المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

تحقيق: الجمعية التي تولت جمع الجثث في 7 أكتوبر كان همها خلق القصص ونشرها إعلامياً

عدد من الأشخاص يجلسون حول طاولة بلاستيك دائرية تحت أغصان شجرة في يوم شديد الحرارة. الأجواء لطيفة والحديث يتدفق. بعضهم يدخن وبعضهم يشرب المشروبات الخفيفة ويأكل الفطائر. تجلس على الكرسي المجاور فتاة تنشغل بهاتفها. أجواء لطيفة في هذا المكان الصغير. حتى الجثة المرمية قربهم على الأرض والتي تم لفها بكيس بلاستيك أبيض، لا تشوش عليهم أجواءهم؛ فهي ليست خارج القصة، بل جزء منها.

المكان: كفار عزة. الوقت: بداية الأسبوع الثاني للحرب. الأشخاص الموجودون هناك بين البيوت المحروقة والدمار الكبير، هم متطوعون عشرة من “زاكا” القدس. الكيس الموجود قربهم يزينه شعار هذه الجمعية. أحد المتطوعين في جمعية أخرى قال: “من الغريب أن الجثة قربهم بينما يجلسون ويدخنون ويأكلون. أمر لا يصدق”. سألوا أعضاء زاكا: لماذا لا ينقلون الجثة إلى سيارة الإسعاف أو إلى ثلاجة الشاحنة الواقفة على الجانب الآخر للشارع؟ فأجابوا بلا مبالاة: سنعالجها لاحقاً. وعادوا إلى العمل.

الذي اقترب من المجموعة سمع المتطوعين الثلاثة وهم ينشغلون بمحادثة فيديو وتوثيق أفلام لجني الأموال. وحسب الوصف الذي قدمه المتطوع، فإن الجثة كانت جزءاً من ذلك. جزء من العرض المقدم للمتبرعين، في الوقت الذي وصل فيه سباق ضد الزمن لجمع جثث ضحايا المذبحة وإخلائها إلى ذروته. “فتحوا هناك غرفة عمليات للتبرع”، وصف شخص آخر كان شاهداً على الحدث، الذي عمل خلال الحرب في بلدات الغلاف. “بعد أسبوعين شاهدتهم يعملون بشكل مشابه في “بئيري”، يجلسون ويصورون أفلاماً ويجرون محادثات لجمع التبرعات داخل الكيبوتس”. وقالت “زاكا” إن الجمعية “لم تُجر أي محادثات لجمع التبرعات في الميدان. وفي حالة وصلتهم أنباء عن حدث ما، سيتم فحصه ومعالجته”.

تحقيق “هآرتس”، الذي يستند إلى شهادات جهات في الجيش كانت في الميدان وفي معسكر “شورا”، الذي تم تجميع الجثث فيه، وشهادات متطوعين عملوا في بلدات الغلاف، من زاكا ومن طواقم إنقاذ أخرى، يثير التساؤلات حول السلوك أثناء إخلاء الجثث. مئات المتطوعين في زاكا القدس قاموا بأعمال مهمة، جمعوا الجثث في ظروف قاسية. ولكن في الوقت نفسه، خصصت بعض نشاطات الجمعية، التي تورطت عشية الحرب في ديون بالملايين، لتجنيد التبرعات والعلاقات العامة وإجراء المقابلات في وسائل الإعلام وجولات للمتبرعين.

عملياً، قرر الجيش التنازل في الأيام الأولى والحاسمة عن مئات الجنود الذين تم تدريبهم على التشخيص وجمع القتلى في أحداث معقدة كبيرة؛ وبدلاً من ذلك فضلت قيادة الجبهة الداخلية استخدام جسم خاص، “زاكا”، إلى جانب جنود وحدة التمشيط في الحاخامية العسكرية في المنطقة الجنوبية، “ييسر”. الحاجة للقوة البشرية كانت كبيرة، لكن عند تجنيد الاحتياط في 7 أكتوبر تم إبلاغ جنود “ييسر” في الشمال و”ييسر” التابعة لقيادة الأركان وجنود “أنوح” (جمع البيانات وعدد القتلى التابعة لقيادة الجبهة الداخلية) بأن عليهم الانتظار.

“لا أملك تفسير لماذا لم يستخدموا “أنوح” ورجالنا في الشمال؟”، قال للصحيفة ضابط في “ييسر” التي تعمل في الجنوب. كما أن ضباطاً في “شورا” لم يستطيعوا الإجابة عن سؤال لماذا لم يتم استخدام رجال الوحدة التي تم تجنيدها وجميعهم جنود يعرفون كيفية العمل تحت النار؟ وقال ضابط في “انوح” إن قادته “توسلوا” لتشغيلهم، حسب قوله. القيادة العليا في الجبهة الداخلية رفضت. عملياً، من الأسبوع الثاني للحرب بدأ رجال “أنوح” يعملون في الميدان. وهذا أيضاً لم يكن بشكل كامل.

في هذه الأثناء، كان متطوعو زاكا هناك. عمل معظمهم في ساحات صعبة من الصباح حتى المساء. ولكن يتبين من الشهادات أنه إلى جانب ذلك، كان هناك من عملوا، ضمن أمور أخرى، بأشياء أخرى مختلفة. كجزء من الجهد للحصول على وقت في الشاشة، ونشرت “زاكا” قصصاً فظيعة لم تحدث حقاً، ونشرت صوراً حساسة ورسومات وعملت على الأرض بشكل غير مهني. “لقد كان لاختيار زاكا ثمن”، قالت مصادر في معسكر “شورا”. “لقد تسلمنا الأكياس منهم بدون توثيق. أحياناً مع أشلاء جثث لم تكن مرتبطة ببعضها”. قال ضابط في المعسكر. “الأمر الذي صعّب عملية التشخيص”. وحسب قوله، يدور الحديث أيضاً عن أكياس وصلت بعد بضعة أيام على اندلاع الحرب. وكما وصف متطوع في معسكر “شورا”: “كانت هناك أكياس فيها اثنتان من الجماجم وأكياس فيها أيدٍ دون معرفة أصحابها”.

بعد ذلك بأسابيع، بقي في المعسكر مئات الأكياس التي تم تجميع جثث فيها بشكل متأخر، وكان يجب معرفة أصحابها. عملياً، بقي بعضها مجهول الهوية حتى الآن. متطوع في “زاكا القدس”، يخدم في الحاخامية العسكرية، قال في محادثة مع الصحيفة إن هناك فجوة كبيرة بين مهنية جنود الحاخامية العسكرية وقيادة الجبهة الداخلية ومهنية المتطوعين في “زاكا”. “وصلنا إلى الميدان عند بداية الحرب، ولم تكن هناك أي جثث أو أشلاء على الأرض، لم يتم توثيقها كما هو مطلوب”، قال المتطوع. “في زاكا بصعوبة سجلوا شيئاً ما على الأكياس. أما بالنسبة للتوثيق فليس هناك ما نتحدث عنه”. هذا الجندي المتطوع نفسه وجه أصبع الاتهام للجيش الذي ألقى هذه المهمة على “زاكا”.

مع ذلك، ليس متطوعو “زاكا” وحدهم من أخطأوا. فضابط في “ييسر الجنوب” اعترف أنه لم يوثق هو رجاله أيضاً مكان كل جثة في الأيام الأولى، الأمر الذي أخر عملية التشخيص. “في البداية، لم يكن بالإمكان التوثيق لأن العبء والضغط كانا كبيرين”، أوضح. “لكننا عملنا بشكل أساسي، وبعد ذلك طلب منا إعادة النظر فيما فعلناه. وعندما تم إحضار أكياس الجيش، كان الفرق واضحاً”، قال متطوع عمل في المعسكر.

جنود في وحدة “أنوح” ومتطوعون من جمعيات أخرى قدموا شهادات حول الاشتباه بإهمال “زاكا”، حتى من جوانب أخرى. وحسب قولهم، تقدموا عدة مرات من سيارات وبيوت كان عليها ملصق “زاكا”، وإشارة بأن المكان تم تنظيفه من الجثث والأشلاء، لكن الحقيقة كانت مختلفة. “أخذت زاكا جزءاً من جثة وتركت الجزء الآخر في البيت”، قال متطوع من “شورا”. أحد الأشخاص الذي تجول مع زاكا في كيبوتسات الغلاف، قال إنه دخل مع رجال الجمعية إلى البيوت التي عليها إشارة بأنها نظيفة. ولكننا فعلياً شاهدنا فيها بقايا إنسان.

ثمة أمثلة كثيرة؛ ففي الموقف الذي أقيم في “تكوما” والذي أحضرت إليه السيارات التي تضررت في شوارع الجنوب وفي منطقة الحفلة في “ريعيم”، تم العثور على أشلاء لم يتم جمعها. “لقد وجدنا هناك أجزاء من العظام وأشلاء أخرى”، قال للصحيفة جندي في “أنوح”. “الكثير من الأشخاص عندنا غاضبون: لماذا دربونا على فعل ذلك وفي يوم العمل منعونا من العمل”.

وعندما بدأ رجال “أنوح” في العمل في الأسبوع الثاني للحرب، أرسلوا لتجميع جثث المخربين ونقلها إلى معسكر “سديه تيمان” أو لمعالجة قواعد الجيش. “سألنا القادة: لماذا لا يسمحون لنا بالدخول؟ وفي كل مرة نحصل على جواب مختلف”، قال جندي في الوحدة. “مرة قالوا لنا إنه تم تدريبنا على الزلازل، ومرة قالوا لنا بأنهم لا يريدون تعريض حياة الجنود للخطر. ومرة أوضحوا لنا بأن قائد المنطقة أعطى المهمة لوحدة الإنقاذ القطرية، التي أحد أعضائها شخص رفيع في زاكا”.

وأضاف المصدر: “لو عملنا كما علمونا لوفرنا معاناة الكثير من الأشخاص ودفناهم قبل وقت كبير. بعض المتطوعين في “زاكا” اعترف في محادثة مع الصحيفة بأنه لو عمل جنود “أنوح” معهم لكان أفضل وأسرع وأدق.

السترة هي الرسالة

في الأيام الأولى للحرب وبعدها أيضاً شوهد في وسائل الإعلام جنود يرتدون الزي العسكري ورجال من قيادة الجبهة الداخلية. ولكن فوق الزي العسكري الذي كانوا يرتدونه سترات لا تعود للجيش، وكان مكتوباً عليها اسم “زاكا”. ضباط في الجيش شاهدوا ذلك لم يعرفوا كيفية الرد.

حاييم اوتمزغين، قائد “الوحدة الخاصة” في زاكا والذي يخدم في الاحتياط في وحدة الإنقاذ القطرية في الجبهة الداخلية، “يحتسا”، هو أحد الضباط الكبار الذين أكثروا من الظهور بهذا الزي، ليس على شاشات التلفاز فحسب. قبل نهاية تشرين الأول، في الوقت الذي كان فيه أعضاء الجمعية يعملون في الكيبوتسات، كان يقوم بدور البطولة في فيلم فيديو قصير أنتج بشكل متقن وسجل في الميدان. في هذا الفيلم، هو وابنه كانا يغنيان أغنية كتبها هو نفسه. وكان الفيلم مرفقاً بكتابات هدفت إلى فتح القلوب والجيوب أيضاً. “مئات المتطوعون في “زاكا” تركوا خلفهم عائلات داعمة وذهبوا بإخلاص وشاهدوا الأعمال الفظيعة التي جرت في الجنوب، ثم عادوا لبيوتهم بكيس مليء بالمشاعر. أنتم مدعوون لتأدية التحية لهم”، كتب في وصف الفيلم مع رابط للتبرع.

في محادثة مع “هآرتس” قال اوتمزغين إنه صور الفيديو القصير، وبعد ذلك قررت الجمعية استخدامه في حملة جمع التبرعات. حسب قوله، لم يأخذ منه التصوير والإخراج الكثير من الوقت. “الجمعة، كتبت وفي منتهى السبت سجلت في الأستوديو، وبعد يوم أو يومين تم تصوير الفيديو”. لم يكن اوتمزغين جزءاً من الحملة الدعائية لـ “زاكا” القدس فحسب، لكن ثمة أقوال من عدة مصادر لعب هو دوراً رئيسياً في المحور الذي ربط بين الجمعية والجيش الإسرائيلي وقيادة مناطق أخرى منذ مساء ذاك السبت، بالأساس في موقع الحفلة في “ريعيم” وفي “كفار عزة” وفي “بئيري”. بعد شهر على اندلاع الحرب، منع اوتمزغين دخول متطوع من جمعية منافسة إلى “كيبوتس بئيري”، رغم أنه حصل على مهمة أخرى من ضابط. وأكد اوتمزغين أنه قام بمنعه. وقال إنه فعل ذلك لاعتقاده أنه ينتحل شخصية شخص آخر. ومصدر في زاكا تل أبيب (منافسة أخرى) شهد أن أعضاء جمعيته منعهم ضباط في “يحتسا” من الوصول إلى منطقة في الجنوب. “قالوا لنا بصراحة إن حاييم اوتمزغين قال إنهم لا يريدوننا هناك”، قال هذا المصدر.

هنا يطرح سؤال: ما العلاقة بين “يحتسا” وزاكا القدس؟ الجواب أن اوتمزغين لا يخدم فقط في الاحتياط في “يحتسا”، بل هو مقرب جداً من قادة الوحدة. متطوع من زاكا يعرف اوتمزغين عن كثب، قال في محادثة مع الصحيفة إنه هو الذي وقف وراء موقف قيادة “يحتسا” من الساحات ووراء استخدام زاكا. “هو الذي لديه القوة ليقول للقادة: هذا الحدث لنا”، وأضاف المتطوع بابتسامة صفراء: “المتطوعون الآخرون لا يمكنهم الدخول لأنها منطقة عسكرية مغلقة”.

“أدركت أننا في سباق مع الزمن”، قال اوتمزغين في محادثة مع القناة 7. “اتصلت بقائدي العقيد غولان فاخ، وقلت له إنها مهمتنا”. هكذا فإن قيادة الجبهة تولت بشكل رسمي السيطرة على المنطقة، والذراع التنفيذي، لا سيما في الأسبوع الأول. وفي محادثة مع الصحيفة، أوضح اوتمزغين بأنه بين الجيش وزاكا اتفاقاً على تشغيل هذه الجمعية، الأمر الذي يمكن من عمل الجمعية على الأرض”.

وجاء من الجيش الإسرائيلي بأنه “في أعقاب أحداث 7 أكتوبر أقيم تجمع لعدة فرق برئاسة ضابط برتبة عقيد من أجل تولي مهمة العثور على الجثث وجمع الأشلاء في بلدات غلاف غزة. وإزاء تعقيد المهمة وعدد المصابين، فإن وزارة الدفاع تعاقدت مع “زاكا” للحصول على المساعدة وتعزيز قوات هذه المهمة. كان بين الوحدات التي شاركت في الجهود العسكرية، وحدة التمشيط التابعة للحاخامية العسكرية. أقسام جمع البيانات والقتلى “أنوح” تم تجنيدها بالكامل في الأسبوعين الأولين للحرب. سيجري الجيش الإسرائيلي تحقيقاً مفصلاً ومعمقاً حول تشغيل القوة من لفحص التفاصيل حتى النهاية حين تسمح الظروف العملياتية بذلك، وستنشر النتائج على الجمهور”.

أهارون رابينوفيتش

هآرتس 29/1/2024

 

Exit mobile version