المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

السابع من أكتوبر

كتب: محمود جودت محمود قبها*

ما فعلته جماعة غزّة في (السابع من أكتوبر) كان بمثابة انتحار سياسي وعسكري، بعد أن تخلت عنها إيران والجماعات المسلّحة التابعة لها لتمضي رحلة (30) عامًا إلى النهاية ‏قال الرئيس محمود عبّاس سابقًا أنه لا يمكنه محاربة إسرائيل لوحده، لكن إن شارك العرب فسيكون أولهم، لكن العناد والتهور الغير محسوب تسبب بمأساة غزّة وتدميرها وترحيل شعبنا في غزة .

هناك مسافة فاصلة في نقاش الصدام الاجتماعي والنفسي الموجود في غزة حاليًا بين خيام النازحين في رفح وبين الأمعاء الخاوية في شمال غزة وغزة وبين الغاضبين من الطوفان و المبررين له أن المجتمع نفسه لم يكن جاهزًا لأي حرب أو تصعيد عسكري أو حتى لجولة من الفوضى فما بالك بـ إبادة وتهجير وتجويع وتشريد وقتل عشوائي وتدمير ممنهج للبنية التحتية في قطاع غزة وفوضى مركبة مقصودة يتم إدارتها عسكريًا من قبل الإحتلال الصهيوني .

لم يكن جاهزًا بمعنى أن المجتمع الذي قررت حماس أن تأخذه في الطوفان كان يعاني من الفقر الشديد والتخبط السياسي والنفسي والاجتماعي نتيجة الحصار الاسرائيلي على قطاع غزة منذ ٢٠٠٧ ونتيجة البطالة المرتفعة وغير المسبوقة ونتيجة العمليات العسكرية الاسرائيلية المتتالية قبل ٧ أكتوبر وما نتج عنها من ويلات وقسوة، ونتيجة العقوبات، ونتيجة العزل النفسي والجغرافي والاجتماعي والسياسي للغزيين، وما نتج عن ذلك من هجرة جماعية بمئات الالاف لشباب غزة وبناتها بين أعوام ٢٠١٤ و٢٠٢٢ المجتمع الذي قررت حماس أن تأخذه إلى الطوفان دون أن تستشيره أو أن تجهزه حتى كان مقهورًا، متعبًا، مرهقًا، فقيرًا، مشردًا، ومنهكًا من الجولات العسكرية السابقة، ويشعر بفقدان الأمل من أي حل عسكري، ومن انعدام الافاق السياسية لمنظومات السيطرة التي تتحكم بها أطراف الإنقسام الفلسطيني حماس لا داعي لذكر الاحصائيات التي تتحدث عن الواقع الانساني والمعيشي والسياسي في غزة فلقد تم ذكرها كثيرًا ولا يبالي بها أحد المهم هو أن يفهم هذا العالم وخصوصًا الفلسطينيين في الضفة الغربية والداخل المحتل والشتات أن الغزيين بعد هذه الحرب إن نجوا لن يكونوا قادرين على دخول أي معركة حقيقية فاعلة في المستقبل القريب هذا ليس تشاؤمًا بقدر ما هو محاولة لفتح النقاش حول “الجدوى” من الصمت الفلسطيني عما يحدث بغزة وعن أسئلة المستقبل القريب في ظل صهيونية يمينية فاشية تضرب بعرض الحائط كل مقومات البقاء الفلسطيني .

وبالنسبة المحللين الاستراتيجيين الذين تشتريهم ليغنوا هبلًا مرتبًا على شاشاتها عن “المعركة الشاملة” و”وحدة الساحات” و”جبهات المقاومة” يبدو واضحًا أن جبهة غزة تمت إماتتها والقضاء عليها لسنوات هذا إن لم يكن لعقود، أي بمعنى أين هو التحليل الاستراتيجي لمعركة قادمة مع حزب الله مثلًا بعد أن ينتهي الاحتلال من القضاء على أي قدرة مقاومة عسكرية من غزة خاصة وأن الغزيين يرفضون الدخول في معركة بعد أن تم سحقهم في غزة ما تفعله إسرائيل في غزة تجاوز الرد العسكري والانتقام الجماعي والقضاء على حماس حسبما أعلن، ما تفعله اسرائيل هو تأسيس واضح وعملي وممنهج عسكريًا لإدارة غزة من حيث شلها وشل أي مستقبل مقاوم صامد فيها ولا أقصد هنا الجيوب العسكرية الميليشياوية بل أقصد القدرة على المقاومة النفسية والوطنية عند سكانها .

في كوارث سابقة كان المـوت يحصد أرواح الناس في مجتمعات ومناطق معيّنة نتيجة كارثة محدّدة لحقت بهم، كارثة مجاعة.. كارثة حـرب.. مرض.. جفاف.. فيضان… اليوم المـوت يحصد أرواح الناس في قطاع غـزة نتيجة كارثة واحدة “أم الكوارث” لحقت بهم، يموتون بالصواريخ بالجوع والمرض بالقهر بالعجز بالخيبة، يموتون بكل الأشكال، الموت في عقد مفتوح مع غـزة يمارس معها كل خبراته السابقة يواجه نحو نصف مليون غزي في مدينة غزة وشمال قطاع غزة خطر المجاعة نتيجة منع حكومة الاحتلال الإسرائيلية إدخال المساعدات الإنسانية منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

وقالت منظمة اليونيسيف أن مئات الآلاف من الأطفال يواجهون خطر الموت جوعاً وسوء التغذية جراء عدم إدخال المساعدات الإنسانية وحذر برنامج الأغذية العالمي من أن كميات قليلة جدًا من المساعدات الغذائية تجاوزت جنوب قطاع غزة إلى شماله منذ بداية العدوان وأن خطر حدوث مجاعة في مناطق القطاع الفلسطيني لا يزال قائماً، موضحاً أنه )من الصعب الوصول إلى الأماكن التي نحتاج إليها في غزة وخاصة في شمال غزة (وأوضحت إحصائيات للأمم المتحدة أن ما نسبته 93% من الغزيين يواجهون خطر المجاعة وسوء التغذية وتفشي الأمراض والأوبئة في صفوف النازحين في الوقت الذي قالت الأمم المتحدة إن غزة أصبحت وعاء ضغط مملوء باليأس وأضافت أن مليون فلسطيني في غزة أصبحوا بلا مأوى وقال فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا إن غزة تعاني من أزمة إنسانية غير مسبوقة مضيفاً أن قطاع غزة أصبح مكاناً يواجه صراعاً من أجل البقاء اليومي في خضم الموت والإرهاق واليأس .

كما أصيب أكثر من نصف سكان غزة وخاصة الأطفال بأمراض معدية وسوء التغذية بسبب عدم توافر اللقاحات والمستلزمات الطبية الأمر الذي ينذر بكارثة صحية في ظل غياب المساعدات الطبية والعلاجية وبهذا تحولت مراكز الإيواء إلى بؤر لانتشار الأمراض والأوبئة المعدية وأكثرها حالات لأمراض الإسهال والدوسنتاريا والتهاب الكبد “ب” وكذلك هناك أكثر من 360 ألف حالة مرض معدي بين صفوف الأطفال في غزة وثقتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” وتنوعت بين سرطان والملاريا و السحايا والتهاب الكبد الوبائي والإنفلونزا الموسمية والجدري بسبب الطعام غير النظيف والمياه غير الصالحة للشرب.

وبالفعل، انهارت منظومة الصحة في غزة في ظل النقص الحاد في إمدادات العلاج وكذلك الإمكانيات الفنية الضعيفة في العمليات الجراحية، فلم يتبقى سوى عدد قليل من المستشفيات التي تقدم الخدمة المتواضعة لمصابي الحرب وتعالجهم على الأرض بكشافات “الموبايلات” في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.

*باحث في درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

Exit mobile version