المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

شاعر أم روائي ؟!

كتب: محمد طه

في حوارها الإذاعي الشائق معي في (راديو الناس) يوم الخميس الرابع من كانون الثاني للعام 2024، في برنامجها الجميل (أثير الأمل) ذكرت الفنانة المعروفة أمل مرقس أن الأديب الفلسطيني الكبير جبرًا إبراهيم جبرًا قال أو كتب “كل فلسطيني شاعر”، وجبرا قامة أدبية سامقة في عالم الأدب والثقافة. ولد في مدينة بيت لحم في 28 آب 1920 وأغمض عينيه الى الأبد في مدينة بغداد، وطنه الثاني، في يوم الأحد الحادي عشر من كانون الأول 1994 تاركا لنا إرثا ثقافيا غنيا يربو على ستين كتابا في الرواية والشعر وشتى فنون الأدب منها المؤلف ومنها المترجم. وجبرا روائي وقاص وشاعر وناقد ومترجم، وقد اعتبره الروائي والباحث الفلسطيني فاروق وادي ضلعا هاما من المثلث الروائي الفلسطيني، جبرا وغسان كنفاني واميل حبيبي، في كتابه “ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية”.

قرأت عدة أعمال أدبية بارزة لهذا الأديب الكبير منها روايتاه الجميلتان “البحث عن وليد مسعود” و “الغرف الأخرى” ويؤسفني أنني لم احصل حتى اليوم على رواية “عالم بلا خرائط” التي كتبها مع الروائي الكبير عبد الرحمن منيف، كما قرأت عملين أدبيين جميلين له هما سيرته الذاتية التي سردها بإبداع مميز في “البئر الأولى” و “شارع الأميرات” وقرأت له في النقد الأدبي “الحرية والطوفان” و “النار والجوهر” وقرأت العديد من الكتب الهامة التي ترجمها عن اللغة الانجليزية مثل مسرحيات وليام شكسبير: “هاملت” و “الملك لير” و “عطيل” و”مكبث” و كتاب “الأديب وصناعته – عشرة نقاد أمريكيين” وغيرها من درر الأدب العالمي.

أحترم الأديب جبرا إبراهيم جبرا وأقدره كثيرا فهو علم بارز في الأدب الفلسطيني والعربي ولكنني لا أتفق مع قوله الذي ذكرته الفنانة أمل مرقس بأن كل فلسطيني شاعر لأن عالم الشعر صعب وشاق لا يقدر كل فرد أن يلجه على الرغم من أن أبناء الشعب الفلسطيني تركوا لنا تراثا كبيرا من الأغاني الشعبية والعتابا والمواويل والبكائيات وغيرها. بينما أعتقد بأن كل فلسطيني قاص وحكاء وراوية وروائي يحمل في ذاكرته قصصا غنية ومثيرة لما شاهد في حياته من أحداث عظيمة لا تنسى.

ذاكرة الانسان الفلسطيني كنز غني لما عرف ورأى وسمع في حياته ولما حدث في يافا وحيفا وعكا واللد والرملة وطبرية وصفد وبيسان ومئات القرى التي هجر أهلها منها ومئات القرى التي بقي أهلها منغرسين فيها في هذا الوطن الجميل. ذاكرة الفلسطيني نبع مدرار لما حدث في المخيم الفلسطيني، في صبرا وشاتيلا وتل الزعتر وجباليا والمغازي واليرموك وعين الحلوة والوحدات ونور شمس والبقعة وعشرات المخيمات في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن. رواية الفلسطيني ابن قرية الصفصاف وابن قرية الفالوجة وابن الحولة وابن وادي الحوارث وابن جبل الكرمل وجبل الجرمق وابن الغور هي رواية أساس في حياة هذا الشعب وعلينا أن نحافظ عليها وندونها ونترجمها وننشرها وندرسها للأجيال، للأبناء وللأحفاد.

سألني أصدقاء ومثقفون كثيرون، فلسطينيون وعرب وأجانب سؤالا كبيرا: كيف بقيتم منغرسين في الجليل والمثلث والنقب؟ كيف بقيتم في الناصرة وأم الفحم ووادي عارة والشاغور ومرج بن عامر والبطوف والكرمل والنقب؟ لقرية الجش قصة ولكفرقرع التي صارت مدينة حكاية، ولكفرمندا رواية ولكفرقاسم أسطورة ولعيلبون ملحمة. هذه القصص تؤكد على أن كل فلسطيني حكاء وقاص وراوية وروائي وتدعونا الى تسجيلها وجمعها وتدوينها. في ذاكرة كل فلسطيني رواية وفي قلب كل فلسطيني قصة ونحن بحاجة ماسة الى بيت كبير للذاكرة ينهل منها كل مؤرخ وكل دارس وكل طالب علم كي يعرف العالم الحقيقة ولا بد من أن نشد على يد كل من يسعى لبناء هذا البيت وإثرائه وتطويره.

Exit mobile version