الرئيسيةمختاراتتقارير وتحقيقاتالخطة الخمسية للقدس.. السيطرة على المدينة بعباءة «التطوير»

الخطة الخمسية للقدس.. السيطرة على المدينة بعباءة «التطوير»

ضمن المساعي الإسرائيلية الرامية لإحكام القبضة الأمنية والسيطرة على مدينة القدس المحتلة، أعلنت حكومة الاحتلال مؤخرا عن “خطة عنصرية” بقيمة 3.2 مليارات شيقل (الدولار يساوي 3.80 شيقل) تحت غطاء تطوير المباني والبنية التحتية في المدينة المقدسة، أو ما تُعرف بـ “الخطة الخمسية”.

وجاءت المصادقة على الخطة بالإجماع بعد إصرار وزير مالية حكومة الاحتلال، المتطرف بتسلئيل سموتريتش، على إخراج البند المتعلق بتعزيز التعليم الأعلى للشبان المقدسيين بمبلغ 200 مليون شيقل من الخطة.

وستخصص 2.450 مليار شيقل من ميزانيات الوزارات وحوالي 750 مليون شيقل من بلدية الاحتلال في القدس وما تُسمى سلطة الابتكارات وشركة الكهرباء وغيرها.

سيطرة كاملة

وتزعم حكومة الاحتلال أن الخطة تهدف لإحداث التطوير في المدينة المقدسة، لكن الهدف الأساس لذلك هو السيطرة الكاملة على المدينة وتعزيز القبضة الأمنية ضد أهلها، والعمل على أسرلة التعليم، وتنفيذ برامج لإجراء “غسيل دماغ” للطلبة والشباب، وبناء 200 وحدة سكنية استيطانية سنويًا، وتغيير وجه القدس العربي والإسلامي كاملًا، وفق مراقبين.

ويقول رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي: إن الخطة تأتي استكمالًا للخطط السابقة التي أعلنتها حكومات الاحتلال المتعاقبة، مشددًا على أن مشروع التهويد لم يتوقف منذ اليوم الأول لاحتلال مدينة القدس.

وأوضح الهدمي، أن سلطات الاحتلال بدأت تستدرك الإهمال الذي مارسته بعنصرية ضد منطقة شرقي القدس بسبب قلة الموازنات المخصصة لها، ما جعلها في مأزق داخلي.

وبيّن أن هذا المأزق دفع حكومات الاحتلال السابقة والحالية للانتباه لهذا الأمر وتحويل مبالغ أموال كبيرة تحت ذريعة تطوير شرقي القدس وجعله كغربيها.

ونبّه إلى أن منطقة شرقي القدس حافظت على هويتها العربية الإسلامية التي تظهر بوضوح جذورها وتاريخها، لذلك أراد تغيير الصورة الحضارية للمدينة، محذرًا من أن الاحتلال يريد رفع مستوى حياة السكان في تلك المنطقة من أجل تحييدهم عن مقاومته.

ولم يستبعد الهدمي أن يكون جزء من ميزانية الخطة يأتي في سياق تشجيع أعداد كبيرة من المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى في سبتمبر، كجزء من السيطرة على القدس، علماً أن وتيرة الاقتحامات ترتفع في ذلك الشهر.

ولخّص الهدمي الأهداف الرئيسية للخطة بأربع نقاط هي: تغيير ملامح المدينة المقدسة بما يتوافق مع الرواية الإسرائيلية، ورفع مستوى الرفاهية لأهل شرقي القدس، وتشجيع السياحة الداخلية، وأسرلة التعليم.

بدوره، يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي من القدس محمد هلسة: إن السياسة الإسرائيلية في القدس جاءت من بوابة الإيذاء المباشر الصريح المُعلن عنه كسياسات الهدم والمخالفات والتشريعية العنصرية التي تسعى لترحيل المقدسيين قسرًا.

وبين هلسة، أن المقدسيين استطاعوا إفشال جزء من التشريعات الإسرائيلية العنصرية، وهو ما دفع الاحتلال للمجيء بها عبر عباءة أخرى وهي “التطوير وتحسين البنية التحتية وظروف الحياة والقطاعات المختلفة”.

وأكد أن أهداف الاحتلال واضحة مهما حاول تلبيسها العباءة التطويرية، وهي وضع اليد على المزيد من الأراضي وصولًا للسيطرة الكاملة، من أجل دفع المقدسيين للهجرة القسرية.

وأوضح أن الجانب المعنوي الذي يريده الاحتلال هو فرض الرواية الإسرائيلية عبر وضع يده على المؤسسات التعليمية وجعلها تدرس المنهاج الإسرائيلي “وهذا هو جوهر الخطة الخمسية”.

آثار الخطة

ورأى هلسة أن للخطة أثرين وهما مباشر ومستقبلي، إذ يتضمن الأول إحداث تغيير في ملامح المدينة مثل هدم المنازل ومصادرة الأراضي، تحت ذريعة أن هذه الإجراءات لصالح المقدسيين.

أما الأثر المستقبلي وفق رأيه، هو التأثير في قطاع التعليم والثقافة على المدى البعيد في سبيل إسناد الرواية الإسرائيلية عبر تدريس المناهج الإسرائيلية التي تجعل (إسرائيل) مقبولة وجزءًا طبيعيًا من المنطقة.

وعد الخطة بمنزلة “دس السم في العسل”، في ظل وضوح الأهداف الإسرائيلية لها، ولا سيّما أن القدس تئن تحت وطأة ممارسات الاحتلال العنصرية على مدار سنوات طويلة.

وطالب الدول العربية والإسلامية بوقفة جادة ضد ممارسات الاحتلال في القدس، بما يتجاوز الشجب والاستنكار و”الفتات” الذي يُمرّر على أنها مساعدات في قضايا المؤسسات المقدسية وغيرها، مشيرًا إلى أن العرب لا يملكون الإرادة في تحدي الإرادة الإسرائيلية.

ذر الرماد في العيون

وقال الناشط المقدسي فخري أبو دياب، إن الخطة لذر الرماد في العيون، وهي محاولة للسيطرة والقضم بغلاف التطوير والبناء، قائلا: “هي دس السم بالعسل؛ لتقليل الاعتراض المحلي والدولي على هذه الخطة”.

وأوضح أبو دياب في تصريح صحفي أنّ الخطة تستهدف تغيير ملامح المدينة من حيث البنية التحتية والسيطرة على الطرق والمفترقات والأنفاق والقطارات الهوائية؛ لتسهيل حركة المستوطنين.

وبيّن أنّ الأخطر في الخطة يتمثل في أسرلة الوعي والعقل المقدسي، والتركيز على تعليم العبرية ودمج الطلبة واعتبار العبرية اللغة الأولى في القدس. كما تتضمن الخطة ربط الاقتصاد المقدسي بالتبعية الكاملة للاقتصاد الإسرائيلي. ونوه أبو دياب بأن خطورة الخطة تقضي بانتظار النتائج بعد 5 سنوات، وهي تعني تمرير الإجراءات التهويدية تحت عنوان انتظار النتائج للخطة.

ونبه إلى أنّ هذه الخطة هي الأكبر من نظيراتها السابقة، وهذا يعني وجود رغبة إسرائيلية في حسم الصراع على تهويد القدس وأسرلتها.

خطة للمواجهة

ومن جانبه قال الكاتب المقدسي فراس ياغي، إنه بالرغم من الأموال الطائلة وسياسات التضييق على المقدسيين، إلا أن النتائج ليس كما توقع واضعو الخطة.

وبين ياغي أنه لا يزال هناك فقط ما نسبته 15 % من طلبة القدس يدرسون المنهاج الإسرائيلي من مجموع ما يقارب 99 ألف طالب في مدارس القدس.

وأضاف أنه “يجب لإيجاد خطة بديلة لمواجهة السياسات الإسرائيلية في شرق القدس، خشية نجاح خطط الاحتلال على المدى المتوسط والبعيد في خطته التهويدية، وفرضها أمرًا واقعًا في القدس التي ستصبح كما المدن المختلطة في الداخل الفلسطيني”. وأشار إلى أن العقبة الأساسية أمام السياسات الإسرائيلية هي الصراع على البلدة القديمة والمسجد الأقصى بما يؤدي إلى زيادة الوعي الوطني لدى المقدسيين الذين يعتبرون خط الدفاع الأول عن الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية. ولفت ياغي إلى أن وجود سكان مقدسيين خارج سور القدس، في مناطق كفر عقب وعناتا وشعفاط، البالغ عددهم 160 ألف مقدسي، يشكل معضلة كبيرة أمام هذه الخطط والسياسات، حيث الشعور الوطني الفلسطيني ضمن هذه التجمعات كبير ويزداد. وأضاف أن سياسة الاحتواء والأسرلة للمقدسيين فشلت وفي طريقها للفشل، وذلك يبدو واضحًا في مقاومتهم الباسلة في باب العامود والشيخ جراح والعيسوية وسلوان، وفي تمسكهم بالمقدسات والدفاع عنها بشكل يومي”.

تغيير الهوية

بدوره، أكد رئيس مركز القدس الدولي حسن خاطر، أن ميزانية ما تسمى “الخطة الخمسية” التي أقرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا البالغة 3.2 مليارات شيقل للأعوام (2024 – 2028) ترمي إلى تغيير الهوية الفلسطينية في مدينة القدس المحتلة. وأوضح خاطر في تصريح صحفي، أن حكومة المستوطنين الفاشية تستخدم الأموال لتعزيز جرائم التهويد واستهداف الهوية الفلسطينية وطمسها، وتحريف المناهج التربوية. وقال: “الميزانية الأخيرة التي أقرتها سلطات الاحتلال ضمن خطتها الخمسية، ترمي إلى التلاعب بتفاصيل الحياة اليومية للمقدسيين لتشديد القيود عليهم، والترويج لعمليات التهويد”. وأشار إلى أن وزير المالية المتطرف “بتسلئيل سموتريتش” حجب ميزانية التعليم عن المدينة المقدسة بدعوى أنها لا تخدم دولة الاحتلال وتساعد في تعزيز الهوية الفلسطينية لدى المقدسيين. وذكر أن الخطوات الأخيرة التي اتخذتها حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة تُعدُّ بداية لحرب جديدة على هوية المدينة المقدسة، والوجود العربي، والمقدسات الإسلامية والمسيحية. وشدد على أن تحركات الاحتلال الأخيرة وخطته التي فرضها، تستدعيان وضع إستراتيجيات فلسطينية من أجل حماية المقدسيين، وتوفير الدعم المادي لهم؛ للحفاظ على الهوية الفلسطينية والعربية في المدينة.

نظير طه – صحيفة “الرياض” السعودية

مواضيع ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

- Advertisment -
Google search engine

أخبار هامة

إخترنا لكم

شتات

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا