الرئيسيةأخباراقتصاديةتقدير موقف: تأثير فيروس كورونا (كوفيد – 19) على الاقتصاد الفلسطيني

تقدير موقف: تأثير فيروس كورونا (كوفيد – 19) على الاقتصاد الفلسطيني

تأثير فيروس كورونا (كوفيد – 19) على الاقتصاد الفلسطيني [1]

لا شك أن فيروس كرونا يعتبر من أخطر الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، حيث إن جميع الأزمات المالية السابقة واجهتها الحكومات من خلال السياسات الاقتصادية، أما أزمة كورونا فهي تهدد المورد البشري بصورة واضحة ومباشرة، ومن ثم فإن تداعياتها تعد الأخطر على الاقتصاد العالمي وتتطلب سياسات مختلفة لمواجهتها.
ومن المؤكد أن الاقتصاد الفلسطيني لن يكون بعيداً عن الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي، بعد اكتشاف عدد من الحالات والتأكد من إصابتها بهذا الفيروس في الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي أدى إلى إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوماً في جميع المحافظات الفلسطينية واتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية والصارمة لمواجهة تفشي وانتشار الفيروس ومحاصرته في أضيق مكان.
لقد أكد رئيس الوزراء د. محمد اشتية يوم التاسع والعشرين من آذار (مارس) الفائت على صعوبة الوضع الاقتصادي الذي فرضته الأزمة، إذ أشار إلى أن الحكومة ستعمل وفق موازنة طوارئ تعطي الأولوية لدعم القطاع الصحي والرواتب وبرامج الإغاثة الطارئة، وأشار رئيس الوزراء إلى أن الإيرادات الفلسطينية تقلصت بمقدار النصف على الأقل في ظل وضع اقتصادي محلي واقليمي ودولي يلوح بانكماش قادم، وألمح رئيس الوزراء إلى أن الحكومة قد لا تكون قادرة على دفع رواتب كاملة لموظفيها.
في ضوء ذلك تقرأ الورقة تأثير فيروس كرونا على الاقتصاد الفلسطيني السلبية والايجابية في ظل إعلان حالة الطوارئ التي تعيشها الأراضي الفلسطينية والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية وفي ظل الإمكانيات المتوفرة لمواجهة انتشار الفيروس، وتطرح ثلاث سيناريوهات محتملة لمستقبل الاقتصاد الفلسطيني ترتبط بتطور الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية وآلية التعامل مع الفيروس.

تأثير فيروس كرونا (كوفيد -19) على الاقتصاد الفلسطيني
من الواضح أن مخاطر فيروس كرونا (كوفيد – 19) المستجد سيكون أكثر حدة وفتكاً بالاقتصاد الفلسطيني، نتيجة الأعباء الاقتصادية الإضافية التي سوف يتحملها الاقتصاد الفلسطيني خلال الفترة المقبلة إضافة إلى الأعباء التي كان يتحملها سابقاً وبخاصة في ظل الإمكانيات المتواضعة بسبب إحكام قبضة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية وسيطرته على المقدرات والموارد الطبيعية والحدود والتحكم في حرية الحركة للأفراد والبضائع والتي تسببت في خنق الاقتصاد الفلسطيني وبالإضافة إلى انخفاض الدعم المقدم من المانحين وتدهور الحالة الأمنية وانعدام الثقة بسبب الأفاق السياسية القاتمة في السنوات الأخيرة والتي أدت بدورها أيضاً إلى تأزم الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية وارتفاع مستوى البطالة واستشراء الفقر.

1. زيادة النفقات العامة
ستؤدي الإجراءات التدابير الوقائية الاحترازية التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية لمكافحة فيروس كورونا (كوفيد – 19) إلى زيادة النفقات العامة نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي لقطاع الرعاية الصحية وبخاصة لإقامة أماكن للحجر الصحي الجماعي للحالات المشتبه بإصابتها بهذا الفيروس وتوفير المواد التموينية اللازمة لهم، حيث تصل فترة الحجز الصحي إلى أسبوعين، وكذلك زيادة الإنفاق على معدات الوقاية الشخصية وإجراء الفحوص واختبارات التشخيص إضافة إلى مزيد من الأسره في المستشفيات والمراكز الصحية، وتجهيز مستشفيات ميدانية جديدة.
وبالإضافة إلى زيادة الإنفاق لقطاع الأمن نتيجة اعلان حالة الطوارئ ونشر قوات الأمن في المحافظات لمتابعة تنفيذ الإجراءات والتدابير الاحترازية داخل المحافظات ومتابعة الأسواق للتأكد من توفر السلع والمواد التموينية اللازمة وعدم وجود احتكار من قبل بعض التجار.
وكذلك توفير الإيرادات اللازمة أعلنت الحكومة عن تقليص الانفاق الحكومي الجاري إلى حده الأدنى وتأجيل دفعات كانت مقرة للقطاع الخاص.

2. انخفاض الإيرادات العامة
نتيجة لإعلان حالة الطوارئ في المحافظات الفلسطينية وإغلاق المعابر والحدود الفلسطينية مع العالم الخارجي سوف تتأثر الخزينة العامة جراء تعطيل التجارة الخارجية وبالتالي سوف تنخفض إيرادات المقاصة وهي إيرادات الضرائب التي تقوم “إسرائيل” بجبايتها نيابة عن السلطة الوطنية الفلسطينية بحسب ما جاء في بروتوكول باريس الاقتصادي الذي يحكم العلاقات الاقتصادية بين “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية1، وبالتالي سوف تتأثر الحكومة الفلسطينية من فقدان هذه الإيرادات والتي تعتبر صمام الأمان للحكومة الفلسطينية والعمود الفقري لموازنتها العامة، لأنها تؤمن أكثر من 65% من مجموع إيرادات الحكومة الفلسطينية، وتغطي أكثر من نصف نفقاتها. [2]
وفي هذا السياق أشار رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد اشتية إلى أن تكلفة فيروس كورونا (كوفيد – 19) على الخزينة الفلسطينية قد تصل من 300 – 400 مليون شيكل، وسط تباطؤ وتيرة الاقتصاد العالمي الذي سوف يعكس نفسه على إيرادات الخزينة الفلسطينية. [3]
جدير بالذكر أن المعدل العام للإيرادات العامة الحكومية، نحو مليار ومئتي مليون شيكل شهرياَ، تنقص أو تزيد بحسب مواعيد توريد دفعات القطاع الخاص من الضرائب، وأيضا حسب حجم الاستيراد من الخارج بين شهر وآخر، بواقع حوالي 500 – 600 مليون شيكل جباية محلية، و600-700 مليون شيكل إيرادات المقاصة، وجميعها بالكاد تكفي لسد النفقات الضرورية قبل الأزمة الناتجة عن فيروس “كورونا. [4]

3. ارتفاع الدين الحكومي
نتيجة لتكلفة فيروس كورونا (كوفيد – 19) المتوقعة على الخزينة العامة الفلسطينية والتي تعاني أصلاً من الارتفاع الملحوظ والكبير في عجز الموازنة العامة، سوف تلجأ الحكومة الفلسطينية إلى الاقتراض الخارجي والمحلي لتغطية نفقاتها التي سوف ترتفع كما أشرنا سابقاً.
وعليه فإن زيادة الدين الحكومي يؤدي إلى زيادة حجم المتأخرات المتراكمة على الحكومة، وبالتالي فإن زيادة حجم الدين الحكومي بشقيه الخارجي والمحلي وزيادة حجم المتأخرات المتراكمة على الحكومة، يؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على الحكومة ويفاقم من حدة الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة وتداعياتها. [5]

4. الخسارة الاقتصادية الناجمة عن منع العمال الفلسطينيين من العمل في إسرائيل والمستوطنات.
يتوقع أن تُسفر الإجراءات والتدابير الاحترازية الخاصة بمنع العاملين الفلسطينيين من العمل في إسرائيل والمستوطنات عن تعطل حركة العاملين في إسرائيل والمستوطنات وفقدانهم لدخلهم حيث يبلغ عدد العاملين الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات نحو 135 ألف عامل (111.5 ألف عامل في إسرائيل، و23.5 ألف عامل في المستوطنات، ويبلغ معدل الأجرة اليومية لهؤلاء العاملين نحو 250 شيكل. [6]
وعليه من المتوقع خسارة الاقتصاد الفلسطيني نحو 33.7 مليون شيكل يومياً كانت تضخ في الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي سوف يرتفع معدل البطالة عن مستواه الحالي في الضفة الغربية واتساع دائرة الفقر، وزيادة الضغط المالي على الحكومة الفلسطينية وإحراجها مع العمال خاصة وأنه يقع على عاتقها توفير مصدر دخل يؤمن لهم على الأقل المستلزمات الأساسية للحياة.

5. وقف حركة الاستيراد والتصدير
ستطال تأثيرات الفيروس كرونا (كوفيد – 19) نتيجة إعلان حالة الطوارئ والإجراءات الاحترازية المتمثلة بإغلاق المعابر الفلسطينية والحدود واقتصارها فقط على السماح بمرور بعض السلع الضرورية والأدوية بالتنسيق مع مصر والأردن القطاع التجاري، بالتالي وقف حركة الاستيراد والتصدير نهائياً في تلك الفترة الأمر الذي سيتمخض عن ذلك شلل غالبية الصناعات الفلسطينية نتيجة وقف حركة الاستيراد وتراجع كبير في حركة التصدير مما يكبد الاقتصاد الفلسطيني خسارة كبيرة.

6. اضطراب المناخ الاستثماري
يحتاج الاستثمار إلى بيئة مستقرة نوعاً ما، وبالتالي فإن إعلان حالة الطوارئ والإجراءات الاحترازية يعزز من حالة الخوف والذعر لدى المستهلك والمستثمر على حد السواء، وستفضي إلى انخفاض أسعار الأصول وضعف الطلب الكلي وتزايد أزمة الديون وخسارة عدد كبير من المستثمرين [7]،مما يتسبب في انخفاض القدرة على التنبؤ بالمستقبل، واحباط مشاريع الاستثمار في المستقبل، وبالتالي سوف ينعكس ذلك بالسلب على الإنتاج والتشغيل المستقبل، وكذلك خسارة كبيرة للاقتصاد الفلسطيني نتيجة خسارته المتمثلة في عدم قدرته على استقطاب مستثمرين جدد.

7. انخفاض قيمة الأصول (الاستثمارات) الخارجية:
ينضوي تحت تسمية الأصول الخارجية استثمارات المؤسسات والأفراد المقيمين في الاقتصاد الفلسطيني والموظفة في الخارج من استثمار أجنبي مباشر، واستثمارات الحافظة، واستثمارات أخرى تشمل العملة والودائع، وقد بلغت حتى الربع الثالث من العام 2019 نحو 7.4 مليار شيكل، ويشكل الاستثمار الأجنبي المباشر واستثمارات الحافظة نحو 23% منها، والتي تأتي بشكل شبه كامل من القطاع الخاص. [8]
ويتوقع أن تشهد قيمة هذه الأصول انخفاضات متفاوتة نتيجة لتوجه المقيمين لتسييل بعض استثماراتهم في الخارج بسبب حالة الخوف وتصاعد أجواء عدم اليقين بالمستقبل أو نتيجة لتقلبات الأسواق العالمية والإقليمية.
كما تتضمن هذه الأصول أيضاً التوظيفات الخارجية للقطاع المصرفي الفلسطيني، وتشير البيانات إلى أن أصول المصارف الموظفة في الخارج تشكل نحو 18.9% من إجمالي أصول الجهاز المصرفي، أو ما نسبته 23% من إجمالي الودائع (السقف الأعلى المحدد في تعليمات سلطة النقد هو 55%). [9]
وفي ظل انخفاض أسعار الفائدة عالمياً، من المتوقع أن تشهد التوظيفات الخارجية للقطاع المصرفي الفلسطيني تراجعاً ملحوظاً، نتيجة انخفاض ربحية الأصول وزيادة مخاطرها الائتمانية المحتملة.

8. تضرر العديد من القطاعات الاقتصادية
لقد طال الأثر الاقتصادي العديد من المناحي في الحياة الفلسطينية فالقطاع السياحي توقف بشكل كامل بحيث تم الغاء كامل الحجوزات للسياح الأجانب في الفنادق وإغلاق كامل المناطق السياحية والدينية أمام الزيارات إضافة الى اغلاق المطاعم وصالات الافراح حيث تشكل هذه القطاعات نسبة كبيرة من الاقتصاد الفلسطيني.
كما أصاب الضرر قطاعات حيوية أخرى مثل المقاولات والبناء والمدارس والجامعات وحركة النقل مما أدى الى توقف دخل العاملين في هذه القطاعات بجانب الغاء الأسواق الأسبوعية مما أدى أيضاً إلى توقف دخل البائعين في هذه الأسواق [10]، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات البطالة في الأراضي الفلسطينية المرتفعة أصلاً قبل ظهور الفيروس كورونا (كوفيد – 19) واتساع دائرة الفقر، وهذا يعتبر لاقتصاد متواضع نوع من الكارثة التي تستوجب التوقف عندها والتعامل معها بمسؤولية وروح التعاون من قبل القطاعين العام والخاص.

9. تقلبات أسعار الصرف
شهدت أسعار صرف العملات الرئيسية تقلبات ملموسة منذ تفاقم أزمة فيروس كورونا، حيث بدأ سعر صرف الدولار الأمريكي (وبالتبعية الدينار الأردني) الارتفاع مقابل الشيكل بشكل كبير مع نهاية الأسبوع الأول من شهر آذار وحتى 17 آذار 2020 بنحو 12.5% ليصل إلى 3.86 شيكل / دولار.
وقد نتج عن هذا الارتفاع الناجم أساساً عن حالة الخوف والترقب والهلع بسبب تداعيات فيروس كورونا مما زاد الطلب على الدولار بشكل كبير، الأمر الذي دفع بالبنك المركزي الإسرائيلي للتدخل من خلال زيادة العرض من الدولار عبر ضخ 15 مليار دولار للبنوك من أجل دعم مركز الشيكل في سوق العملات، مما أدى إلى انحسار الضغوط وانخفاض سعر الصرف بأكثر من 1% خلال يوم 8 آذار 2020 ليصل إلى 3.82 شيكل / دولار.
وتؤثر التقلبات في سعر الصرف على أكثر من جانب في الاقتصاد الفلسطيني والنظام المالي، فمن جهة تؤثر التقلبات على مالية الحكومة جراء حصولها على منح ومساعدات بعملة الدولار والتي تشكل 17% من إيراداتها، أو ما يعادل 600 مليون دولار في المتوسط سنوياً [11]، في حين أن معظم إنفاقها بعملة الشيكل، ويظهر الأثر المباشر لذلك في عجز الموازنة والدين العام والمتأخرات المتراكمة.
كما تؤثر هذه التقلبات على أصول القطاع المصرفي، والتي تحاول المصارف باستمرار مواءمة أصولها وخصومها بالعملات المختلفة والتحوط لمثل هذه المخاطر، خاصة وأن الدولار يستحوذ على حوالي 36.6% من أصول المصارف في نهاية العام 2019، بينما شكلت الأصول بعملة الدينار نحو 22.9%، وبعملة الشيكل حوالي 37.7%، وقية العملات الأخرى بنحو 2.8%. [12]
وبالإضافة إلى ذلك تأثير تقلبات سعر الصرف على أسعار السلع المستوردة من بقية أنحاء العالم (باستثناء إسرائيل) وهو ما نسبته 42% من الواردات وبالأخص أسعار الوقود والغذاء والمواد الخام المسعرة بالدولار.

10. تأثيرات إيجابية
على الرغم من التأثير السلبي لفيروس كرونا (كوفيد – 19) والذي أصاب الضرر معظم القطاعات الاقتصادية، إلا أن هناك قطاعات اقتصادية استفادت من وجود الفيروس وتداعياته الاقتصادية السلبية من خلال استغلال الأزمة بشكل أمثل وتحقيق انتعاش في مجال عملها وتحقيق أرباح وفي ذات الوقت الوقوف أمام مسؤوليتها المجتمعية في توفير المنتجات للسوق الفلسطينية في الوقت الحالي وبخاصة في ظل إغلاق المعابر والحدود وتوقف حركة الاستيراد والتصدير.
وفي هذا الصدد نجحت المصانع الفلسطينية في تحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال، حيث نجح مصنع الزعتر في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية في تصنيع كمامات طبية وتوفيرها للسوق المحلية بعد الحصول على موافقة الجهات الفلسطينية المختصة [13]، وكذلك نجح مصنع سوبيتكس في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية في تصنيع لباس خاص يغطي الجسم بالكامل “أفرولات” وهو لباس مخصص للطواقم الطبية والأجهزة الطبية ورجال الاعلام. [14]
كما أن حالة الخوف من انتشار العدوى من فيروس كرونا (كوفيد – 19) وتصاعد أجواء عدم اليقين، غيرت من ميول وأذواق المستهلكين في الأراضي الفلسطينية وبالتالي أصبح هناك إقبال كبير على السلع الاستهلاكية وبخاصة التموينية وكذلك المنظفات بكل أنواعها، وبالتالي هناك شريحة كبيرة من قطاع التجزئة والجملة استفادت من الظروف الحالية في الأراضي الفلسطينية نتيجة زيادة مبيعاتهم وأرباحهم خلال هذه الفترة.
من خلال قراءة التأثيرات المحتملة لفيروس كرونا على الاقتصاد الفلسطيني، نلاحظ أن التأثيرات الاقتصادية السلبية المحتملة كانت أكبر وأعمق من التأثيرات الإيجابية وتهدد قدرة الاقتصاد الفلسطيني على الصمود في حال استمرت أزمة كرونا فترة طويلة.
وعلى الرغم من أن معظم التأثيرات الاقتصادية السلبية كانت بسبب الإجراءات والتدابير الاحترازية إلا أن مكافحة الفيروس ومحاصرته ومنع انتشاره هو أهم بكثير من التأثيرات الاقتصادية المحتملة، فالحفاظ على الإنسان كونه رأس المال الاجتماعي هو الأساس، وهذا ما يحسب للقيادة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية والجهات الرسمية في إدارتها للأزمة وسط رضا عام من الجمهور الفلسطيني والمؤسسات الدولية ذات الصلة.

  • السيناريوهات المحتملة

إن حالة الطوارئ والإجراءات الحكومية الاحترازية والصارمة قد تحمل الحكومة والاقتصاد الفلسطيني أعباء إضافية وخسائر اقتصادية فادحة إضافة إلى الأعباء الإضافية التي كان يتحملها الاقتصاد بسبب الاحتلال والإمكانيات المتواضعة، لكنها تبقى حاجة ضرورية وملحة لمواجهة انتشار الفيروس كورونا (كوفيد -19) ومحاصرته للحفاظ على الإنسان الفلسطيني وهو العنصر الأهم، وهذا يحسب للرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن والحكومة الفلسطينية برئاسة الدكتور / محمد اشتية لإدراكهم بخطورة انتشار الفيروس في الأراضي الفلسطينية واتخاذ إجراءات احترازية وصارمة لمواجهته ومحاصرته لتفادي تأثيراته.
إن حجم وعمق تأثير فيروس كورونا (كوفيد – 19) على الاقتصاد الفلسطيني يعتمد على تطور الوضع الصحي ومدى انتشار الفيروس في الفترة المقبلة وآلية التعامل معه في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، وبذلك تفترض الورقة ثلاث سيناريوهات محتملة وهي:

السيناريو الأول: بقاء الوضع الصحي تحت السيطرة (بوادر الأزمة)
يفترض هذا السيناريو استمرار الوضع الصحي الحالي تحت السيطرة بدون اتساع رقعة انتشار الفيروس كورونا (كوفيد – 19) إلى مناطق أخرى وبالتالي فإن الأضرار الاقتصادية محدودة ويستطيع الاقتصاد الفلسطيني امتصاص الصدمة وتحملها.
ويعتمد هذا السيناريو على أن الاقتصاد الفلسطيني نما وتشكل في ظل العديد من التحديات الداخلية والخارجية وتعرض للعديد من الصدمات بالتالي فهو قادر على الصمود وتحمل الآثار والأضرار الاقتصادية التي ترتبت بفعل انتشار الفيروس في الأراضي الفلسطينية.

السيناريو الثاني: خروج الوضع الصحي عن السيطرة (الدخول في الأزمة)
يفترض هذا السيناريو انتشار واسع للفيروس كرونا (كوفيد – 19) في المناطق الفلسطينية وإسرائيل، وبالتالي فإن الأضرار الاقتصادية ستكون كبيرة وفي مختلف القطاعات والاتجاهات.
وفي ضوء هذا السيناريو لن يستطيع الاقتصاد الفلسطيني الذي يتميز بصغر الحجم ويعاني من العديد من التشوهات والاختلالات تحمل الأضرار الاقتصادية والآثار المتوقعة لانتشار العدوى وخروج الوضع الصحي عن السيطرة، وبالتالي سيكون الاقتصاد الفلسطيني في أزمة حقيقية وبحاجة إلى مساعدات دولية (مالية وعينية).

السيناريو الثالث: السيطرة الكاملة على الفايروس (انتهاء الأزمة)
ويفترض هذا السيناريو سيطرة الطواقم الطبية على الفيروس كرونا (كوفيد – 19) وقدرتهم على منع انتشار الفيروس في الأراضي الفلسطينية وبالتالي انتهاء الأزمة، وتعافي الاقتصاد الفلسطيني من الأضرار الاقتصادية التي ترتبت بفعل انتشار الفيروس في الأراضي الفلسطينية
قد يكون هذا السيناريو صعب تحقيقه في المدى القريب نتيجة قلة الإمكانيات الصحية والطبية وعدم توفر العديد من الأدوات والأجهزة في الوقت الحالي، وبالتالي تحقيق هذا السيناريو يحتاج وقتاً للسيطرة الكاملة على الفيروس، ويحتاج وقتاً أطول لعودة الاقتصاد الفلسطيني لما كان عليه قبل انتشار الفيروس وتعافيه من الأضرار الاقتصادية التي أصابته بسبب انتشار الفيروس.

خاتمة
على الرغم من إعلان حالة الطوارئ مبكراً في جميع المحافظات وقيام الحكومة الفلسطينية باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي وانتشار الفيروس في مناطق أخرى من المتوقع تحقيق السيناريو الثاني وهو خروج الوضع الصحي عن السيطرة نظرا لاتساع دائرة الانتشار وعدم التزام عدد كبير من المواطنين بتعليمات الحكومة والطواقم الطبية والأجهزة الأمنية، لذا المطلوب من جميع المواطنين اتباع إرشادات الوقاية والسلامة التي تصدرها وزارة الصحة والالتزام الكامل بتعليمات الحكومة الفلسطينية والطواقم الطبية والأجهزة الطبية.

الهوامش

  1. نعمان كنفاني وسلام صلاح، تجميد أموال المقاصة: أزمة متكررة وآثار طويلة الأمد، المراقب الاقتصادي والاجتماعي التقرير السنوي 2014، (رام الله: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني – ماس وآخرون، 2015)، ص30.
  2. صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2018، الفصل الثالث عشر: الاقتصاد الفلسطيني، (أبو ظبي: 2019)، ص253.
  3. الاقتصادي، أزمة كورونا في فلسطين قد تستمر 6 شهور، رام الله، شوهد بتاريخ 23 آذار 2020، في: https://bit.ly/2QAZXvF.
  4. وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية – وفا، خبراء: أزمة مالية غير مسبوقة في الأفق ومطلوب تفعيل الأوراق المتاحة لتخفيف تداعياتها، (رام الله: وكالة وفا، 30 آذار 2020)، شوهد بتاريخ 30 آذار 2020، في: https://bit.ly/39o0I1O.
  5. لمزيد من التفاصيل حول تداعيات ارتفاع الدين الحكومي على الموازنة العامة الفلسطينية، انظر: مازن العجلة وسمير أبو مدلله، تطور الدين العام في الأراضي الفلسطينية (2000 – 2011)، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الاقتصادية والإدارية، المجلد الحادي والعشرون، العدد الأول، (غزة: الجامعة الإسلامية، 2013).
  6. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تقرير صحفي لنتائج مسح القوى العاملة الربع الرابع 2019، (رام الله: 2020)، ص6.
  7. انظر: أخبار الأمم المتحدة، الأونكتاد: أزمة بقيمة تريليون دولار قد يتسبب بها فيروس كورونا، فهل يمكن تجنبها؟، نيويورك، شوهد بتاريخ 22 آذار 2020، في: https://bit.ly/399nV7F.
  8. سلطة النقد الفلسطينية، ورقة موقف: الآثار الاقتصادية المتوقعة لأزمة فايروس كورونا على الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2020، (رام الله: دائرة الأبحاث والسياسات النقدية، آذار 2020)، ص5.
  9. نفس المرجع السابق، ص6.
  10. القدس، مختصون يتحدثون لـ«القدس» حول تأثير «كورونا» على الأوضاع الاقتصادية، شوهد بتاريخ 22 آذار 2020، في: https://bit.ly/2QD5qSC.
  11. نسبة المنح والمساعدات من إجمالي الإيرادات والمنح، متوسط الفترة 2017 – 2019، بيانات وزارة المالية، (رام الله: 2020).
  12. سلطة النقد الفلسطينية، ورقة موقف، ص7.
  13. الأناضول، مصنع فلسطيني يبدأ في إنتاج كمامات طبية لمواجهة كورونا، شوهد بتاريخ 22 آذار 2020، في: https://bit.ly/2xejbAs.
  14. الأناضول، مصنع فلسطيني يبدأ في إنتاج لباس خاص لواجهة كرونا، شوهد بتاريخ 22 آذار 2020، في: https://bit.ly/39dqkhE.

[1] د. رائد حلس – باحث ومختص في الشأن الاقتصادي / مركز الأبحاث

لتحميل الملف اضغط هنا

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا