برسم حركة المقاومة الإسلامية حماس بن غوريون: «الهدنة تكفينا»! كتب عماد شقور

تزخر وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والإسرائيلية، منذ اسابيع، بتقارير عن مفاوضات سرية، بين حركة حماس واسرائيل، تهدف الى التوصل لاتفاقية هدنة طويلة الأمد بينهما. هناك من يحددها بخمس سنوات، وهناك من يطيل عمرها إلى خمسة عشر عاما، وأكثر.
ليس هذا جديدا على حركة حماس وادبياتها، فهناك تصريحات كثيرة منسوبة الى مؤسس حماس، الشهيد الشيخ احمد ياسين، تحدث فيها عن إمكانية قبول حماس، بعقد هدنة طويلة الأمد مع اسرائيل. توجه حماس هذا، نحو القبول، ان لم يكن السعي، لإبرام اتفاقية هدنة مع اسرائيل، (ربما بدون تسميتها «اتفاقية»، منعا للاحراج، حسبما جاء في بعض التقارير الصحافية)، لا يقلل من مضار ومن مخاطر هذا المسعى، على المصلحة الوطنية العليا للفلسطينيين، حتى إن جاءت متزنرة «بالصواريخ»، ومتزينة، أو متخفية، تحت عباءة «التهدئة». مصدر الخطر، وسبب المضار، التي ينطوي عليها خطأ ما تسعى إليه حركة حماس، يكمن في أنه خطأ يحمل في ثناياه خطيئتين تجاه صميم المصلحة الفلسطينية العليا:
أولى الخطيئتين، هي مجرد سماح حركة المقاومة الإسلامية حماس، لنفسها بإدارة مفاوضات منفردة مع اسرائيل، وحول اي موضوع كان، نظرا لما يعنيه ذلك من فتح باب واسع لأي فصيل فلسطيني آخر، ان يدير مفاوضات منفردة، علنية أو سرية، مع اسرائيل، تمكنها من الاستفراد بكل فصيل على حدة. ولا اعتقد أننا بحاجة التنبيه إلى أن خطيئة التفاوض المنفرد تصبح أخطر من ذلك بكثير، عندما يكون الامر متعلقا بمسألة سيادية، كما هو واقع الحال في المفاوضات حول اي تفصيل كان، له علاقة بإبرام هدنة مع اسرائيل. اما الخطيئة الثانية، والاكثر اضرارا بالمصلحة الوطنية الفلسطينية، فهي الدخول عميقا في المصيدة التي اعدتها اسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، هي صيغة الهدنة، بل مصيدة الهدنة.
لا يضيرنا في هذا السياق، التذكير بفقرة واضحة في مذكرات «مهندس» ومؤسس دولة اسرائيل، ديفيد بن غوريون، شكلت في حينه، وما زالت تشكل حتى الآن، اساسا ومبدأ في فلسفة وجوهر وصلب السياسة الاسرائيلية.
يقول بن غوريون، أو يكتب، في دفتر مذكراته، وبأسلوبه المعروف بالاختصار الشديد بالكلمات، يوم 14 يوليو 1949: « جاء اليّ ابا ايبان. هو لا يرى ضرورة أن نسعى لاحراز اتفاقية سلام… الهدنة تكفينا. إذا سعينا لإحراز سلام فإن العرب سيطلبون منا ثمنا لذلك، ربما تعديلا في الحدود أو إعادة لاجئين، او ربما كليهما». هذه الكلمات القليلة، بل هاتان الكلمتان، «الهدنة تكفينا»، تكشفان فحوى السياسة الاسرائيلية، حيث للسلام ثمن، تحاول اسرائيل عدم الوفاء به، فتهرب من تبعاته نحو بذل كل جهد ممكن للاكتفاء بالهدنة، في حين أن ما يناضل الشعب الفلسطيني من أجل تحقيقه، وما تسعى اليه م.ت.ف.، هو عكس ذلك تماما، انها تسعى لالزام اسرائيل بالتوصل الى اتفاق سلام مع كل ما يترتب على ذلك من حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني.
ان تمكين اسرائيل من التنصل من الايفاء بما هو حق ثابت لابناء الشعب الفلسطيني، تحت أي باب، حتى إن كان متدثرا بقشور، تعلنها حركة حماس بكلمات صريحة، او توحي بها من خلال صياغات مختلفة، «بإرغام» اسرائيل على القبول بابرام هدنة، هو اكثر من خطأ.. إنه خطيئة.
ثمة فلسطينيون يتساءلون حول ما اذا كانت هناك ضرورة لتعريض ابناء قطاع غزة لثلاث حروب متتالية، من 2008 لغاية 2014، من أجل «احراز» هدنة، هي في الاساس مطلب اسرائيلي. وإذا كان الدم الفلسطيني رخيصا في نظر غلاة العنصريين في اسرائيل، فهل هو رخيص الى هذا الحد في نظر قادة حماس؟ الى درجة مقايضته بهدنة طويلة الامد مع اسرائيل، تعفيها من كل ما هي مدينة به للشعب الفلسطيني؟
اما بخصوص ما يتسرب من معلومات حول هذه المفاوضات، من أنها تطرح موضوعي الميناء والمطار، فإنني لا أعتقد ان هناك فلسطينيا واحدا نسي ان بناء ميناء بحري في غزة، كان مشروعا عمليا وضعت مخططاته وبرامج تنفيذه، وتم بدء تنفيذها. كما ان مطار غزة كان قد أنجز، وبدأ العمل فيه، منذ سنين، رابطا غزة بالعديد من مطارات المنطقة. هذه الحقيقة تجعل عرض موضوع الميناء والمطار، وكذلك رفع الحصار عن قطاع غزة، وكأنها مكاسب عظيمة، تعني استهتارا مشينا بعقول ابناء شعبنا وذاكرتهم.
وتحضرني، وأنا اناقش هذه الفهلوة، طرفة يهودية، تروي ان يهوديا ذهب الى حاخامه، يشكو همه ومعاناته من سكنه وعائلته كثيرة الاولاد، في بيت صغير جدا، فنصحه الحاخام بادخال عنزة الى بيته تلك الليلة، وعندما عاد اليهودي الى الحاخام صباحا شاكيا من أن الوضع ازداد سوءًا، نصحه بادخال عنزة ثانية الى بيته، قبل اليهودي النصيحة. وفي اليوم الثالث كانت نصيحة الحاخام إخراج احدى العنزتين، وفي الرابع اخراج العنزة الثانية، واما في اليوم الخامس فقد عاد اليهودي للحاخام لتقديم شكره له، مؤكدا أن الحياة في بيته الضيق اصبحت مريحة بعد اخراج العنزتين منه.
هل تهدف تعرية موقف حماس بهذا الخصوص، وكشف خطأ هذه السياسة، الدعوة، أو حتى مجرد الايحاء، بان من مصلحة الفلسطينيين وقف مقاومة الاحتلال الاسرائيلي؟. ابداً، العكس تماما هو الصحيح. لكن لكل مرحلة من مراحل الصراع مع اسرائيل اسلحتها وادواتها وبرنامجها، ولكل ساحة كذلك اسلحتها وادواتها وبرنامجها، وكل خروج على هذه البديهيات في العمل الوطني، تلحق الضرر بالمصلحة الوطنية العليا، وكلما كان الشطط أكثر، كان الضرر أكثر فداحة.

كاتب فلسطيني

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

فتح ميديا أوروبا
Exit mobile version