المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

عبر التاريخ كتب حافظ البرغوثي

صادفت في الثاني عشر من شهر يوليو ذكرى سقوط مدينة عكا في يد الفرنجة عام 1191 بعد أن عجز صلاح الدين عن حمايتها فعاد إليها الصليبيون بحراً ثم براً فأعادوا السيطرة عليها.. وللتذكير فإن النصوص التاريخية العربية خلت من استخدام وصف الصليبيين للحملات الصليبية وإنما سمتها “الفرنجة” نسبة إلى فرنسا لأن أول حملة صليبية انطلقت من فرنسا.. واتخذ الفرنجة الصليب شعاراً لهم.

تذكر ذكرى سقوط عكا ثانية وتوقيع صلح الرملة الذي حفظ للفرنجة وجودهم في ثغور بلاد الشام يشير ضمن أمور أخرى إلى أن صلاح الدين كان آنذاك كمن سئم الحرب وانكفأ موزعاً تركته في الحكم إلى أبنائه الذين فرطوا لاحقاً بالقدس نفسها واستعادها الفرنجة لكن نسل ايوبي آخر وهو الملك الصالح أيوب من نسل الملك العادل أخ صلاح الدين استعاد المدينة في حملته ضد تحالف ضم أبناء صلاح الدين في دمشق وهزمهم في غزة وطردهم من دمشق وحرر مدناً من الفرنجة في فلسطين لكن الوجود الصليبي على الساحل اللبناني والفلسطيني ظل مع ذلك إلى أن جاء السلطان قلاوون وخرج لقتالهم وطردهم وظلت عكا.. لكنه توفي قبل تحريرها وتولى ابنه الملك الأشرف خليل الحكم وأبرز انجازاته هو إعادة تحرير عكا بعد مئة عام من سقوطها ثانية في يد الفرنجة ويحسب له ولوالده أنهم من كنس الوجود الاستعماري الأوروبي في المشرق العربي.

لماذا نتذكر هذه الواقعة الآن؟ الأول لأن الانتصار على الغزوات الخارجية كالمغول والتتر والفرنجة ثم بعد توحيد القوة العربية وجيش الشام مع جيش مصر بقيادة مصرية حدث ذلك في معركة حطين حيث توحدت بلاد الشام مع مصر بقيادة صلاح الدين في المعركة.. وفي معركة عين جالوت تم صد الهجوم المغولي والحاق الهزيمة به بفضل الجيش المصري الذي قاده بيبرس وقطز وإن كان السلطان الصالح أيوب تمكن من الاجهاز على خيانة أمراء الشام من أبناء أخيه صلاح الدين الذين تحالفوا مع الفرنجة ضده إلا أن خيانة حاكم دمشق باهر بيك في معركة مرج دابق بين الجيش المصري بقيادة قانصوه الغوري والتركي بقيادة سليم الأول الذي نجح في استمالة بعض أمراء الشام بالوعود والمال فانحازوا عليه بعد أن زلزلت شجاعة الجيش المصري صفوفهم، ومنذ ذلك اليوم وقع العالم العربي في براثن الدولة العثمانية لأربعة قرون من الظلام والظلم والاضطهاد.

العناصر التي لعبت دوراً مهماً في هزيمة المماليك أمام الترك ليست داخلية فقط كخيانة أمراء الشام بل وخارجية حيث بدأت هجمات البرتغاليين على الجزيرة العربية وظنوا أنهم بقادرين على الوصول إلى المدينة المنورة لسرقة ضريح الرسول صلى الله عليه وسلم ومبادلته بالقدس، وكذلك بدء هجمات الاسبان على شمال افريقيا، اضافة إلى تنامي نمو الدولة الصفوية في ايران والعراق، هذه العناصر الخارجية لعبت دوراً في اسقاط هزيمة الممالك وهزيمة العالم العربي كله آنذاك. فالتاريخ لمن يريد أن يتعظ مدرسة.. إذا يشي لنا بأن كل من يتحالف مع أجنبي مآله إلى زوال.. حيث راسل الفاطميون الصليبيين في بداية حملاتهم للتوحد ضد نور الدين زنكي.. وراسل الصليبيون هولاكو للتوحد ضد المسلمين.. ثم راسل البابا زعيم جماعة الحشاشين الحسن الصباح لمقاومة نور الدين زنكي واغتياله ثم صلاح الدين، وكل هذه المنظومة من المؤامرات والحركات والدول والأنظمة لها ما يشبهها حالياً من جماعات ارهابية حشاشية.. ودولة مذهبية تنطلق من ايران عبر العراق وصولاً إلى سوريا ولبنان ودولة تركية يثير لعابها لتقسيم سوريا.. ودول عربية لا حول لها ولا قوة.. شعارها “هلك سعد أنج سعيد”.. وما من صمود إلا في أرض الكنانة التي تواجه عبثية الأعداء بشجاعة تستحق الاعجاب.

Exit mobile version