الرئيسيةمختاراتمقالاتصالح الفتى الذبيح .. سلاما

صالح الفتى الذبيح .. سلاما

بقلم: عمر حلمي الغول

وأنا داخل “الجم” صباح أمس الأربعاء سألتني مديرة الجمعية بشكل مفاجئ: متى سيطبق حكم الإعدام؟ استغربت السؤال، وسألتها أي إعدام؟ لا يوجد في القانون الفلسطيني مادة تنص على الإعدام، لكن في غزة تحت حكم الانقلاب نفذوا الإعدام، وهذا مخالف للقانون والنظام، لأن المصادقة على أية استثناءات، إن وجدت من صلاحية الرئيس ؟ قالت الإعدام بحق المجرمين القتلة في جريمة الزرقاء ضد الفتى صالح؟ قلت لها من المؤكد جريمة بشعة ومروعة، يندى لها جبين كل إنسان، لكن الحق العام والقانون الأردني كفيل بأخذ حق الفتى الذي قطعت يداه وفقئت عيناه أمس الأول من قبل عصابة مجرمة، امتهنت الجريمة لترويع العباد. قالت الله جل جلاله في كتبه السماوية الثلاثة حلل الإعدام، رددت عليها، مع ذلك القوانين الوضعية ومبادئ حقوق الإنسان أسقطت قانون الإعدام في العديد من الدول، لكن الأحكام المؤبدة هي بمثابة إعدام للمجرم وهو حي. قالت قد تصدر مراسيم وعفو عام بالإفراج عنهم في مناسبات مختلفة، وبالتالي يضيع حتى الحق العام، تركتها وأنا لا أملك جوابا، غير أني متألم جدا أسوة بكل أبناء الشعبين الأردني والفلسطيني على الفتى صالح ابن الـ 16 عاما المختطف من قبل العصابة القاتلة، والتي شوهت وعذبت وذبحت الفتى دون ذنب اقترفه.

عزيزي الفتى صالح تعلم أن أشقاءك في فلسطين من البحر إلى النهر كل يوم ترتكب بحقهم عشرات الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من قبل سلطات الاستعمار الإسرائيلية، وهناك عمليات قتل بشعة ومفجعة للأطفال والنساء عموما والحوامل وللشيوخ والشباب دون وازع أخلاقي أو قانوني أو سياسي أو ديني، ومع ذلك الجريمة التي ارتكبت بحقك، وضدك استصرخت كل ضمير حي عندي أو عند كل من سمع و رأى آثار الجريمة الوحشية عليك، وأنت عائد لأمك تحمل ربطة الخبز، التي لم تصل، أنما وصلها خبر قتلك حيا.

استوقفتني وهزتني كإنسان، وكفلسطيني وأردني وعربي، ودفعتني للكتابة عن مأساتك التراجيدية، وأنت الطفل البريء، عصابة من مجموعة قاتلة تقتحم حياتك دون استئذان، ودون سابق إنذار، وتخطفك، وتغير معالم وجهك وشخصيتك ومستقبلك كله، هذة العصابة المجرمة من أي طينة جبلت؟ ومن أية منابع غرفت تعاليمها الوحشية واللاآدمية؟ ولماذا مارسوا دور الجزار المتوحش بجسدك النحيل؟ لماذا قطعوا يديك بالبلطة؟ وفقأوا عينيك؟ ما هي “الجريمة”، إن كانت هناك جريمة من أصله اقترفتها لينهالوا عليك ببلطاتهم ومفكاتهم وسكاكينهم؟ ولماذا الإنسان ينقلب لخنزير قاتل؟ وماذا استفادوا من جريمتهم؟ هل حققوا أية نتيجة تذكر؟ وألم يفكروا للحظة أن القانون العام، وأجهزة الدولة الأردنية القضائية ستقتص منهم؟ وهل اعتقدوا أنه سيعفى عنهم بعد حين من ارتكاب جريمتهم؟ أم على ماذا عولوا وراهنوا عندما سنوا سكاكينهم وبلطاتهم وقذفوا حقدهم وكراهيتم على طفل صغير؟ وألم يدركوا أنهم بعملهم الجبان فتحوا هوة كبيرة وواسعة من منطق الثأر العشائري والقبلي، والذي سيودي بحياة آخرين إن لم تتمكن جهات الاختصاص من ضبط النزعات الثأرية؟.

أسئلة كبيرة وعديدة تثار حول الجريمة، لكن أيا كان عددها، واتجاهاتها، فإن الجريمة الدنيئة واللاإنسانية، والتي تعكس ثقافة قانون الغاب والانفلات اللاأخلاقي تتطلب من جهات الاختصاص القضائية اتخاذ كل ما يستوجب لفرض اقصى العقوبات على عصابة الموت والجريمة، وإرفاق الحكم بمادة خاصة، عدم الإفراج عنهم تحت أي اعتبار حتى يموتوا بين جدران السجون، وعتمة الليل، وحرمانهم من الزيارات كليا، إن لم يتخذ القانون الأردني عقوبات أقسى.

لا ادري كيف يمكن لي أو لأي إنسان خارج حدود المملكة الأردنية الهاشمية مواساة والدي الفتى صالح وخاصة والدته، التي أرسلت ابنها ليشتري خبزا للعائلة. هل بالدعاء بشفاء ابنها، أم بالاتصال معها والشد على يديها، لا سيما أن الفتى صالح تغيرت معالم طريق حياته المستقبلية، وفقد أعضاء هامة وأساسية من جسده، رغم بقاء بصيص نظر، ولا أعرف إن كان يمكن إجراء عمليات لوصل يديه.

جريمة الفتى صالح هزت الرأي العام الأردني والفلسطيني والعربي، وهي ليست الجريمة الوحيدة، ولن تكون الجريمة الأخيرة لا في الأردن ولا في فلسطين ولا في أي مكان، لأن الوحوش الآدمية في زمن الانفلات والفوضى وتسيد منطق الثأر القبلي، فضلا عن انتشار وباء عصابات قطعان المستعمرين و”فتيان التلال” وغيرهم من العصابات وجيش الموت الصهيوني وجماعات التكفير والتخوين، حتى باتوا يجتاحون مجتمعاتنا، الأمر الذي يحتم التصدي لكل أنواع وأشكال وأساليب تلك العصابات والجماعات المارقة والخارجة على القانون وفق سمات وخصائص كل دولة، لينتصر الحق والعدل والسلم الأهلي والسلام السياسي بالمعايير النسبية.

سلاما لك أيها الفتى الصالح صالح، وأرجو أن تتعافى بسرعة، وتنتصر بإرادة البقاء والحياة والأمل، لتقهر أولئك المجرمين القتلة، سفاكو الدماء الأنذال، وتهدهد روح والديك وإخوتك ومدينة الزرقاء وكل الأردن الشقيق.

oalghoul@gmail.com

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا