الرئيسيةمختاراتمقالاتالإستنتاجات الواهية

الإستنتاجات الواهية

بقلم: عمر حلمي الغول

قراءات العديد من المفكرين السياسيين والإعلاميين الصهاينة للتطورات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وتداعيات التطبيع العربي الرسمي على مستقبل الشعب والقضية والقيادة الفلسطينية تعكس إسقاطاتهم الذاتوية، ورغباتهم المتماهية مع المشروع الصهيوني. رغم ان بعضهم يحاول ان يتلفع بثوب “الموضوعية”، ويشي بإدعاءات إستنطاقية للواقع من خلال البناء على قشور الواقع، او الإتكاء على تمظهر بعض الظواهر الآنية والمؤقتة، وإنعكاسها على صيرورة العملية السياسية.

من بين هؤلاء الكاتب الصهيوني آفي يسسخروف، الذي نشر قبل ايام في صحيفة “معاريف” الإسرائيلية مقالا إستنتج فيه الآتي: أن “السلطة الفلسطينية وصلت إلى الدرك الأسفل أكثر من اي وقت مضى.” ويُّعيد ذلك لعدم وجود “ما تقدمه للشعب الفلسطيني”، ويعمق فكرته الإسقاطية بعدم “وجود مفاوضات مع إسرائيل”. وكأن المفاوضات كانت موجودة منذ آذار / مارس 2014، ويتابع تعزيز إستنتاجه بالإعتماد على ما تشكله عملية الإستيطان الإستعماري من اخطار على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، فيقول ان “المستوطنات آخذة في إلتهام الضفة،” ليس هذا فحسب، بل ان “الوضع الإقتصادي صعب”، بالإضافة لتفشي “الكورونا (التي) تضرب الضفة” وتجاهل قطاع غزة، على إعتبار أنه حسب معاييره الصهيونية “إمارة مستقلة”، وطبعا حدث ولا حرج عن عزل القدس العاصمة الأبدية عن الموضوع برمته. ويضيف إلى العوامل السابقة، وهو عامل “الإنقسام مع حماس” الذي بقي على حاله. ويعمق كل ما تقدم بالقول ” والأكثر من هذا كله، فقدت السلطة، بعد إتفاقات التطبيع الأخيرة (مع الإمارات والبحرين) عصاتها، التي كانت تهدد بها إسرائيل، وهي العلاقات مع الدول العربية.”

من يقرأ مجمل العوامل التي إستند إليها يسسخروف لمحاكاة الواقع الفلسطيني ونظام السلطة الوطنية السياسي، يلاحظ انها عوامل قديمة، وليست جديدة في الصراع الدائر بين االشعب وقيادته الشرعية والدولة الإستعمارية الإسرائيلية، وهو متابع جيد للتطورات الجارية، وكتب عنها مرات كثيرة، ولكن الجديد هو زجها عن سابق إصرار وتصميم لتعزيز إستخلاصاته الإسقاطية، ولتضخيم حجم عوامل الكبح والأزمة في بنية المشروع الوطني الفلسطيني. وللرد على ما ذكر الكاتب الصهيوني، أود التأكيد على عدم وجود مفاوضات بين القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية منذ نهاية آذار/ مارس 2014 عندما رفض نتنياهو الإفراج عن الدفعة الرابعة من اسرى الحرية، الذين إعتقلوا قبل التوقيع على إتفاقية اوسلو. ، وتوقفت منذ ذلك التاريخ، ويعود السبب لرفض رئيس حكومة إسرائيل الفاسد والملاحق بثلاث قضايا امام المحاكم الإسرائيلية عنوانها: الرشوة، وسوء الإئتمان والإحتيال، التقدم خطوة واحدة للإمام باتجه المفاوضات.

واما عامل الإستيطان الإستعماري، ورغم الخلل الواضح في إتفاقية اوسلو بشأن هذا الملف، بيد انه لو كان هناك نصا واضحا وصريحا لوقف الإستيطان الإستعماري الصهيوني في أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة، لما اوقفت الحكومات الصهيونية المتعاقبة عملية الإستيطان، ولتابعت ذات النهج، الذي تمارسه الآن. لإن المنظومة الفكرية السياسية الصهيونية لا تقبل القسمة من حيث المبدأ على السلام، إلآ ما ندر من الصهاينة، الذين ادركوا عقم المشروع الكولونيالي الصهيوني، وغياب مستقبله في المحيط العربي، رغم التطبيع الجاري، والذي سيجري. ولإن الإرادة الدولية حتى الآن مازالت اسيرة السقف السياسي الأميركي، ولعدم تمكنها من فرض عقوبات على دولة إسرائيل الإستعمارية. رغم تحسن الأداء الدولي نسبيا في العقد الأخير.

وما يتعلق بالعامل الإقتصادي الفلسطيني الضعيف، باختصار شديد، كان وسيبقى ضعيفا، طالما بقي اسيرا وتابعا للإقتصاد الكولونيالي الصهيوني. ولن يتمكن من الإرتقاء بدوره الريادي في ظل سياسة المحوطة والتبعية للسوق الإسرائيلي. الأمر الذي يحتم التخلص من الإستعمار الصهيوني ككل دون تجزيء، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. عندئذ يمكن الحديث عن الإقتصاد الوطني.

وبالنسبة للكورونا وتفشيها، فوضعنا في كل الأحوال، افضل من الوضع الإسرائيلي. وفي حال إنسحبت الدولة الإستعمارية من الأرض الفلسطينية فإن القيادة الفلسطينية ووزارة صحتها ستحاصر الكورونا في اضيق نطاق، وتحد من إنتشاره ووجوده.

واعتقد ان موضوع الإنقلاب ليس جديدا، وهو فعلا الخاصرة الأضعف في المبنى السياسي الفلسطيني. لكن اجتماع الثالث من ايلول / سبتمبر الماضي (2020) تحت قيادة الرئيس عباس قد يشكل إنفراجة نسبية إيجابية، ولصالح طي صفحة الإنقلاب على الشرعية.

وفيما يتعلق بالعامل الأخير، وهو تطبيع الإمارات والبحرين، ايضا ليس جديدا، وكان قائما من تحت الطاولة منذ عقدين مع بعض الدول، الشيء الجديد، هو الإعلان الرسمي عنه. ويسسخروف يعرف ذلك جيدا. ومع ذلك شكل حرف بوصلة الموقف الرسمي العربي، وأحدث إنقلابا على مبادرة السلام العربية ومقررات القمم العربية ومنظمة التعاون الإسلامية. لكن هذا العامل لم يفت في عضد الشعب الفلسطيني ولا في مكانة قيادته السياسية، لا بل ان التطور الأخير، فتح القوس امام تقريب المسافات بين القوى السياسية الفلسطينية، وعزز القواسم المشتركة، وفتح الباب على مصراعيه للتقدم خطوات للإمام لطي صفحة الإنقلاب الأسود.

وعامل هام واساسي ينساه كل القادة والمفكرين السياسيين (وإن كانوا في إجتماعاتهم وورشات عملهم يتذكرونه دوما، ويؤرقهم جميعا) الصهاينة، وهو الوجود الفلسطيني العربي المتجذر في الأرض الفلسطينية، والذي بات عمليا من حيث عدد السكان، اكبر من عدد اليهود الصهاينة ما بين البحر والنهر. وهذا الوجود لا تستطيع اية قيادة صهيونية ان تتغافل عنه، ولا ان تدير الظهر له، ولا يمكنهم ولا يمكن لترامب الإفنجليكاني والبروستانت جميعا ان يغمضوا العين عنه. وهذا العامل المتسلح بالعدالة التاريخية والسياسية، ومواصلة النضال الوطني، هو وحده من سيقرر مستقبل الصراع، وليس التطبيع العربي الإنهزامي الرخيص.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا