Site icon فتح ميديا أوروبا

خشوع المُحِب

كتب: بكر أبوبكر

يقولون أن في الصمت والوجه الهاديء السموح دلالة إعلان محبة، حين تتركز العيون في المحبوب، لايرى غيره. والحقيقة الواضحة ان الصمت صموتات متعددة!

إذ أن في الصمت الرضيّ احترام في حضرة الأعلى مستوى أو قيمة فكرية أو ثقافية أو بالسن أوالعائلة أوالموقع.

وفي الصمت الحزين تعبيرٌ عن ألم هجر أو بُعد أو نتيجة عِراك او مصيبة أو فراق.

ومن الصمت تردّد أو تذبذب أو لربما تفكّر بالبدائل عميق.

وفي الصمت انتقال حيث الاستدلال على جديد، أوارتباط مع غريب، أوانقطاع عن عزيز.

في الصمت إعلان عن الغضب، أو تعبير قاسي عن التجاهل كما يُشار لحادثة الحجاج مع أهل العراق مثلاً، وذاك القائد الفلسطيني الغضوب الصموت.

وقد تجد صمتُ المتضايق مرتبطًا بوجهه المتغضن وانكماشه وانعزاله.

وتجد أيضًا صمت الجاهل لا يعرف ما يقول، وفي مقابله تجد صمتُ العاقل في مواجهة الجهلة.

المؤمنون والرساليون والصابرون يألفون الصمت نعم، ولكنهم ينطقون بالحق في موقع الصراع والقتال والمجابهة والمقاومة. وهم الى ذلك يتدبرون الآيات، ويدعون الله الفرج وفك الكربة.

وقد تجد صمت الشعور بالغربة أو النبذ أو الوحدة.

في الصمت احتضانٌ واسع خاصة في نماذج عدة ومنها حين تقرأ كتابًا مشوقًا، فانت بين أحضانه تعيش عالمًا آخر عالمًا جديدًا وتزاد حياة الى حياة تعيشها لأنك تعيش الفكرة أو القصة في الكتاب.

تعيش الفكرة أو الأحداث أو المواضيع داخل الكتاب بمكوناتها، كما تكتشف وتعيش مجالات تركيز المؤلف وطريقة تفكيره وتعبيره عن الأمور في شخوص قصته، أو بين ثنايا كلماته وعباراته وجمله في الكتاب، أما ثالثًا فأنت تعيش انفعالك الذاتي (وتذوقك) بين كل ماسبق واستنتاجاتك وهوامشك للكتاب، ما قد لا تجده في المرئي أو المسموع على أهمية المكونات الثلاثة في الاتصالات.

ولك أن تنظر للمفاهيم الإسلامية الجميلة حين تلجأ لفضيلة الصمت وتستغلها بأن تقرأ في الكتاب المسطور[1] (القرآن الكريم)، وفي الكتاب المنظور (الطبيعة والكون)، أو حين تربط ما بينهما.

لنا في الصمت الإيجابي مما سبق الصلاة ذاتها حيث القطع مع الخارج، خارج نفسك، والصلة مع الداخل.

ولنا النظر في فضيلة التأمل، وحُسن الاستماع، وفي أهمية التركيز والتجول بين الصورالذهنية، وفي طرق المجهول واكتشافه، وفي امتلاك المعارف، أو بالتنقل العقلي بين الكلمات والأرقام، أو بين الأفكار التي تدير الرأس فيستغلها إيجابًا يتحكم بها ولا تشتته أو تلقي به أرضًا.

من الصمت الجميل صمتُ العارفين بالله سبحانه وتعالى، والزاهدين والممارسين له ضمن مدرسة الارتباط الروحي، أو مدرسة استعادة الطاقة، والنشاط والأنفاس المتقطعة، أومدرسة الابداع والصباح المشرق بالنور.

وعودٌ على الصلاة دعني أقول أن الخشوع في الصلاة أكبرُ تدريب على الصمت والهدوء من جهة، وعلى ردع المشتتات الخارجية والداخلية (في نفس الانسان) وبالتالي تصفية الذهن من جهة وتعلم التركيز على الفِعل الاتصالي في الصلاة، والربط الذاتي الحقيق مع الخالق.

وتعدُ الصلاةُ سلامًا داخليًا رائعًا لمن يُتقن فكرة الخشوع بالصلاة ولا يتعامل معها كحملٍ ثقيل أو واجبٍ يؤديه بلا متعة.

—————————–
[1] راجع الآية الكريمة ” وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ “والتفسيرات التي منها: أى الصحف أو كتاب مكتوب متسق الكتابة، منتظم الحروف ، مرتب المعانى ، فالمراد بالكتاب : المكتوب . وبالمسطور : الذى سطرت حروفه وكلماته تسطيرا جميلا حسنا .

https://baker2014.wordpress.com/

https://www.facebook.com/baker.abubaker

Exit mobile version