كتب: صلاح علي موسى
أعلن اشتيه خلال جلسة الحكومة الاثنين الماضي ان هناك خطوات سياسية جارية في هذه الاثناء والرئيس الفلسطيني يلعب دورا مهما فيها، حيث تبع هذا التصريح عقد قمة اردنية فلسطينية الثلاثاء الماضي ناقشت على ما يبدو الجهود الامريكية لتطبيع العلاقات بين السعودية واسرائيل واثرها على القضية الفلسطينية ومكانة المقدسات الاسلامية المسيحية في القدس.
كان قد سبق القمة الفلسطينية الاردنية قمة اماراتية-اردنية في الاردن قبل ايام منها. ترافق كل ذلك مع ضغوط امريكية على اسرائيل لتقديم حزمة من التسهيلات للسلطة وثار جدل واسع حولها. بذات الوقت عقد لقاء لافت بين وزير الخارجية الاماراتي وزعيم المعارضة لبيد في ايطاليا قبل ثلاثة ايام. كل هذه التحركات السياسية ترافقت مع تسريبات عن المطالب السعودية من امريكا واسرائيل للتطبيع معها حيث يعتبر التقدم في الملف الفلسطيني أحد اهم المطالب السعودية. مع العلم ان قمة فلسطينية -سعودية عقدت في رمضان الماضي على ما يبدو اوضح فيها السعوديين رغبتهم في التطبيع مع اسرائيل، وهناك تسريبات افادت ان السعودية ابلغت القيادة الفلسطينية انها هي صاحبة المبادرة العربية وهي وحدها من تملك التعديل عليها و/او التمسك بها، وان على الفلسطينيين ان يجدوا صيغة اكثر مرونة بخصوص مفهوم الدولة المستقلة وان يبدو مرونة لحدود القدس مع وضع ترتيبات للاماكن المقدسة في القدس!، النقطة الاخيرة هي ما اثارت حفيظة العاهل الاردني بصفته الوصي على الاماكن المقدسة الاسلامية المسيحية بموجب اتفاقية السلام بين اسرائيل والاردن. ان صدقت هذه التسريبات فان ذلك يعني ان السعودية ذاهبه للتطبيع مع اسرائيل دون اي التزام من الالتزامات الواردة في المبادرة العربية وهي صاحبتها، وكذلك فان موضوع العاصمة للدولة تمثل امرا حيويا للفلسطينيين لذا فان تأكيد ابو مازن على ان القدس هي عاصمة الدولة المستقلة وليس ابو ديس اثناء زيارته لمخيم جنين قد تعكس الرد الرسمي والعملي على هذه التوضيحات السعودية ان صحت هذه التسريبات و/او رد على المطالب الغربية والاسرائيلية حول حدود ومكانة القدس في اي تسوية قادمة.
من الواضح ان الامارات تلعب دورا وبالتنسيق مع امريكا لإقناع المعارضة الاسرائيلية لتشكيل حكومة وحدة وطنية بين نتنياهو ولابيد وجانتس حتى تتمكن الجهود الامريكية والاماراتية من تحقيق اختراق دبلوماسي وتوقيع اتفاقية تطبيع بين السعودية واسرائيل. قد تكون الجهود الاماراتية ايضا خطوة اعتراضية على الجهود السعودية فيما يتعلق بالاستفراد بقيادة المنطقة وللتأكيد على حق الاردن في الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة لان صفقة التطبيع القادمة مع السعودية على ما يبدو انها ستمنح السعودية مكانة خاصة للإشراف على الاماكن المقدسة الاسلامية في القدس.
القمة الفلسطينية- الاردنية- المصرية المزمع عقدها هذا الشهر في القاهرة بتاريخ 13 و/او 14/8/ منه تسعى لبلورة موقف عربي حول الخطوات التكتيكية التي ستسبق إطلاق عملية التطبيع بين السعودية واسرائيل وكذلك للتأكيد مرة اخرى على الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة. مصر تعتبر بوابة القطاع ومسالة استثمار الغاز الفلسطيني في البحر المتوسط قبالة قطاع غزة يعتبر من المسائل السيادية لمصر، كما ان هناك على ما يبدو ترتيبات امنية تتعلق بمعبر رفح.
من الواضح ان العلاقات المصرية السعودية والاماراتية ليست على ما يرام، وكذلك العلاقات السعودية الاماراتية ايضا ليست بأفضل حالها، كما ان العلاقات المصرية الفلسطينية اصابها الفتور لأسباب لا محل لذكرها في هذا المقام، ناهيك عن القطيعة بين السلطة والامارات وفتور العلاقات ما بين السعودية والسلطة. كما ان وجود سياسات وحكومة اسرائيلية يمينية تحول دون حصول اي تقدم في المسار السياسي وايضا في المسار الامني.
هذه الصورة القاتمة تعني اننا بالفعل امام حراك سياسي معقد ومركب من الواضح ان الولايات المتحدة تقوده وتسعى من خلاله الى تحقيق الاتي:
1. استبدال الحكومة الاسرائيلية بحكومة وحدة وطنية داخل اسرائيل، وتلعب الامارات دورا محويا بهذه الجهود ومن الواضح ان زيارة الرئيس الاماراتي للأردن الاسبوع الماضي، والاجتماع الذي عقد بين الوزير الاماراتي وزعيم حزب المعارضة الاسرائيلي لبيد جزء من هذه الجهود المبذولة.
2. استكمال مشروع التطبيع العربي- الاسرائيلي من خلال ادخال السعودية الى هذا المضمار مقابل مكاسب سياسية تطلبها السعودية على الصعيد الامني والطاقة النووية والملف الفلسطيني، من خلال تقديم حزمة من الخطوات للفلسطينيين يمكن الولايات المتحدة من الادعاء انها احدثت اختراق ما في الملف الفلسطيني حيث من الواضح ان الحديث يدور عن ترتيبات امنية واقتصادية مع اطار سياسي محدود لا يقود الى دولة ولا يعالج المسائل الجوهرية ذات الصلة.
3. امريكا تستخدم الخلافات العربية -العربية رافعة سياسية لتحقيق اهدافها الاستراتيجية وهي بكل تأكيد تعمل على دعم اسرائيل وتعزيز مكانتها في المنطقة من خلال استغلال الخلاف السعودي الاماراتي، والقلق الاردني من سحب و/او تقليص الوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة ان دخلت السعودية و/او طالبت بدور على المسجد الاقصى، وكذلك الخلاف الاماراتي الفلسطيني، وفتور العلاقات الفلسطينية السعودية، وضعف الاهتمام المصري بالملف الفلسطيني.
4. فرض حل سياسي بمواصفات اسرائيلية على الرئيس الفلسطيني مستغلة الانقسام الفلسطيني والترهل العربي والحالة القائمة الان في الضفة الغربية من اعتداءات المستوطنين وسياسات الجيش الاسرائيلي في التعامل مع ظاهرة المسلحين في الضفة.
بالمقابل فان الرئيس الفلسطيني يسعى ومن خلال هذه الجهود الى استعادة جزء من الافق السياسي للقضية الفلسطينية والتي تآكلت لأسباب ذاتية واهمها الانقسام وموضوعية بفعل الخلافات العربية العربية والازمة الاوكرانية. من الواضح ان القمة الاردنية المصرية الفلسطينية المزمع عقدها الاسبوع القادم ستكون محاولة لبلورة تصور مشترك للتعامل مع الواقع الجديد الذي ستفرضه نتائج عملية التطبيع السعودية الاسرائيلية، وبذات الوقت ستحاول هذه القمة التأكيد على اهمية الدور الاردني في الوصاية على الاماكن المقدسة في القدس وعلى دور مصر الحيوي في ادارة ملف الغاز وغيرها من المسائل المرتبطة بالقطاع حيث يسعى ابو مازن للتأكيد على وحدة الاراضي المحتلة في كل من الضفة وقطاع غزة وقد يكون الاتصال الذي جرى ما بين السيد اسماعيل هنية والرئيس الفلسطيني جاء في اطار التنسيق بين حماس والسلطة فيما يتعلق بالملفات محل الطرح في قمة القاهرة.
من الواضح اننا في مرحلة اخيرة من محاولات انقاذ ما تبقى من القضية الفلسطينية، حيث ان اي عملية تطبيع بين السعودية واسرائيل بدون ثمن سياسي حقيقي تدفعه اسرائيل ستقود الى كارثة ونكبه جديدة على صعيد القضية الفلسطينية، لأنه من الواضح ان الاردن وبحكم علاقاته الواسعة مع كافة الاطراف لديه المعلومات الحقيقية والصعبة حول المنتظر حدوثه ان حصلت انفراجه في عملية التطبيع الاسرائيلي السعودي دون ثمن سياسي ودون تنسيق عربي فعال وقادر على استيعاب ارتدادات هذه الخطوة السعودية ان حصلت!!!