المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

يدا الاستعمار النشطتان!!

في منطقتين منفصلتين جغرافياً، لكنهما تلتقيان على موضوع الاستعمار المتشابه إلى حد كبير في مجمل تفاصيله الأساسية باستثناء البعض منها، والذي بات يزاحم الفلسطينيين في الضفة الغربية بأرضهم وأرزاقهم ومناحي حياتهم كافة، حتى أُجبرت بعض العائلات على الرحيل.

في مسافر يطا جنوب الخليل، والأغوار الشمالية، تسجل يوميا، انتهاكات ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمستعمرين، مع اختلاف الجهة الراعية لتلك الانتهاكات.

ما زالت “الإدارة المدنية” في مسافر يطا جنوب الخليل، تسعى بكل الوسائل إلى فتح الطريق أمام التوسع الاستعماري، بينما أوكلت تلك المهمة إلى “مجلس المستعمرات”، الذراع الفعال للاحتلال، لتقييد حياة الفلسطينيين في الشريط الشرقي للضفة الغربية.

لكن كيف يحدث ذلك؟.

تعتمد العائلات في الأغوار الشمالية ومسافر يطا، بشكل أساسي على تربية الماشية، والرعي، واقتناء الجرارات الزراعية، لتساعدهم على استمرار الحياة في مناطق لا تسمح إسرائيل بأن يكون فيها بنية تحتية.

يقول مدير عام التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود، إن مساحة الأراضي التي يسيطر عليها مستعمرون (يمنعون المواطنين من الوصول إليها) بلغت 410 آلاف دونم من أراضي الضفة الغربية والقدس، منها 90% من أراضي الأغوار ومسافر يطا.

وهذه النسبة الكبيرة من مجمل الإحصاءات التي وثقتها الهيئة، تدل على حجم الجحيم الذي يلاقي المواطنين من التوسع الاستعماري، في ظل دعم الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الحالية، التي أطلقت يد المستعمرين في المنطقتين للسيطرة على أكبر مساحة من الأراضي.

ويضيف: أن تحقيق أهداف الاستعمار الرعوي يندرج ضمن مسارين منفصلين ومختلفين، الأول: مسار رسمي يتمثل في استيلاء حكومة الاحتلال على الأرض الفلسطينية بطرق رسمية تحت مسميات قانونية سنّتها لهذا الغرض، والثاني مسار غير رسمي عبر المستعمرين واعتداءاتهم بدعم مباشر من حكومة الاحتلال، بهدف السيطرة على الأرض التي لم تسمح الطرق الرسمية بسلبها، وهو ما يُعد جزءاً من إستراتيجية نظام الفصل العنصري الإسرائيلي الساعي إلى ضم الأرض الفلسطينية.

وبحسب حركة “السلام الآن”، يعيش نحو 700 ألف مستعمر في 146 مستعمرة و146 بؤرة استعمارية عشوائية مقامة على أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.

ويعاني المواطنون ويلات الاستعمار منذ سنوات، لكن بإجماع السكان في المنطقتين صارت الأمور بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أكثر سوءا وخطورة، وشهدت أساليب جديدة للمستعمرين للتضييق على الأهالي.

لم يتمكن يوسف عوض، أحد مواطني مسافر يطا -عندما حان وقت زراعة الموسم الحالي- من زراعة ما يقارب 120 دونما مملوكة له ولأعمامه؛ بسبب منع المستعمرين لهم.

المستعمرون ذاتهم، حرثوا أجزاءً كبيرة من تلك الأراضي الزراعية دون زراعتها، كما جرفوا أطرافها لتلتقي بسفح أحد الجبال الملاصقة لها.

عدد البؤر الرعوية الزراعية، 89 بؤرة على مساحة تُقدر بـ208,000 دونم تقريباً، وعدد البؤر المختلطة التي تجمع بين السكن والزراعة والرعي تبلغ 6 بؤر.

يؤكد الناشط الحقوقي راتب جبور، “أن المستعمرين في المسافر من المتطرفين، باتوا يستولون على آلاف الدونمات الزراعية والرعوية”.

ويضيف: “يسرقون الماشية، يستولون على المركبات، يحرثون أراضي المواطنين الصالحة للزراعة، ويستولون على المناطق الرعوية”.

والأمر ذاته في الشريط الشرقي للضفة الغربية، فالمستعمرون الذين باتوا هم آلة الحرب الإسرائيلية في الأغوار، يقومون بالأعمال ذاتها.

بينما كان الظلام يحل على الفارسية بالأغوار الشمالية، كانت أصوات جرارات المستعمرين تكسر صمت المكان، عندما حضر أحدهم وبدأ بحراثة أراضٍ زراعية ملاصقة لخيام لؤي دراغمة.

حينها، دار عراك بالأيادي بين الجهتين. لكن لم تكن المرة الوحيدة، فبعد أيام عاد المستعمرون بأعداد كبيرة بحماية جنود الاحتلال وأكملوا حراثة الأرض التي بذروها، الأمر الذي كبد المزارعين خسارة مالية كبيرة.

يقول لؤي: “زرع المستعمرون عشرة دونمات ملاصقة لخيامنا (..)، نحن نستفيد من هذه الأرض سنويا”.

إلى جانب الاستيلاء على الأرض، يعمد المستعمرون إلى الاستيلاء على المعدات الزراعية ومركبات المواطنين، التي يستخدمونها في أعمالهم اليومية.

وتشير الإحصاءات إلى أن قوات الاحتلال والمستعمرين استولوا خلال العام الماضي على 43 جرارا زراعيا، و293 مركبة، و296 رأس ماشية.

ويقول لؤي، خلال السنوات الخمس الماضية دفعنا غرامات مالية وصلت قيمتها إلى 14 ألف شيقل، مقابل استرداد مركباتنا وجراراتنا الزراعية”.

يقول عارف دراغمة، وهو ناشط حقوقي في الأغوار: “بات هناك قرابة 1000 دونم من الأراضي الزراعية يزرعها المستعمرون. يريدون ضم الأغوار”.

قبل شهر، استولى مستعمرون على قطيع بقر للمواطن قدري دراغمة، أثناء رعيها في المراعي بالأغوار الشمالية، وفرضت سلطات الاحتلال عليه في وقت لاحق غرامة مالية وصلت إلى 200 ألف شيقل؛ مقابل استرداد ذلك القطيع.

يقول قدري، “انتقلنا من مجابهة الآلة العسكرية والإدارة المدنية، إلى مواجهة مجلس المستعمرات، أفكر في الرحيل إذا استمر الأمر هكذا”.

منذ مطلع عام 2024 بلغت قيمة الغرامات التي فرضها ما يسمى “مجلس المستعمرات” على مواطنين من الأغوار 240 ألف شيقل.

في المسافر، هناك أسلوب جديد للمستعمرين في تنفيذ اعتداءاتهم بحق المواطنين، يقول جبور: “المستعمرون يرتدون لباسا عسكريا وينفذون عمليات الهدم، والاستيلاء على الجرارات والمركبات في المسافر”.

يقول عوض الذي يسكن في كهوف طبيعية في بطون الجبال، والذي تعرض لهجوم من مستعمرين يرتدون اللباس العسكري، “نعرفهم جميعهم عندما كنا نتعارك معهم في المراعي(..)”.

ويضيف: جاءوا بلباس عسكري وبحماية جيش الاحتلال، ليستولوا على مركباتنا ومواشينا وجراراتنا الزراعية، منذ ذلك التاريخ، صرنا لا ننام الليل ترقبا لأي اعتداء ينفذه المستعمرون(..)، إنهم عصابات إجرامية”.

معظم المزارعين يتشبثون بأرضهم ولا يرغبون في الرحيل عنها، إلا أن مضايقات الاحتلال ومستعمريه تدفعهم إلى ذلك، فعندما يحرم الاحتلال الرعاة من المراعي فإنه يضعهم أمام خيارين، الأول موت مواشيهم جوعا، والثاني شراء الأعلاف لتغذيتها، وهو غير ممكن لعدم قدرتهم المادية على ذلك.

في مناطق الأغوار الشمالية ومسافر يطا، المواطنون محرومون من أبسط الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وبنية تحتية، فكلها تمنعها سلطات الاحتلال بذريعة أنها مناطق مصنفة “ج”، وفي الوقت ذاته توفر كل تلك الخدمات وأكثر للمستعمرين.

وفا- الحارث الحصني

Exit mobile version