المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

فوز اردوغان الصعب

نبض الحياة – كتب: عمر حلمي الغول

بعد معركة دامية وعاصفة شهدتها الساحة التركية منذ تم الإعلان عن الجولة الأولى للانتخابات التركية في يوم الاحد الموافق 14 أيار / مايو الحالي، التي فشل فيها كلا زعيمي الموالاة طيب رجب اردوغان، زعيم تحالف الجمهور، وكمال كليشدار اوغلو، زعيم تحالف الامة في تجاوز نسبة الحسم، والتي تقدم فيها رئيس حزب العدالة والتنمية بنسبة 49.51% فيما حصل رئيس حزب الشعوب الديمقراطية بنسبة تقارب ال45%، وبالعودة لصناديق الاقتراع اول امس الاحد الموافق 28 أيار / مايو الحالي تمكن الرئيس الحالي من انتزاع الفوز متقدما بخمس نقاط على منافسه مرشح المعارضة.
ورغم ان كليشدار فاز في المدن الرئيسية الكبرى والجنوبية ذات الأغلبية الكردية، وتقدم في 30 محافظة، الا انه خسر الانتخابات امام الزعيم التركي الاسلاموي المتمرد على الاتاتوركية، الذي حصد التفوق في 51 محافظة، مما منحه فوزا مريحا نسبيا بنسبة 52.87% مقابل 47.13%. وهو ما رسخ وجوده لولاية جديدة لخمس سنوات من الحكم حتى العام 2028 وبالتالي حقق نسبيا حلمه بوسم القرن الحادي والعشرين بقرن الاردوغانية، او العثمانية الجديدة.
مع ان اردوغان دخل حلبة المنافسة في ظل أزمة اقتصادية حادة، وتضخم كبير، حيث فقدت الليرة التركية 80% من قوتها الشرائية، وبلغت قيمة الدولار الأميركي ما يزيد على ال19 ليرة، وحسب تقديرات خبراء اقتصاد، فإن الازمة الاقتصادية ستتفاقم في اعقاب الانتخابات، وقد تصل قيمة الدولار الى نحو 30 ليرة. بالاضافة لأزمة الزلزال في شباط / فبراير الماضي التي ضاعفت من أزمات الرجل، كما جوبه بتحالف من ستة أحزاب بزعامة حزب الشعوب الديمقراطي، وأيضا في مناخ غير إيجابي على المستويين الأوروبي والأميركي، ومؤيد لمنافسه كليشدار، الا ان المناخ تغيرنسبيا عشية الجولة الثانية بعدما ادركوا (الغرب) ان زعيم حزب العدالة والتنمية باق على كرسي الحكم، مما دعاهم لاعتماد مقولة “الشيطان الأفضل، هو الذي تعرفه”.
بغض النظر ان كنت تؤيد اردوغان او لا، فإن صناديق الاقتراع قالت الكلمة الفصل، وأكدت استمراريته، ومواصلة نهجه وأي كانت الملاحظات التي دونتها المعارضة على سير المعركة الانتخابية، وعلى الاليات التي انتهجها الرئيس التركي وأركان حكومته، فإنه حصد أصوات الأغلبية التركية، ولم يفز بنسبة 99% ولا حتى 80%، وانما فاز بفارق خمسة نقاط عن خصمه كمال كليشدار اوغلو، مما أهله للبقاء حتى العام 2028، الا اذا حصل تطور غير منظور.
وتحسب لاردوغان الاخواني المسلم قبوله بخيار صناديق الاقتراع، الذي لم يقل يوما انه يمثل الحكومة الربانية، والانتخابات لمرة واحدة، وانما ارتضى مبدأ التداول على السلطة عبر ممارسة العملية الديمقراطية. مما لا شك فيه انه استفاد من نفوذه في كرسي الحكم، وتمكن من محاصرة خصومه داخل حزب العدالة والتنمية، وداخل الحلبة الحزبية العامة، أضف الى انه أعاد بناء النظام التركي وفق مآربه، من نظام برلماني، الى نظام رئاسي برلماني، وغطى على كل مظاهر الفساد في اوساطه الحكومية والحزبية والعائلية، وتمكن من استقطاب المزاج الشعبي العام بمعاييره الاسلاموية.
وافترض ان الرئيس المعاد انتخابه للمرة الثالثة، وصانع القرار الأول طيلة العقدين الماضيين لم يبتعد كثيرا عن بروكسل ولندن وقبلهما واشنطن، فالرجل جزء لا يتجزأ من حلف الناتو، ولم يغادر موقعه ضمن المنظومة الغربية؛ وتربطه علاقات إيجابية مع دولة إسرائيل الاستعمارية، بقرة الغرب المقدسة؛ وتناغم مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الملف السوري. ولم تؤثر علاقاته الايجابية مع الرئيس الروسي بوتين على روابطه مع الغرب، لانها لم تكن يوما ضد الغرب الرأسمالي، وانما كانت جسرا للتواصل. كما انه لعب دور الوسيط بين كل من روسيا وأوكرانيا، ونجح في معالجة اتفاقية الحبوب؛ وحتى ازمة المهاجرين استطاع ضبطها من خلال مساومة محسوبة الثمن مع دول الاتحاد الأوروبي، وبروز نتوء هنا او هناك امر طبيعي بين الدول المختلفة. وبالتالي بحساب الأرباح والخسائر فإن بقاء رجب طيب اردوغان لا يهدد مصالح الغرب، وخسارة كمال كليشدار اوغلو لم يشكل صدمة لهم، لا بل ان بعض الغرب في اعقاب الجولة الأولى، كان يتمنى ذلك، لانه مسكون ( كليشدار) بالهزائم الانتخابية، وهي الجولة التاسعة التي يهزم فيها مرشح المعارضة، ويذكرني بشمعون بيرس، الذي لو ترشح لوحده لهزم.
والاستخلاص الإيجابي من الانتخابات التركية فلسطينيا، هو ضرورة الاستفادة من تجربة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لا سيما وان حزب العدالة والتنمية حصد من الجولة الأولى الغالبية النسبية من مقاعد البرلمان التركي. ولا اضيف جديدا، عندما اؤوكد على أهمية وضرورة اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني. لانها حاجة ضرورية لتجديد التمثيل للشعب، ولاعادة الاعتبار للفصل والتوازن بين السلطات الثلاث. لا سيما واننا نطبق العملية الديمقراطية في النقتابات والاتحادات الشعبية والجامعات. رغم الادراك ان الشرط الذاتي والموضوعي الفلسطيني لا يشبه أي دولة مستقلة، ومن يحاول لي عنق الحقيقة، واسقاط معاييره الرغبوية بهذا الشأن، سيفشل حتما.
oalghoul@gmaul.com
a.a.alrhman@gmail.com

Exit mobile version