المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

ما وراء الاحتفال بالذكرى الـ75 للنكبة في أروقة الأمم المتحدة

كتب: طه خالد منصور*

حملت أجواء إحياء الذكرى 75 للنكبة الكثير من مشاعر المتداخلة بين الغضب والحزن والشعور بالأسى بالظلم لما يعيشه الشعب الفلسطيني، لكن ذلك لم يعد يهم، فقد اعتاد هذا الشعب على هذه المشاعر لكنه لم ييأس قط من النضال في وجه الاحتلال الغاشم، هذا الشعب يملُك من القوة ما يكفي أن يجعله صامدا طوال تلك السنوات ومصراً على المقاومة، للحفاظ على ما تبقى من أرضه المنهوبة.
أرض سبق وإن اختلس منها الاحتلال الآلاف من الدونمات فقبل 75 عاما، تم تشريد 957 ألف فلسطيني من أصل مليون وأربعمائة ألف، كانوا يقيمون عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية، آن ذلك سيطرت الجماعات المسلحة اليهودية، على 774 قرية ومدينة، وتم تدمير 531 منها، ولم يكن ذلك كافيا فأقاموا المجازر أدت لمقتل 15 ألف فلسطيني، كل هذه الاعتداءات تأتي تحت مسمى النكبة، مصطلح لطالما فتح جروحا في قلوب الفلسطينيين لم تلتئم إلى يومنا هذا، طالما لا يزال الاحتلال يبطش أينما حل وارتحل، لكن المفارق هذه السنة أن ذكرى هذه النكبة لم تكن عادية، فقد تم الاحتفال بها داخل أسوار الأمم المتحدة، لأول مرة.
في حقيقة الأمر لم يمكن انكار أن هذا الاحتفال يجسد في أحد مضامينه اعترافاً ضمنياً من دول العالم بالمأساة الفلسطينية، وأن هناك رواية فلسطينية سمعها العالم ويحييها في قاعة الأمم المتحدة، وأن هذه المؤسسة الدولية سطرت العديد من قرارات الشرعية الدولية لإنصاف الشعب الفلسطيني، لكن بعين المنطق لا بد من الاعتراف بأن مثل هذه الالتفاتات لم تتعد في جوهرها من كونها مسكنات ألم على ما يشهده الفلسطينيون من وحشية الاحتلال، حالها حال باقي القرارات التي تعودت الأمم المتحدة على إصدارها خلال السنوات الماضية، والذي كان أهمها قرار 194 الذي يكفل حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948، ولن نبالغ إن قلنا أن ملف اللاجئين وحق العودة أهم ملف في ملفات القضية الفلسطينية، وحجر زاوية فيها يمكن زحزحته، والذي لطالما سعت العديد من الأطراف إلى طرح سيناريوهات ارتجالية تستفيد منها إسرائيل لتطرحها الآن في إطار مشاريع تحت مبدأ الأمر الواقع وفي قلب هذه الحلول احتمالية إلغاء وكالة الغوث “الأونروا” في وقت مبكر، كجزء من سيناريوهات إلغاء وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين والقضاء على حق العودة نهائيا وينتهي معها آخر أمل في احتمالية حل الدولتين،
في وقت نفسه لم تضيع حكومة الاحتلال المتطرفة بقيادة نتنياهو أي فرصة من أجل سلب حقوق هذا الشعب الأعزل، وتسخير كافة السبل الممكنة من أجل إسقاط كافة حقوقه المشروعة التي منحته إياها الأمم المتحدة نفسها، هي نفسها التي لم تتجرأ وقف هذا العدوان، رغم أن الدور التي تتغنى به الأمم المتحدة هو دعم القضية الفلسطينية والذي أصبح معدوماً وبلا جدوى، فبالنظر إلى الحقائق الواقعية فقد أصبح عملها الأساسي هو رفع شعارات التأثير على شعوب العالم فيما يتعلق بقضايا السلام والأمن، لكن في حقيقة الأمر أنها لا تستثمر أي جهد لتجسيد هذه الشعارات، وأكبر دليل على هذا أن أغلب جهود التهدئة واتفاقيات السلام التي تأتي بعد التصعيد في غزة تكون تحت رعاية مصرية أو قطرية في أغلبها، مثل ما حدث منذ أيام حين شنت حكومة الاحتلال تصعيدا على قطاع غزة المحاصر ضاربةً بذلك كل المواثيق الدولية واحترام حقوق الإنسان ومساعي السلام عرض الحائط، لتستمر بذلك عقلية الاحتلال التي يُظهر من خلالها مرونة أمام العالم في الموافقة على اللقاءات الفلسطينية، إلا أنها في الوقت نفسه تقوم بإعادة ترتيب أوراقها، من دون أن يؤثر ذلك على جوهر المشروع الصهيوني القائم على احتلال الأراضي الفلسطينية وإخلائها من السكان، وقصف منازلهم وتجنيد مليشيات المستوطنين، وعلى هذا الحال تستمر النكبة ويستمر معها الاحتلال، وأكبر دليل على الجرائم المرتكبة ما جرى في بلدة حوارة جنوب نابلس في 26 فبراير/ شباط الماضي وهو الحدث الذي أعاد نكبة عام 1948 للأذهان، حيث حُرقت البيوت في حوارة وأصحابها داخلها، وهذه منطلقات عميقة في المجتمع الإسرائيلي وفي الحركة الصهيونية، والتي تحرك كل هذه الجرائم.
رغم كل ما يجري من انتهاك لحقوق الفلسطينيين إلا أنهم صامدون فوق أرضهم لإفشال مُخطّطات الاحتلال، ويتمسّك اللاجئون في الشتات بحق العودة إلى وطنهم، فمن لم تُنسه سنوات النكبة الطويلة لن ينسى أرضه مهما طال به زمن اللجوء، فلا أرض تأوي كأرض الوطن الأم فما بالك إن كانت تلك الأرض، أرض فلسطين.

*كاتب والباحث في الشأن السياسي

Exit mobile version