلك الاغتيال للرئيس وأركان قيادة النظام السياسي الاوكراني، وهذا ما عبر عنه نائب رئيس مجلس الامن الروسي، دميتري ميدفيديف في نفس يوم العملية بالقول “لم يبق سوى خيار التحييد الجسدي لزيلينسكي وعصابته.” بتعبير أوضح، كأن لسان حال الرئيس الروسي السابق، ان القيادة الأوكرانية أطلقت النار على رأسها، أي انتحرت، وليس على ارجلها فقط؛ رابعا أي كان حجم الدعم والمساندة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لن تغير من موازين القوى لصالح اوكرانيا.
ومع ذلك، تشير العملية الأوكرانية بوصول طائراتها المسيرة الى العاصمة موسكو ومبنى الكرملين حيث إقامة الرئيس بوتين الى فشل المنظومة الأمنية الروسية، ووجود خلل فاضح في تقدير الموقف الروسي لاعدائه، وأنكشاف المجال الجوي الروسي امام الطائرات الأوكرانية إن كانت مسيرة او غير ذلك، وعدم التمييز بين الطائرات المسيرة الروسية او المعادية. لا سيما وان هناك فرضية ترى، ان العملية تمت من داخل الأراضي الروسية، ولم تأتِ الطائرات من كييف ولا من لوغانسك او يخموت، وهذا يؤكد مجددا وجود ثغرة كبيرة في حماية البيت الروسي، خاصة وانها ليست العملية المعادية الأولى، بل سبقتها عمليات أخرى في اكثر من مدينة روسية. الامر الذي يفرض على القيادة الروسية الى الاتي: أولا عدم التراخي، والنوم على موازين القوى المائلة لصالحها؛ ثانيا إعادة نظر شاملة في تقدير الموقف في كل الجبهات في الداخل الروسي وفي الأقاليم التي تم ضمها لروسيا مؤخرا لوغانسك ودونيتسك او في جبهات القتال، واستخلاص الدروس والعبر فورا، واهمها حماية مجالها الجوي؛ ثالثا البحث عن وملاحقة العملاء الذين اطلقوا الطائرات من الأراضي الروسية، وكشف اوكارهم قبل فوات الأوان؛ رابعا اتخاذ إجراءات عقابية ضد القائمين على حامية موسكو كلها برا وجوا، لانهم اكدوا عدم جاهزيتهم في مواجهة العدو الداخلي والخارجي .. وغيرها من الإجراءات ذات الصلة بالامن
واي كانت أخطاء وخطايا القيادات العسكرية والأمنية الروسية، فإن القيادة الأوكرانية ارتكبت غلطة عمرها في الذهاب الى متاهات جديدة لحرب قاسية وطويلة ونهايتها معلومة.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

Exit mobile version