الرئيسيةمختاراتمقالات“وطن يباع ويشترى”

“وطن يباع ويشترى”

بقلم: سمير عباهره

لحق السودان بركب موجات التطبيع الجارية في مشهد يدل على ملامح المرحلة القادمة وينذر بانهيار النظام العربي بالكامل والذي اصبح رهينة للسياسة الامريكية والاسرائيلية. ويأتي تركيز اسرائيل على هذه المنطقة بهدف الوصول الى العمق العربي على امتداداته والوصول الى هذه المنطقة الاستراتيجية من البحر الاحمر للسيطرة على اهم الممرات المائية في العالم بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
الساحة السياسية العربية اضحت شبيهة بالمزادات العلنية والمناقصات التي تجري عادة لكنها الان تجري لشراء انظمة عربية “بثمن بخس دراهم معدودة” واصبح السعي للتقارب مع اسرائيل يمثل لهذه الانظمة لوحة شرف ونيشان يوضع على صدورهم وهناك تسابق يشبه سباق المائة متر في الالعاب الاولومبية بين هذه الانظمة وهو من الذي سيفوز بالسباق اولا ويقدم واجب الطاعة والولاء لــ ترامب ونتنياهو. وليس مستغربا ان اقدمت هذه الانظمة العربية المهرولة على تقديم الاعتذار لاسرائيل بأنها كانت يوما ما تقف في السلم العدائي لها “شكلا وليس مضمونا” وليس مستغربا ان تقدم الاعتذار لها فيما اذا كانت قد اطلقت يوما ما صيحات بضرورة الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 اذ ان لسان حال هذه الانظمة هو انها اخرجت القضية الفلسطينية من استراتيجيتها وتحت شعار جديد “فلسطين ليست قضيتي” وهذه هي ورقة الاعتماد التي قدمتها الدول العربية المهرولة لاسرائيل حتى تنال رضاها وتعيش مستورة في كنفها.
ما تتناقله وسائل الاعلام من تصريحات صادرة عن دول عربية او اقليمية او دولية او حتى مؤسسات دولية بمباركة هذه الاتفاقيات الموقعة بين الدول العربية واسرائيل ومن ان هذه الاتفاقيات سوف تخدم مسار السلام هو في الحقيقة يدخل في اطار التسويق لاسرائيل واستمرار احتلالها للاراضي الفلسطينية ويخدم في محصلته النهائية الاستراتيجية الاسرائيلية اذا ان هذه الدول المطبعة والمباركة لم تقدم تفسيرات واضحة حول كيفية استثمار هذه الاتفاقيات في مسار السلام الذي يعني ايجاد تسوية عادلة للصراع الفلسطيني الاسرائيلي بما يخدم حقوق الشعب الفلسطيني ولكن هذه الدول اكتفت باقامة علاقات مع اسرائيل دون تحديد الاهداف السياسية وراء ذلك سوى العيش في حالة من الوهم لتحسين موقعها وموقفها السياسي في الساحة الدولية ونيل رضا الولايات المتحدة واسرائيل وعلى حساب سيادتها.
العلاقات الجديدة ما بين اسرائيل والاطراف العربية المطبعة او الموجودة على لائحة الانتظار هي علاقات غير متوازنة وغير متكافئة بحكم انها قائمة او ستقوم على سلب السيادة العربية واستبدالها بمندوب سامي اسرائيلي يتم تعيينه لدى هذه الدول والذي سيحدد قواعد اللعبة الجديدة والتي ستتطور وفق معطيات المصلحة الاسرائيلية وتفرضها المتغيرات والظروف وتحقيق الوهم الاسرائيلي بأن التطبيع مع اسرائيل يعني تجريد الشعب الفلسطيني من نقاط قوته التي “وفرها” له العمق العربي القومي فالتطبيع يعني الابتعاد عن القضية الفلسطينية حتى ولو بنسب متفاوتة لكنها في المفهوم السياسي تعني تراجع الاهتمام العربي في الشأن الفلسطيني. لكن مهما حاولت اسرائيل الاستفادة من هذه الميزة فان الصراع سيبقى يحتفظ بعناصرة الاساسية ويبقى الطرف الفلسطيني هو صاحب الكلمة في انهاء الصراع.
السودان الوافد الجديد على نادي المطبعين ربما ينتظر نتاج التحولات التطبيعية واثرها على الحياة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والكرم الاسرائيلي الذي سيعم على شعب السودان وينتظر ان يقبض ثمن بيع فلسطين لكن الجميع يدرك تماما ان فرض العقوبات على السودان كان بسب فساد الطغمة العسكرية الحاكمة التي حولت السودان الى ارثا لها ولمصالحها الشخصية وتنتظر ان يكون التطبيع هو طوق النجاة لهم من احتمال ملاحقتهم دوليا ويعتقدون انه سيتم اسدال الستار على هذه القضية بعد التطبيع.
لكن كيف يحمل هذا التطبيع كل المتناقضات المحيطة بالسودان اذا ما ادركنا تماما ان سد النهضة الذي تم اقامته في اثيوبيا والتي اصبحت مستعمرة اسرائيلية هو مشروع اسرائيلي يهدف لحصار كل من السودان ومصر وان التطبيع مع اسرائيل لن يشفع للسودان تراجع اسرائيل عن جزء صغير عن الاهداف التي اقيم السد من اجلها.
السودان وغيرها فقدت كافة اوراق الضغط مع التطبيع حيث ان الورقة الفلسطينية والتمسك بها هي القوة الضاغطة لتحقيق الاهداف الاستراتيجية ومن يتخلى عنها سيفقد قوته في التأثير في السياسة الدولية وفي ممارسة الضغط على المجتمع الدولي.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا