الرئيسيةمتفرقاتالموقففي الذكرى الثلاثين لكارثة احتلال الكويت

في الذكرى الثلاثين لكارثة احتلال الكويت

الرسالةُ الأسبوعية (٥)

في الذكرى الثلاثين لكارثة احتلال الكويت

بقلم: د.خليل نزال*

لا حاجة إلى القول أن فلسطين هي الضحية الثالثة بعد العراق والكويت -أو معهما- لكارثة الاحتلال العراقيّ لدولة الكويت في الثاني من آب/أغسطس ١٩٩٠، فهذا اليوم يصلح ليكون حدّاً فاصلاً نؤرّخُ بعده لمرحلة الإنهيار التي عصفت بالأمة ولم تنتهِ فصولها بعدُ. وعلى الرغم مما سبقه من محطّات خطيرةٍ ساهمت في زعزعة الأمن القومي وتسبّبت للقضية الفلسطينية بمزيدٍ من الخسائر والجراح، كاتفاقيّات كامب دايفيد واجتياح لبنان وحصار بيروت والحرب العراقية الإيرانية، على الرغم من كل ذلك يبقى يوم احتلال الكويت بداية الكارثة التي ما زالت تتدحرج وتكبر ككرة الثلج وتدمّر كل ما يعترض طريقها من دولٍ وشعوبٍ ومسلّماتٍ قومية كانت قبل هذا الحدث الدامي من المحرّمات التي لا يجرؤ أحدٌ على تجاوزها.
كانت فلسطين وما زالت هي الخاسر الأكبر نتيجة لعملية الانتحار الجماعي التي مارستها الأمة منذ أزمة الكويت وأدمنت عليها حتى أصبحت سمةً مميِّزةً لهذه السنوات الثلاثين العجاف التي تدفعُ خلالها فلسطين يومياً ثمن هذا الانتحار. فليست الكويت ولم تكن يوماً مجرد بلدٍ عربي من بلدان اللجوء والهجرة وعذابات المنافي. الكويت كان بلداً يختلف عن كل ما عداه، فهو حاضنة الثورة الوطنية المعاصرة التي شكّلت حركة فتح عنوانها الرئيسي، وهي دولة كانت تستضيف ما يقرب من مليون فلسطينيّ يساهمون في نهضة هذا القُطر العربيّ الشقيقِ ويمدّون أسَرَهم وأهلهم في الوطن والمنافي الأخرى بما يلزمُ من أسباب الصمود والحفاظ على الكرامة من ذلِّ الحاجة والعوَز. ولو كانت النتيجة الوحيدة لاحتلال الكويت هي تلك “الهجرة” القسريّةُ الجديدة لمئات الآلاف من الفلسطينيين من الكويت إلى المجهول، لكان ذلك كافياً لتكون فلسطين في مقدّمة المتضرّرين من احتلال الكويت. لكننا نعرف أن هذه لم تكن سوى إحدى النتائج لا أكثر.
النتيجة-الكارثة لفاجعة احتلال الكويت هو الثمن الذي دفعه وما زال يدفعه العراق الشقيق، ولا حاجة بنا إلى التأكيد على دور العراق المحوري في حماية الخاصرة الشرقية للوطن العربي وفي تصليب الموقف العربي الداعم للنضال الوطني الفلسطيني، وعلينا أن ندرك أن الدّعم العراقيّ لمنظمة التحرير الفلسطينية وقائدها الشهيد أبو عمار وقيادة حركة فتح كان من أهمّ مرتكزات الصمود الفلسطيني في ثمانينيات القرن الماضي بكل ما حملته هذه الحقبةُ من تحدياتٍ رافقت انتقال الثورة بقيادتها ومقاتليها إلى المنافي البعيدة وما شكّله ذلك من إغراءٍ لبعض الأنظمة للسيطرة على القرار الوطني الفلسطيني، وهو ما تجلّى بالإنشقاق الأسود عام ١٩٨٣.
لقد كانت النتيجة المباشرة لكارثة احتلال الكويت هو وقوع العراق تحت الاحتلال الأمريكي بكل ما مثّله هذا الاحتلال من قاعدة انطلاق لتدمير الدول العربية الواحدة تلو الأخرى تنفيذاً لسياسة “الفوضى الخلّاقة” التي نرى نتائجها الآن عبر ما تتعرّض له دولّ عربيةٌ عديدةٌ من حروب داخلية وتدخّلٍ وعبثٍ خارجيّ واقتسامٍ للنفوذِ بين دول الجوار وما تمارسه من تخريبٍ منظّم للوطن العربي، وفي مقدمة دول الجوار تلك تتبوأ إيران وتركيا وأثيوبيا مكانةً طليعية في تهديد أمن الأمة والسيطرة على العواصم العربية واحدةً تلو الأخرى وتهديد أمنها الاقتصادي والمائي.
على الرغم من كل ما ذكرناه فإنّ تناقضنا الرئيسي يبقى منصبّاً على الاحتلال الاستعماريّ الاستيطانيّ الاسرائيليّ وعلى السياسة الأمريكية الدّاعمة لهذا الاحتلال. وإذا كنّا في هذا اليوم نستذكرُ ما تسبّب به احتلال الكويت من مآسي وويلاتٍ للأمة بأسرها فإنما نفعلُ ذلك لكي نستنهض الأمة ونحثّها على الانتباه إلى أن الهدف الرئيسيّ للسياسة الأمريكية يبقى على الدوام محصوراً بتوفير أسباب ومقومات استمرار الإحتلال الاسرائيلي لوطننا فلسطين واقتسام النفوذ بين أمريكا ودول الجوار وإطلاق أيديها للتدخل في شؤون العرب بشكل يتناغم مع هدف تثبيت الاحتلال الاستعماريّ الإسرائيليّ وإطلاق يد “إسرائيل” للتنكيل بالشعب الفلسطيني وفرض السيطرة المطلقة على مقدّرات الأمة.

يعشقُ الفلسطينيُّ الكويتَ ويعشقُ العراقَ، وهذا العِشقُ هو الذي يجعلنا نصرخُ من وجعِ كارثةِ احتلالِ الكويتِ وما نتجَ عنها من كوارثَ ما زالت كالنّارِ -تأكلُ لحمَنا وتصرخُ: هلُ من مزيد؟

*أمين سر إقليم بولندا

وارسو/بولندا
٢-٨-٢٠٢٠

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا