الرئيسيةمختاراتتقارير وتحقيقاتذاكرة النكبة على جدار المخيم

ذاكرة النكبة على جدار المخيم

على مدار عامين وثّق الصحفي الفلسطيني أحمد البظ من مدينة نابلس، آلاف الصور لما تبقى من قرابة 200 قرية مهجرة تمكن من زيارتها، من أصل 531 قرية تم اقتلاعها وتهجير سكانها إثر نكبة فلسطين عام 1948.

البظ الذي تمكن من دخول الأراضي المحتلة عام 1948 بحكم عمله خلال العامين الماضيين، دفعه الشوق ليجوب القرى والمناطق التي سمع عنها لسنين طويلة من المدرسة والعائلة والإعلام، ليوثق ما تبقى من آثار شاهدة على 75 عاما من النكبة.

يقول البظ لـ”وفا”، إنه تراكم لديه أرشيف ضخم من الصور لتلك القرى، ومنذ أيام بدأ يجوب مخيمات الضفة الغربية، وعرض تلك الصور في الشوارع على جدران تلك المخيمات، تحت اسم “نكبة 75″، تزامنا مع الذكرى الـ75 للنكبة.

وتُظهِر الصور مشاهد الآثار القديمة التي تبقت من تلك القرى، وما طرأ على المشهد من تغيرات ومبانٍ ضخمة ابتلعت المكان، والتحولات التي جرت للمباني الأثرية واستخداماتها الجديدة من المحتلين.

“ببساطة، هي توثيق بصري حديث للقرى الفلسطينية المهجرة (2021-2023)” يوضح البظ.

ويضيف: “حتى اليوم، تقف آلاف المباني الفلسطينية داخل المستوطنات، أو في محيطها، بل ويستعمل المستوطنون بعضا منها، فما الذي أتى بمسجد مغلق وسط مستوطنة يهودية لا يعيش فيها مسلمون؟ وماذا تفعل كنيسة مهجورة وسط مستوطنة يهودية لا يعيش فيها مسيحيون؟”.

يؤكد البظ، أنه شاهد مساجد تُستعمل حظائر للحيوانات، ومقابر محاطة بأسلاك كهربائية، ومنازل فلسطينية تحولت إلى نزل للفنانين، وهي بعض قليل من شواهد نزع الملكية التي يمكن للجائل ملاحظتها اليوم.

ويتابع: لا ينبغي النظر إلى الصور الفوتوغرافية، أو ملف النكبة بشكل عام، على أنها قصص من الماضي، بل هي حاضر مستمر، طالما أن اللاجئين الفلسطينيين مجبرون على بقائهم كلاجئين، وطالما استمر الاستعمار الإسرائيلي في منعهم من العودة، في حين يسمح لأي شخص يهودي من جميع أنحاء العالم بالاستيطان في البلاد، ونيل المواطنة والحقوق الكاملة.

وأقيم المعرض حتى اليوم في 17 مخيما في الضفة الغربية، وفي مدينتي رام الله وبيت لحم، ويهدف البظ من إقامته للمعرض في الشارع إلى أن يكون متاحا للعموم في طرقهم اليومية إلى المدرسة والعمل.

ويوضح أنه نظرا للظروف القاسية التي يعيشها شعبنا، فإن الذهاب إلى “معارض فنية” أو مركز ثقافي هو شيء من الترف، فلا مساحة للتفكير في أمور كهذه عندما تجاهد الناس للبحث عن رزقها، ولهذا قرر أن يكون المعرض في الشارع.

ويحيي شعبنا اليوم الخامس عشر من أيار الذكرى الـ75 للنكبة، وتهجيرهم من أراضيهم المحتلة، بعد ارتكاب العصابات الصهيونية المجازر بحقهم، والتي أدت إلى تطهير عرقي كما يصفها المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين”، إذ يسلّط الضوء على المجازر وعمليات التهجير التي ارتُكبت بحق الفلسطينيين عام 1948، وتدمير 531 قرية، وطرد 957 ألف فلسطيني.

وعلى جدار قرب جمعية يازور الخيرية في مخيم بلاطة شرق نابلس، عرض البظ قرابة 30 صورة للقرى المهجرة، توثق معالم تاريخية وأثرية ومقامات إسلامية ومسيحية من عكا وحيفا والرملة وصفد ويافا..، تتضمن معلومات بسيطة ومختصرة عن تلك القرى.

وتجيد الصور بصمت موجز الرواية التاريخية الفلسطينية، وتلقي الضوء على جرائم العدوان الصهيوني ومحاولته منذ أكثر من سبعة عقود طمس معالم المدن والقرى المهجرة، ومحوها من المشهد بالكامل.

وبينما كانت فريال خروب تمر مصادفة، لفتت انتباهها صور البلاد المعلقة على جدار المخيم، فسارعت إلى البحث عن قريتها حتى اهتدت إلى صورة مقبرة محاطة بأشجار السرو والصبر، فأشارت بيدها “هذه قريتنا طيرة دندن قضاء حيفا، هنا بيت جدي”.

وتقول خروب لـ”وفا”، إن كل صورة من الصور أعادت إليها قصصا رواها جدها ووالدها لها عند زيارتهم للقرية قبل أن تفرض دولة الاحتلال قيودا على الوصول إلى أراضي الـ48.

وُلدت خروب في المخيم، ورغم ذلك لا تراه سوى “محطة انتظار” للعودة إلى طيرة دندن، فهي ابنة الجيل الثالث للنكبة وأولادها من الجيل الرابع وأحفادها من الجيل الخامس، إلا أنها لم تفقد الأمل يوما في العودة.

وتضيف: “كل شيء في المخيم مؤقت، البيوت والناس وحتى المقابر، قد تجد من أوصى من أصحابها بنقل رفاته إلى بلده الأم”.

وتشير إلى أن الصور في المعرض تمثل رمزية كبيرة للاجئين، وهناك مقولة “أسمِعني قد أنسى، أرِني قد أتذكر، شاركني لن أنسى”، وعندما قال بن غوريون “الكبار يموتون، والصغار ينسَون” فالموت حق على الجميع لكن الصغار لا ينسَون كوننا نتوارث حق العودة من جيل إلى جيل، كونه لا يسقط بالتقادم، الجيل الأول معظمه توفي، لكن دائما نُحدّث الأطفال أن لنا بلدا أصليا ووجودنا هنا محطة انتظار، وذلك عبر معرض صور أو برامج أو غيره.

وتستذكر خروب عدة قصص حُفرت في ذاكرتها عندما زارت القرية مع والدها وجدها قبل عقود، بكاء والدها تحت شجرة تين في القرية بعدما تذكر لعبه مع شقيقه تحتها، وتعبئة جدها كيس تراب من القرية وإحضاره إلى مخيم بلاطة معه.

وتضيف: “لم أكن أعلم ما يعني ذلك وقتها، فقد كان عمري 12 عاما، لكن لما كبرنا شعرنا بغصة وقهر يرافقاننا بعدما طُردنا من بلادنا لنعيش في مكان لا يصلح للآدميين، مكان يضم 28 ألف نسمة بربع كيلو متر مربع فقط، إذا سرق أحدهم بلوزة منك تشعر بالقهر فما بالك بمن سرق الكرامة والأرض والإنسان؟”.

في آخر زيارة لخروب لقريتها، أشار والدها إلى أحد البيوت القديمة وقال لها “هذا منزلنا”، دقت على باب المنزل لتستطلع من استوطنه لتتفاجأ بيهودية يمنية، أخبرتها خروب أن هذا منزل جدها، لكن كانت الصاعقة “لو بيت جدك كان جدك فيه” ثم أغلقت الباب بوجهها.

وبينما كان يشير إلى صورة في زاوية المعرض لمقام ديني في قرية يازور قضاء يافا، تحدث نبيل رمضان (77 عاما) الذي فر مع عائلته وهو في عمر العامين من القرية بعد مهاجمتها من العصابات الصهيونية، أن الصورة تنقل مقاما من القرية، لكنه يعرف معالمها جيدا.

وتابع: أعرف بلدنا جيدا قبل الصورة، وأريد أن أحدثك عن معالمها في التاريخ، ففي يازور مقبرتان “قطناني، والبطانجة”، ومقامان إسلاميان الإمام علي والإمام قطناني، ومدرستان واحدة للبنات وأخرى للذكور، ومصنع للثلج وآخر للأسرة.

ويضيف أن يازور كانت تعتمد على زراعة الحمضيات، الليمون والبرتقال، وتقع على طريق القدس ويافا، وفيها أربع عائلات “البطانجة، والعميرية، والمصاروة، والحوامدة”، وكان لكل عائلة مختار.

ويؤكد الرجل السبعيني، “أخذت أولادي وأحفادي وزاروا يازور وعرّفتهم على معالمها، يعرفوها “شبر شبر” قبل عام 2000 حيث كانت المعالم لم تتغير، وأملنا في العودة موجود، والتاريخ والدين يقول هيك، ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.

ويشير إلى أن الاحتلال حاول قبل سنوات هدم المقبرة ومقام الإمام علي في القرية لتوسعة شارع، وأن عددا من مهجري يازور قدموا اعتراضات بوساطة جمعيات في الداخل إلى محاكم الاحتلال وجرى إيقاف ذلك.

رئيس مجلس إدارة مركز يافا الثقافي تيسير نصر الله تحدث لـ”وفا”، أن المعرض يحمل رمزية خاصة بتنظيمه في المخيمات، وذلك لإعطاء الجيل الجديد الذي لم يعايش النكبة ولم يعرف عن قريته معرفة عنها ولنشر ثقافة الوعي لهذا الجيل.

ويتابع: مخيم بلاطة، أكبر مخيمات الضفة من حيث عدد السكان، إلا أن المساحة الجغرافية 256 دونما، وهي ثابتة منذ إقامة المخيم عام 1950 بالخيام، حيث كان لا يتجاوز عدد السكان خمسة آلاف نسمة، لكن اليوم وصل إلى قرابة 30 ألف نسمة وفي المساحة الجغرافية نفسها.

ويشير إلى أن معظم العائلات في المخيم من قرى يافا، وأن هناك عائلات من قاطون قضاء طولكرم ومن حيفا وعكا وصفد.

ووفق الجهاز المركزي للإحصاء، فإن سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، تشير إلى أن عدد اللاجئين المسجلين لديها في كانون الأول عام 2020، بلغ حوالي 6.4 مليون لاجئ فلسطيني، منهم نحو مليونين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأوضح “الإحصاء” في تقرير صدر عنه الأحد، لمناسبة الذكرى الـ75 للنكبة، التي تصادف الخامس عشر من أيار، أن حوالي 28.4% من اللاجئين المسجلين لدى “الأونروا” يعيشون في 58 مخيما رسميا تابعا لها، تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.

وتمثل هذه التقديرات الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين باعتبار وجود لاجئين غير مسجلين، إذ لا يشمل هذا العدد من تم تشريدهم من الفلسطينيين بعد عام 1949 حتى عشية حرب حزيران 1967 “حسب تعريف الأونروا”، ولا يشمل أيضا الفلسطينيين الذين رحلوا أو تم ترحيلهم عام 1967 على خلفية الحرب، والذين لم يكونوا لاجئين أصلا.

وفا – زهران معالي

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا