الرئيسيةمختاراتمقالاتبين المفارقات والمقاربات بعد ٧٨ عاماً من الأنتصار على النازية

بين المفارقات والمقاربات بعد ٧٨ عاماً من الأنتصار على النازية

كتب: السفير مروان طوباسي

بعد أيام وتحديدا بالتاسع من أيار تحل علينا الذكرى ٧٨ للأنتصار على النازية التي دفعت الشعوب الأوروبية وتحديدا منها شعوب الاتحاد السوفيتي السابق ثمنا باهظا من أرواح أبنائها ومقدراتها من أجل دفن هذا الوحش النازي الذي اطل برأسه قبل أكثر من تسعون عاما من الزمن لمعاداة الشعوب والعدالة وعجلة تطورها الطبيعي .

اليوم يتوجب ربط الكفاح ضد الأحتلال الأستعماري والفاشية الصهيونية مع ذكرى الأنتصار على النازية ، والتحرك مع كل شعوب العالم وقواه الديمقراطية والتقدمية لمناهضة نهوض النازية الجديدة حول العالم ولحماية شعبنا الفلسطيني من مجريات استمرار جريمة الأستعمار ومن أجل دحر الأحتلال ونظام الفصل العنصري وتنامي الفاشية .

فمن الدروس المستفادة من هذا الأنتصار على النازية إدراك حقيقة ، أن تحديد مصير العالم في المرحلة المعاصرة لتطور البشرية هي مسؤولية مشتركة ذات طابع عام لا يتجزأ . اليوم كل الشعوب تتحمل المسؤولية أمام جيل المستقبل من أجل الوصول الى نظام دولي متعدد الأقطاب ومتوازن يقوم على إنهاء هيمنة السياسية الأمريكية وحلفاؤها ، ويقوم على أساس المبادئ والقيم التي كرستها الشعوب المنتصرة ضد النازية والتي من أهمها قيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وفي اختيار مسار تطورها المستقل ، حيث من هنا تكمن مسؤولية شعوب العالم .

هنالك ضرورة اليوم لانهاء ظواهر الاستبداد والعنصرية بكافة اشكالها كما الحروب والحروب بالوكالة التي تقوم على حساب مصالح الشعوب ، هنالك ضرورة لدحر نشؤ ظواهر النازية الجديدة التي بدأت تطل برأسها من أجل حصار ومحاربة مَن انتصر بتضحياته فعلا على النازية سابقا أو الثأر منه .

وهنالك تكمن ايضا ضرورة العمل من أجل تعزيز الثقة المتبادلة بين الشعوب على قاعدة العدالة والمساواة والتضامن بينها والبحث المشترك للآفاق المستقبلية للبشرية جمعاء التي يجب أن تكون أفضل من أجل حماية مصالح الشعوب والسلم الدولي ، وإنهاء استمرار دفع الشعوب ثمن المغامرات المتوحشة الأمريكية حول العالم وهيمنتها على النظام الدولي ، كما وثمن هذا الأحتلال الأستعماري الإسرائيلي البشع الذي لا يمكن أن يستمر للأبد خاصة مع بروز ظواهر الأزمات العميقة اليوم داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه والمتغيرات الدولية والاقليمية الجارية.

لقد ارتكبت الولايات المتحدة بعد مرحلة الأنتصار على النازية الجرائم ضد شعوب كثيرة في مناطق مختلفة من العالم . وفي إطار نتائج الحرب العالمية الثانية والتي لم تتأثر بها بمقارنة مع ما حصل من دمار بالقارة الأوروبية ، ساهمت مع قوى الأستعمار في بريطانيا وفرنسا في إثارة الحرب الباردة وخلق فزاعة العدو الشيوعي بحق من كان حليلفهم بالحرب ، كما وتقسيم المنطقة وتفكيكها وإعادة هندستها جغرافيا وديموغرافيا وسياسيا واقتصاديا ، ونجاحها في زرع الكيان الأستعماري الأستيطاني الصهيوني، وتمدده في كامل الوطن الفلسطيني لاحقا وحتى اليوم ، واستمرار حمايته وفق ما جاء بإعلان الكونغرس الأمريكي وبيان رئيسة المفوضية الأوروبية في ذكرى ما يسمونه بيوم استقلالهم الذي يجسد نكبتنا .

وهي اليوم تدفع باعادة التوتر للعالم في حربها وتهديداتها ضد الصين وروسيا والشرق بشكل عام كما وضد شعوب امريكيا اللاتينية وافريقيا ، وتكيل القانون الدولي بمكايل مختلفة ، وتساهم فعليا في في استدامة الأحتلال الإسرائيلي.

إن ما تقوم به قوى اليمين والليبرالية المتوحشة بالولايات المتحدة ومؤسستها العميقة وبعض دول الغرب الأوروبية اليوم التي يتهددها عدم الاستقرار ، وحلفائها وفي مقدمتهم دولة الأحتلال الأستيطاني إلاسرائيلي يستند الى الارتداد عن روح ونتائج الانتصار قبل ٧٨ عاما والى مرتكزات فكرية تُعبر عن عودة روح نازية وفاشية جديدة تقوم على اسس التمييز العنصري والتطرف القومي الديني والفوقية العرقية او الدينية وفق مفاهيم مزعومة تساندها قوى صهيونية دولية ومسيحية قومية بالغرب تسعى لما حاولت أن تسعى له قبل ٧٨ عاما النازية ألالمانية وحلفائها من فاشية موسيليني وفرانكو وغيرهم لاضطهاد الشعوب التي لا تَنبع من عرقهم أو من دينهم .

وفي عصرنا الحالي الذي يتسم ببعض مظاهر العنصرية غير المبررة في الولايات المتحدة التي بات صعود افكار نازية جديدة فيها وفي وبعض دول الغرب الاوروبي من اليمين المتطرف تجاه اللاجئين او الملونين وعودة عدد من مظاهر الاستبداد ، تُشكل آليات صعود هتلر انذاك للحكم مسألة ملهمة لهم بشكل خاص ، فلا يوجد نموذج أفضل بالنسبة إلى أولئك الذين يرغبون في استمرار الفكر الأستعماري وتفكيك الديمقراطية والعدالة على حساب صعود اليمين الفاشي القومي أو الديني.

حيث يشير عدد من حكام دولة الأحتلال الى ان تعاون الصهيونية الدينية مع الصهيونية العلمانية نجح في الاستمرار طالما تبنّت الصهيونية العلمانية بصورة واضحة فكرة الوطنية اليهودية . الأمر الذي برأيي ينقلها إلى مراحل الفاشية اليوم .

حيث تَستقي الحركة الصهيونية نقاءَها الدينيّ والسياسيّ المزعوم من خلال رؤيتها في محو شعبنا الفلسطيني ، وهي تستمد وَهم شرعيتها التاريخية من خلال خطابات نتنياهو وبن غفير وسموتريتش ومعلميهم الأوائل بالانتصار علينا نحن الفلسطينين وحسم الصراع المبكر معنا وكما يروج غلاتهم اليوم في برنامج حكومتهم ، تماما كما كانت خطابات غوبلز والنازيين وجابوتنسكي قبل ٧٨ عاما .

وبالمناسبة فقد أستمد النازيون الإلهام من العنصرية الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. حيث يشيد هتلر في كتابه “كفاحي” بأمريكا باعتبارها الدولة الوحيدة التي أحرزت تقدماً نحو مفهوم عنصري كأساس للمواطنة من خلال استبعاد أعراق معينة من التجنيس والمواطنة وممارسة الفوقية البيضاء ، وهو الامر الذي يدعوا له عدد من القادة السياسين اليوم بالولايات المتحدة وبشكل خاص من الحزب الجمهوري امثال حاكم فلوريدا روني دي سانتيس المرشح ليكون نائبا للرئيس في حال فوز ترامب .

وقد كان برنامج التعقيم القسري في كاليفورنيا سبباً مباشراً في استلهام قانون التعقيم النازي عام ١٩٣٤. وهناك أيضاً أوجه تشابه اجرامية بين تقنيات الموت الأمريكية والألمانية ، والتي كررها مجرمين الأحتلال ضد شعبنا في زنازين المعتقلات .

وقبل ثلاث سنوات ولمناسبة مرور ٧٥ عاما من الانتصار على النازية ، وبناءً على اقتراح من روسيا، تم التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار ينص على “مكافحة تمجيد النازية والنازية الجديدة والممارسات الأخرى التي تسهم في تسعير الأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصّب”.
ولقد كان مفاجئا أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا وقلة معهم قد صوتوا ضد القرار ، بينما امتنعت أغلب الدول الأوروبية عن التصويت ، الموقف كان غريبا حينذاك ، لكن ما يجري اليوم قد يسهم في تفسير ذلك ، وهو ما يشابه نجاحهم في إلغاء القرار الأممي بمساواة الصهيونية بالعنصرية عام ١٩٩١.

فما زالت محاولات اضطهاد الشعوب بافكار متجددة وجرائم التطهير العرقي واستمرار فرض نكبة مستمرة على شعبنا الفلسطيني التي تحلُ علينا ذكرى بداياتها كجريمة ضد الانسانية قبل ٧٥ عاما بعد أيام قليلة في ١٥ أيار والتي هدفت الى تنفيذ مشروع استعماري عنصري على أرض نحن الفلسطينين اصحابها، أرض ليست لهم ، لم يأتي بها احد من هؤلاء المستوطنين من الدول التي تركوها في إطار مؤامرتهم مع النازية في حينه واستغلال اتباع الدين اليهودي وفقراء اليهود من أجل أهداف الحركة الصهيونية العالمية التي وصفها “لينين” قبل قرن من الزمن بالحركة العنصرية على حساب حل المسألة اليهودية في تلك المجتمعات . تلك الحركة التي ساندتها قوى الأستعمار الأمريكي والبريطاني والتي ابتدعت فكرة الوطن القومي لليهود الذين لا ينطبق عليهم “مفهوم شعب” وفق كافة المعايير منذ وعد بلفور وما قبل .

واليوم وبعد ٧٨ عاما من الانتصار على النازية ، تظهر قوى نازية جديدة تمارس سياسات إثارة بؤر النزاع في هذا العالم لمحاولات استمرار فرض وانقاذ هيمنة النظام الأحادي القطب المتهاوي الذي لا يخدم مبادئ السلم والأمن الدوليين ، وتساهم هذه القوى وبعض الدول الاخرى من خلال صمتها على جرائم الاحتلال بتشجيع استمرار ارتكابها وتعزيز مفهوم دولة الأحتلال الاستعماري كنظام فوق القانون الدولي وكنظام عنصري معاصر تحميه اساسا الولايات المتحدة بأشكال عسكرية ، أمنية وسياسية وتمنع إدانة جرائمه في مجلس الأمن الدولي ، رغم ادعائها برعاية عملية سلام والتي لم تؤدي الى نتائج حتى اللحظة سوى استدامة هذا الأحتلال بأشكاله المختلفة .

وتبقى المفارقة أن الأيديولوجيا النازية التي كانت عدوا للغرب في الحرب العالمية الثانية، هي اليوم من ينفذ أجندة الغرب في اوراسيا ، بل وفى بعض الدول الأوروبية التي تخرج عن الخط العام للعولمة الأمريكية ، مما يوضح بجلاء أن الصراع بين ألمانيا النازية والغرب في الحرب العالمية لم يكن صراعا أيديولوجيا، بل صراع مصالح يخدم تفوق الاولايات المتحدة على حساب تدمير اوروبا واستفادتها اقتصاديا وتوسعيا ، وهو ما يتضح بجلاء مع وجود العلاقات الحسنة بين النظام النازي الألماني من جهة وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى في سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية ومن مساندة النازية انذاك للمخطط الصهيوني .

وهذا ما دفع وزير خارجية روسيا الذي ترأس بلاده مجلس الأمن هذه الأيام لفضح جوهر الأحتلال الإسرائيلي الأطول بالتاريخ بعد الحرب العالمية ومهاجمة السياسات الإسرائيلية وربطها بتاريخ النازية بعد افتتضاح امر تعاونها مع النازيون الجدد في أوكرانيا.

كما ان الدروس والعبر المستفادة من الانتصار على النازية ، تؤشر على ضرورة توقف هذه الحروب الصغيرة والكبيرة ضد شعوب الأرض ، وضرورة أن تتوقف حروب سلطة راس المال السياسي بالغرب من خلال مجمعاتها العسكرية والمالية ، ومن محاولات الليبرالية الجديدة المتوحشة من تكرار التاريخ أينما كان ومن انتاج أسلحة الدمار الشامل وإثارة بؤر التوتر على حساب قضايا الشعوب المقهورة والسلام والاستقرار وجر العالم إلى حرب واسعة جديدة.

إن غدا لن يكون كما قبله في ظل بدايات انهيار احادية القطب كنظام عالمي ، وعلى شعوب الأرض ان تكافح من أجل انتصار قضايا الإنسانية وقيمها في هذا الكون من اجل بناء عالم جديد يكون افضل مما كان او حتى مما هو عليه الآن ، ومن اجل دحر مُشعلي الحروب و أعداء الإنسانية، فمن دروس الانتصار على النازية بعد ٧٨ عاما ما يؤكد على عدم استطاعة اي قوة مهما بلغ جبروتها أن تقهر مصير َومصالح الشعوب وان الشعوب بما فيها شعبنا حتما لمنتصرة.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا