المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

مكافحة المخدرات في فلسطين واجب وطني

كتب: الدكتور خالد أبو ظاهر*

ان المخدرات بلاء هذا العصر، وسرطان المجتمعات، ووباء يستهدف أعز ما نملك وهم الشباب، ومكافحته واجب وطني على كل ولي أمر.. وكل مسؤول حكومي وأمني.. وتكاتف الجهات الحكومية والتعليمية والمؤسسات الأمنية والأسر يداً واحدة هو السد المنيع أمام من يريد الشر بمجتمعنا.
ان المجتمع الفلسطيني بأخلاقه و بثقافته الاجتماعية، وبمعتقداته الدينية، يرفض ويحرم تعاطي أحد أبنائه أي نوع من أنواع المخدرات ، فالمجتمع الفلسطيني يحافظ على تماسك الأسرة، وتعاضد أعضائها، وتكافلهم، ويعطي أهمية كبرى لحماية الأسرة من المشكلات الاجتماعية، ومن تفاقمها إن وجدت، ويرفض تدخل أية جهة أخرى مهما كانت في حياة الأسرة الخاصة، فهو مجتمع أسري، قبلي، ريفي، وحضري وصاحب مبدأ ومعتقد، يواجه الثقافات الدخيلة بكل جدّية ويحرص على تماسكه، رغم انفتاحه وعمق حضارته وتقدمه في مجالات شتى ، الا انه ينفر من سلبيات العصر، وحتى من البرامج التي تؤثر في ثقافته ومعتقده الديني ، إلا أن بعض المواطنين في محافظات الوطن، من ضعاف النفوس وقع فريسة للمخدرات وغيرها، مثل أي مجتمع عالمي قد يتأثر ببعض الظروف الخارجة عن إرادته وخاصة إذا استهدف من قبل محتل همه الوحيد تخريب هذا المجتمع لإخضاعه لنواياه ولسيطرته عليه.
ان المجتمع الفلسطيني قوي ومحصن ومنيع في مواجهة مختلف الآفات التي يمكن أن تستهدف الإنسان ومنها “المخدرات”، ويقدم النموذج الأكمل والمتطور للدول الأخرى التي لا تكتف فقط ببناء الإنسان وتأهيله وتمكينه بل تحرص على تحصينه ومده بالمناعة اللازمة والوعي الكافي لحمايته عبر سلسلة من الإجراءات التي تقوم بها مختلف مؤسسات الدولة العامة والخاصة والمجتمعية ، وبالأخص المؤسسات التربوية والتعليمية والأمنية والعسكرية والصحية وغيرها من المؤسسات ، حيث تقدم هذه المؤسسات خطط واستراتيجيات ومبادرات وطنية وقوانين تشكل منظومة عصرية متكاملة يتشارك الجميع في إنجاحها بحكم أن ذلك يشكل التزاماً أخلاقياً وقيمياً وإنسانياً فضلاً عن أن المساهمة في محاربة المخدرات واجتثاثها واجب وطني ومسؤولية يحملها كل حريص على سلامة المجتمع وأمن الوطن .
ان دولة فلسطين بمختلف مؤسساتها تقوم بجهود كبيرة وحثيثة في الوقاية والمكافحة لآفة المخدرات وجرائمها من خلال مجموعة من الخطوات منها:
1- دولة فلسطين ملتزمة بالتنفيــذ الفعــال لما ورد في الاتفاقيات والوثائق الدولية لمراقبة ومكافحة المخدرات، ضمن التزام الحكومة الفلسطينية العام بالتصــدي لمشكلة المخدرات العالمية والحفاظ على صحة وأمن وسلامة المجتمع الفلسطيني.
2- وضعت الحكومة الفلسطينية استراتيجية وخطة وطنية لمكافحة المخدرات التزاما منها لتكون عضوا فاعلا في المجتمع الدولي تعزز جهوده في مكافحة آفة المخدرات ومواجهة مشكلة المخدرات العالمية، والتعاون الدولي على نحو يتفق تماما مع مقاصد ومبادئ الامم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الانسان والاحترام التام لجميع حقوق الانسان وحرياته الاساسية والكرامة المتأصلة للأفراد كافة ولمبدأي التساوي في الحقوق والاحترام المتبادل بين الدول.
3- أنشأت الحكومة الفلسطينية برامج تعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ومنظمات دولية بما فيها الاتحاد الأوروبي والشرطة الأوروبية، وبدعم من الوكالة الكورية للتعاون الدولي والوكالة الكندية للتنمية الدولية ووكالة “GIZ” الألمانية وقد ساهمت تلك البرامج بشكل فعال في محاربة انتشار المخدرات في فلسطين.
4- اصدرت دولة فلسطين قانون حديث لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية عام 2015 بجهود وطنية خالصة.
5- تقوم وزارة الصحة الفلسطينية بتوفير العلاج الصحي والنفسي للمواطنين بالشراكة مع وكالة الأونروا
6- عملت الحكومة الفلسطينية على تشكيل اللجنة الوطنية العليا للوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية والتي تعمل على اعداد برامج للوقاية من المخدرات.
7- اتخذت الحكومة ايضا تدابير لتعزيز الشراكة مع المجتمع المدني في مواجهة مشكلة المخدرات حيث تسعى الشرطة الفلسطينية لتطوير مفهوم الشرطة المجتمعية كما اعطت اهتماما جادا بدعم كافة الخطوات الاقليمية والدولية في مجال معالجة الادمان واعادة التأهيل ومواجهة مشكلة المخدرات.
8- تعمل الحكومة الفلسطينية على تشجيع تكاتف الجهود، الاسرية في المنزل، والتربوية في المدارس والجامعات، والتوجيه السليم من المجتمع ومؤسساته العامة والخاصة.
9- العمل على رفع مستوى الانتماء الوطني من خلال أنشطة مؤسسات الدولة المدنية والأمنية.
10- تشجيع ونشر التوعية من مخاطر المخدرات من خلال دور العبادة والنوادي الرياضية والصيفية، وكذلك عبر وسائل الاعلام.
ورغم الصعوبات التي تواجه الجهات المختصة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية في السيطرة الكاملة على هذه الظاهرة، إلا أنهم لم يألوا جهدًا في ملاحقة من يعبثون بأمن الوطن ويتسببون في نشر هذه الآفة، بحيث يواصلون الليل بالنهار من أجل إلقاء القبض على المطلوبين والمتورطين فيها، سواء ترويجا وتجارة أو زراعة أو تصنيعًا أو تعاطيًا، من خلال نصب الكمائن أو المراقبة الدائمة والحثيثة للمناطق التي يتم الشك فيها، ومن خلال التعاون مع المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، ويلاحظ ذلك من خلال الكم الهائل من أعداد مشاتل ومستنبتات زراعة المخدرات التي تم ضبطها في مختلف المحافظات الفلسطينية، والتي احتوت على عشرات الآلاف من الأشتال المخدرة، وخاصة من مادة الحشيش والقنب الهندي المهجن، والماريجوانا، بالإضافة إلى أعداد من المصانع والمختبرات المنتجة والمصنعة لها ، وكان نشاط الأجهزة الأمنية وخاصة لإدارة مكافحة المخدرات ، وبسبب توقيع قرار بقانون رقم 18 لعام 2015 ، أهمية كبيرة في محاربة هذه الآفة وتجارها وخاصة أنه اشتمل على عقوبات رادعة قد تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة والغرامات المالية الكبيرة والتي قد تصل إلى 20 او 30 ألف دينار ، وقد بدأت المحاكم الفلسطينية بتطبيق هذا القرار ، كل ذلك أدى إلى انخفاض قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية في عام 2019.
أن الشرطة والأجهزة الأمنية الفلسطينية وجهت ضربات قاسية لتجار المخدرات ، أدت لتفكيك مستنبتات ومعامل ومشاتل بمئات ملايين الشواكل وأدت ملاحقتها الدائمة لتجار المخدرات إلى القبض على عدد كبير منهم وخاصة بعد تطوير ورفع كفاءة ضباط إدارة مكافحة المخدرات واطلاعهم من خلال الدورات والتوجيهات على تطوير الوسائل للحد من التهريب مما ساهم في تراجع أعداد قضايا ضبط المخدرات على مدار العامين الماضيين ، فأتجه تجار المخدرات إلى ترحيل هذه الجريمة للمناطق الحدودية والنائية ومحيط جدار الفصل و لاحقتهم فيها الشرطة إلى هذه المناطق وضبطت كميات كبيرة فيها من المخدرات بمساندة المواطن الفلسطيني والذي يرفض وجود المخدرات وتجارها ومروجيها ومتعاطيها في المجتمع وأصبح لا يتردد في الإبلاغ عنهم حتى وصل الأمر لإن يقوم احد أفراد الاسرة بالإبلاغ عن فرد يتعاطى المخدرات في داخل الاسرة .
وهذه الاسباب ليست وحدها التي ساهمت في التراجع وإنما توحيد الجهد الأمني بين الشرطة وكافة الاجهزة الأمنية والتنسيق عالي المستوى بين أجهزة العدالة من الشرطة والنيابة والقضاء وترسيخ مبدأ التخصص في العمل والضبط والتحقيق والتكييف القانوني وتطبيق القرار بقانون رقم 18لعام 2015الخاص بالمخدرات، كان له كبير الاثر في نفوس من يفكر بسلوك طريق هذه الآفة.
ومن هنا نقول ان مكافحة المخدرات في فلسطين واجب وطني واخلاقي وديني على كل فلسطيني، فعندما تتظافر الجهود الاسرية والمجتمعية والتربوية والصحية والإعلامية والدينية والأمنية وحسن المتابعة ويقظة ووعي المجتمع نكون أمام حالة من الهمة المجتمعية الإنسانية في درء الأخطار عن حياة أبناء شعبنا والحفاظ على مجتمعنا الفلسطيني أمنا ومستقرا من آفة المخدرات.

*كلية القانون – قسم العلوم الجنائية – جامعة الاستقلال

Exit mobile version