الوقت بدأ ينفد بالنسبة لأوكرانيا. فبعد 18 شهراً من الحرب، لم يعد السؤال عما إذا كان التحالف الغربي سوف يتعثر، وإنما متى.
وبحسب صحيفة “The Telegraph” البريطانية، “منذ البداية، وعلى الرغم من تزويدهما أوكرانيا ببعض المعدات العسكرية، كانت فرنسا وألمانيا، على وجه الخصوص، شريكتين مترددتين. وبدا قادة الدولتين أنهما أكثر اهتماماً بإيجاد “مخرج” لطرد قوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أوكرانيا. بالإضافة إلى اعتمادهم على الطاقة الروسية، فقد أدت الغريزة السلمية بين الطبقات السياسية في أوروبا الغربية إلى إهمال تدريب قواتها المسلحة وإبعاد احتمال أن تذهب الأمور نحو التصعيد”.
وتابعت الصحيفة، “باعتبارها الجهة التي تقدم حصة الأسد من الدعم لأوكرانيا، فإن الولايات المتحدة هي صاحبة القرار في هذه الحرب. ومع ذلك، ومنذ الأيام الأولى، كان الرئيس الأميركي جو بايدن أيضًا يماطل في تقديم المساعدة العسكرية الكافية لمواصلة القتال في أوكرانيا، والتي لم تكن كافية لتمكين كييف من تحقيق النصر. وفي الواقع تمكن بوتين من إقناع بايدن، وحلفائه في أوروبا الغربية، من أي مساعدة من شأنها أن تشكل تهديداً للأمن الروسي ستجعل رقعة الحرب تتوسع. إن المخاوف التي ولدتها تهديدات بوتين الفارغة تفسر فشل بايدن في توفير الأسلحة التي تحتاجها كييف بشدة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والصواريخ البعيدة المدى، كما وتفسر مقاومته العنيدة ضد عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي”.
وأضافت الصحيفة، “تظهر استطلاعات الرأي في كل من أوروبا والولايات المتحدة اليوم تراجع الدعم الشعبي للمساعدات العسكرية لكييف، حيث تشير دراسة حديثة إلى أن أقل من 50% من الأميركيين يؤيدون التمويل الإضافي. ويعكس هذا جزئياً التقدم البطيء في الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا، والذي لم يحقق سوى مكاسب محدودة حتى الآن.
وتوقع المحللون العسكريون ووسائل الإعلام الغربية بأن تكرر كييف انتصاراتها المذهلة التي حققتها في الخريف الماضي في خاركيف وخيرسون. والآن، يتساءل الناس عما إذا كانت الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها بلدانهم قادرة على تحقيق أي شيء ملموس على الإطلاق”.
وبحسب الصحيفة، “هناك أيضاً قلق متزايد بشأن الفساد في أوكرانيا، والذي ارتفع بفِعل تلك الأصوات التي تعارض التدخل الأميركي في أوروبا. في الواقع، لابد من معالجة المخاوف المتعلقة بالفساد، ولكنها لا تتفوق على المصلحة الاستراتيجية العظمى للغرب في منع انتصار روسيا.
من الواضح أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يدرك النقطة المفصلية المقبلة في الدعم الغربي، وقد تشير تصرفاته الأخيرة إلى درجة من الانزعاج. فقد قام، على سبيل المثال، بسجن رجل الأعمال الفاسد المزعوم والحاكم الإقليمي السابق إيغور كولومويسكي، كما وأقال وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف في ذروة الحرب، بعد اتهامه بالفساد. إن هذه الخطوة الأخيرة قد تشير إلى تغيير مقبل في الاستراتيجية العسكرية لأوكرانيا”.
ورأت الصحيفة أن “ما من شيء سيحدث فرقًا كبيرًا، فلا يمكن لأي تعديل استراتيجي أن يقلب مسار الحرب من دون زيادة المساعدات العسكرية بشكل كبير. سواء تمت معالجة الفساد أم لا، فإن المستشار الألماني أولاف شولز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والأهم من ذلك، بايدن، سيمارسون الضغوط على كييف للتوصل إلى اتفاق، عاجلاً أم آجلاً. لقد تنبأ بايدن في الصيف الماضي بالأمر، عندما كتب أن الولايات المتحدة كانت تسلح أوكرانيا ليس بهدف هزيمة العدوان الروسي، بل من أجل “القتال في ساحة المعركة والتواجد في أقوى موقف ممكن على طاولة المفاوضات”. من غير المرجح أن يتعاون بوتين إلا بشرط أن يتمكن من الاحتفاظ بالأراضي الأوكرانية التي ضمها بشكل غير قانوني، وأن تظل عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي خارج طاولة البحث إلى الأبد”.
وتابعت الصحيفة، “من الواضح أن ذلك سيكون بمثابة كارثة بالنسبة لأوكرانيا، ولكنه سيكون أيضاً بمثابة هزيمة لحلف شمال الأطلسي. أما بالنسبة لبوتين، فسيكون ذلك نصراً من شأنه أن يشجع على المزيد من العدوان ضد أوكرانيا والغرب في السنوات المقبلة. وإذا حدث أي شيء من هذا القبيل، فسوف يحتاج الغرب الذي تعرض للإهانة إلى استراتيجية قوية للحد من الضرر، وهذا يتطلب بناء قوات حلف شمال الأطلسي، وهو الأمر الذي لم يتم التعامل معه بجدية بعد على جانبي الأطلسي. أما الشق الثاني فيتمثل في استمرار الحرب الاقتصادية ضد الاقتصاد الروسي الضعيف، لتأكيد ثمن شن حرب عدوانية وتقويض قدرة موسكو على إعادة التسلح. وفي الواقع، هذا يمثل مشكلة كبيرة. لا شك أن أي اتفاق سلام سوف يستلزم رفع العقوبات، لذا فإن هناك حاجة إلى المزيد من الوسائل المبتكرة لخنق اقتصاد الحرب الروسي. كما ولابد من دراسة مسألة منع إمدادات الأسلحة من إيران وكوريا الشمالية على نحو جدي”.
وبحسب الصحيفة، “أما المسار المهم الآخر هو أن تقوم الدول الغربية برعاية الإجراءات القانونية المدنية ضد الأصول الروسية المجمدة، والتي تبلغ حاليًا حوالي 600 مليار جنيه إسترليني على مستوى العالم. ومن الأمثلة على ذلك الجهود الحالية التي تبذلها المبادرة البريطانية غير الربحية PayBack4Ukraine، والتي تسعى إلى الاستيلاء على الأصول من خلال المحاكم لتمويل تعويضات لضحايا عدوان بوتين. إن هذا النوع من “الحرب القانونية” يمكن أن يغير قواعد اللعبة في قص أجنحة روسيا، كما أنه سيرسل إشارة واضحة ضد العدوان المستقبلي على دول مثل الصين وإيران. ولكن الأمر يتطلب نهجاً استراتيجياً، مثل إنشاء محكمة دولية مخصصة لمثل هذه الدعاوى القضائية على وجه التحديد. ولتحقيق أقصى قدر من التأثير في مواجهة رفع العقوبات، يجب أن يتم إعداد ذلك قبل أي محادثات سلام”.
وختمت الصحيفة، “إذا لم يتمكن الغرب من إيجاد الشجاعة لمساعدة أوكرانيا في وضع حد لاستيلاء روسيا على أراضيها، فيتعين عليه إذن أن يخطط لاتخاذ تدابير حاسمة للأيام المقبلة، بدلاً من تكرار الأخطاء التي أعقبت استيلاء بوتين على أراضي شبه جزيرة القرم في عام 2014، والتي أدت مباشرة إلى غزو عام 2022”.
عن “لبنان 24”