كتب: موسى الصفدي
عندما تلقيت خبر نقل الفصيل الذي كنت أقوده إلى الجنوب من الأخ ماجد طه الذي كنت أرى فيه صورة مشرفة للمقاتل الصلب المثالي لما كان يملكه من إمكانيات و ثقافة هما أكبر حجماً من الموقع الموكل إليه في موقعه كنائب لقيادة السرية و هو الذي غادر قريته المقدسية سلواد شبلاً لكي يلتحق بقواعد الفدائيين في الأردن مشياً على الأقدام و بعد مؤامرة و مجزرة أيلول إنتقل إلى جنوب لبنان و بقي فيه حتى أُختير ليكون في عداد دُفعة متميزة لدورة من دورات الكلية العسكرية الفلسطينية التي بشعارها الملفت .،.، بالعلم و الإيمان ننسج علم فلسطين .،.،.،
لطالما تحدث بجدية و حماس عن الطهارة الثورية و المسلكيات التي كانت الحركة الوطنية الفلسطينية و بحسب رأيه تحاول تكريسها و ممارسها في صفوف مقاتليها و أعضائها و لم تكن في أي حال من أحوالها كما كان يعتقد مجرد مسالة نظرية او تنظير لمثاليات أو مداخلات شعاراتية تعبوية كما كان يُنظرإليها من قبل النقاد الوطنيين العرب و الفلسطينيين الحريصين على مسار و تطور الثورة و معهم أيضاٍ المنظرين الذين إختاروا أن يقفوا في الخندق المعادي لحركة التحرر الوطني لأسباب تتعلق بالجهات التي كانت توظف خطابهم النقدي في إطار تشويه صورة الثورة
كان يرى ان تلك المحاولات كانت و بكل صدق محاولات حقيقية جادة من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية لتنظيم سلوك المقاتلين نحو تحقيق الحد الأدنى من العلاقة السوية في بيئة عمل قوات الثورة الفلسطينية إلا أن ذلك كان من المستحيل تحقيقهُ مع الحجم الهائل للتناقضات العادات لمجتمع فلسطيني و عربي متعدد الثقافات و الأديان والذاهب و الذي كان يشكل في تلك المرحلة الخزان الوحيد لرفد قوات الثورة الفلسطينية بكل ماتحتاجه في حربها طويلة الأمد .،.،.،
جلست بجانبه في سيارة اللاند روفر المتهالكة نتيجةً للإستخدام الجائر لها وبغير ما هي مخصصة لإستخدامه أصلاً و قيادتها على مدار الساعة بدون توقف ناهيك عن انتمائها لجيل سيارات الأبيض و الأسود او بحسب المقاتلون الرومانسيون سيارة الزمن الجميل .،.،.،
اين كنت .،.،.،
قال لي قائد سريتي بقامته التي تكاد لشدة فارق طولها بالنسبة لي تنحني و قد بدا حينها متحمساً و مقتنعاً لما سيقوله عن الجنوب و المواقع المتقدمة للقوات و المزايا المعنوية و الروحانية التي تزرعها تلك المواقع البعيدة عن الاحتكاك بسكان المخيمات و المدنيين و فلسفة المنظرين و تجاذبات القادة و إستقطاباتهم .،.،.،
و قبل أن ينتقل إلى سِفر الوصايا بان لا تقطعوا شجرة و لا تثقوا بالرعاة المتنقلون بأغنامهم في القرى الحدودية و لا تلبوا دعوة لطعام من الغرباء لا أعلم لماذا توقعت أن يتابع قوله وصولاً و اللازمة التي كانت تكررها أمي رحمها الله لي و ربما لأخوتي أيضاً .،.، .، إسكوا إيدين بعض قبل ما تقطعوا الشارع .،.،.، على الرغم من انه لم يقلها إلا أنه زاد على ماقاله أبو بكر و عمر رضي الله عنهما لجيوش المسلون عند كل حرب كانوا يذهبون إليها .،.،.،
و قبل أن يباغتني النعاس بقليل كما هي عادتي عند سماعي للنصائح المجانية المطولة التي لا تشبه من يقولها و تتعارض مع ما يُمارسه سالني إن كنت أستطيع قبل الذهاب إلى الجنوب إختيار و إنتقاء المجموعة التي أفُضلها لتذهب معي و عندما سارعتُ بالإعراب عن سعادتي بذلك ابتسم ماجد طه الذي كان يعلم بما سيلي ذلك .،.،.،
عندما قال لي قائد السرية رائع جداً إذا توجه إلى المخيم لرؤية الأهل و قم بإقناع من تختارهم و سأرسل لكم من ينتظركم لمساعدتكم فهمت سر إبتسامة ماجد طه .،.،.،
لم يكن ما يطلُبه بالسهولة التي كان يعتقدها لأسباب تتعلق بما حدث في المخيم بعد حادثة إستشهاد أحد أصدقائي الذي كنت قد جئتُ به متطوعاً مع مجموعة الثوار الصغار الذين تحدثت عنهم و الهتافات المضادة و المعادية لنا و التي حدثت أثناء تشيعه الذي لم يتثنى لي المشاركة فيه لعدم وجود تصريح يسمح لي أو لأحد غيري بمرافقة جثمان الشهيد .،.،.،
مع كل ذلك لم ارهق نفسي بالتفكير كثيراً بالأمر بعد اقل من 24 ساعة كنت عائداً إلى لبنان مع مجموعة من الأشبال الحالمين بثورة تقودهم إلى فلسطين و لاكن هذه المرة و بعد إجتياز منطقة البقيعة الحدودية مشياً باتجاه النهر الكبير الجنوبي وجدنا ثلاث مركبات تقلنا إلى موقع قيادة السرية .،.،.،
إلى صفحة أخرى
موسى الصفدي
دمشق ـ باب توما
