الرئيسيةأخباراسرائيليةإيران تُلوّح أمام بايدن بورقتين خطرتين

إيران تُلوّح أمام بايدن بورقتين خطرتين

بقلم: شموئيل مئير*

تعريف «الأزمة» هو وضع في غاية الخطورة يتطلب حلاً فورياً. «الأزمة» هي نقطة زمنية تتطلب من الأطراف الذين لهم علاقة بها اتخاذ قرار مهم وعاجل. وكما في الدراما، «الأزمة» هي نقطة يصل فيها الصراع إلى ذروته قبل حله أو انفجاره. وتحديداً، بعد أن تغلب الاتفاق النووي بصعوبة على الجهود الرامية إلى تفكيكه، وعلى سياسة «الضغط الأقصى» لإدارة ترامب، ها هو يصل إلى تنصيب جو بايدن ودخوله البيت الأبيض بينما هو في المحطة الأكثر حساسية لاستمرار وجوده.
في كل ما يتعلق بالموضوع النووي الإيراني المجتمع الدولي بالتأكيد أمام أزمة جديدة. إذا أقر المرشد الأعلى، علي خامنئي، مجمل الخطوات المقبلة لبلده فإنه سيحسم على ما يبدو مصير الاتفاق الموقّع في فيينا في تموز 2015، لأن الباب سيُغلق أمام مخطط بايدن والأوروبيين لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق القائم. ستواجه المنظومة الدولية بصورة فورية واقعاً يكون فيه التصعيد وسيناريوهات مهاجمة المنشآت النووية في إيران مرة أُخرى في مركز جدول الأعمال العالمي كما كانت عليه في الصيف الحار لسنة 2012.
كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ اغتيال العالم النووي الكبير، محسن فخري زادة، في نهاية تشرين الثاني كان بمثابة الشرارة التي أطلقت سلسلة سيناريوهات سريعة من طرف إيران.
اختارت الجمهورية الإسلامية عدم الرد على الاغتيال بطريقة عسكرية (أو انفعالية أُخرى)، كما مالت إليه التقديرات في إسرائيل، بل بطريقة مدروسة على صعيد الدبلوماسية النووية. وذلك بوساطة قانون مرره المحافظون في البرلمان على الرغم من إرادة رئيس الجمهورية، حسن روحاني، وعلى الرغم من جهوده، لعرقلته.
القانون الجديد المسمى «خطة عمل استراتيجية لرفع العقوبات» يحدد الخطوات المطلوبة لتسريع مشروع إيران النووي. وهو يتضمن خروقات أكبر وأكثر من الخروقات المدروسة التي نفّذتها إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من طرف واحد من الاتفاق النووي وفرض العقوبات. تتضمن هذه الخروقات: تخصيب اليورانيوم على درجة 20%، ومعنى ذلك السير سريعاً في مسار التخصيب العسكري (90%) الذي يتطلبه سلاح نووي؛ تسريع البحث والتطوير لنماذج أجهزة طرد مركزي متطورة وبناء آلاف منها، إعادة بناء مفاعل المياه الثقيلة في أراك؛ فرض قيود على مراقبي الوكالة الدولية للطاقة النووية؛ وإلغاء البروتوكول الملحق الذي يسمح للمراقبين بالقيام بزيارات مفاجئة لمنشآت غير مصرّح بها.
الخرقان الملموسان الأكثر خطورة من بين القائمة، واللذان أشرت إليهما، هما تخصيب اليورانيوم على درجة 20% وإلغاء البروتوكول الملحق الخاص بالوكالة الدولية للطاقة.
هذان هما أيضاً الشرطان الضروريان اللذان وضعهما الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الثلاث الموقّعة على الاتفاق (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) على إيران إذا كانت تريد المحافظة على الاتفاق.
في الأيام الأولى من سنة 2021 بدأت إيران بتغذية أجهزة الطرد في منشأة فوردو (التي بحسب الاتفاق ممنوع تخصيب اليورانيوم فيها) والتخصيب على درجة 20%. وأكد ذلك مراقبو الوكالة الدولية للطاقة الموجودون هناك.
لم يتأخر وصول الرد الأوروبي. ففي بيان مشترك حاد للغاية، أعرب وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا عن قلقهم العميق إزاء الخطوة الإيرانية، ورأوا أن ليس لها أي مبرر مدني، ودعوا طهران إلى العودة بسرعة إلى القيود التي فرضها الاتفاق. لأول مرة تحدث الأوروبيون بلغة واضحة عن «خرق الاتفاق»، ولم يستخدموا «عدم الانسجام» كما فعلوا في بيانات سابقة. بعثوا في الرسالة بتهديد مبطن يتعلق باحتمال أن يتحركوا. استخدام مصطلح «عدم انصياع إيران للاتفاق» هو بمثابة بطاقة حمراء. خلال العامين الماضيين، ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفي ضوء جهود الأوروبيين للمحافظة عليه، لم نسمع تعابير حادة كهذه.
هذه التطورات دفعت مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، إلى التطرق علناً وبصورة مباشرة إلى الوضع الجديد، وعدم انتظار صدور التقرير الفصلي للوكالة.
في مقابلة أجرتها معه وكالة رويترز قال إن إيران تتقدم بوتيرة سريعة جداً في تخصيب اليوارنيوم على درجة 20%، وأنها ستصبح مؤهلة لإنتاج 10 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب شهرياً. وأضاف: «هذا وضع جديد يتطلب تحركاً دبلوماسياً لإصلاحه، لأنه ليس لدينا أشهر بل أسابيع».
ثمة سِمة مركزية أُخرى «للأزمة» هي تزامن الإلحاح مع ضيق الوقت من حولها. هكذا يمكن أن نفهم القلق الذي عبّر عنه غروسي إزاء احتمال خرق البند المحدد المركزي الثاني في الاتفاق. وبحسب ما فهم غروسي هناك موعد محدد وإنذار لوقف نشاط المراقبين في المنشآت النووية -21 شباط – إذا لم تُرفَع العقوبات الأميركية حتى ذلك التاريخ. وأشار غروسي إلى أنه يتعامل مع ذلك بجدية وقلق «لأن هذا هو القانون الذي تنوي الحكومة الإيرانية تطبيقه».
يمكن أن نفهم من كلامه وأيضاً من بيانات الشركاء الأوروبيين أن المس بنشاط مراقبي الوكالة الدولية وإلغاء البروتوكول الملحق- أمر مذكور بصورة واضحة في القانون الإيراني – هو بمثابة تصعيد وصعود لدرجة لا يمكن قبولهما.
نتيجة خطوات إيران، الأزمة النووية يمكن أن تصل إلى نقطة غليان في الشهر الأول من ولاية بايدن. إلّا إذا جرى في المقابل القيام بأعمال يمكن أن تخفف أو تعرقل التطورات السلبية. لا نعلم إذا فُتحت قناة حوار سرية مع إيران من جانب الأوروبيين أو من جانب طاقم بايدن، لكن من كلام غروسي يمكن أن تعرف بوجود «حوار بنّاء ومتواصل» بينه وبين علي أكبر صلاحي، رئيس لجنة الطاقة النووية الإيرانية (وأحد الذين صاغوا الاتفاق النووي الأصلي).
يشدد ناطقون إيرانيون رسميون طوال الوقت على مواصلتهم التمسك بالاتفاق النووي، وعلى أن الخطوات التي ستُطبَّق بحسب القانون يمكن العودة عنها (الأمر صحيح من الناحية التقنية – العملانية) إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق ورفعت العقوبات الأحادية الجانب.
ما نراه هنا هو أزمة مخطَّط لها ومدروسة لكنها خاصة: فما يجري ليس السير على حافة الهاوية (Brinkmanship) المعروف في الأدبيات الاستراتيجية لأن إيران لا تنوي أن تفرض على الطرف الثاني (الولايات المتحدة) التراجع عن شيء محدد (مثل مطالبة الرئيس كينيدي الاتحاد السوفياتي بإخراج الصواريخ من كوبا)، بل العكس: هي تريد أن تفرض عليها ما تعهدت القيام به، أي تطبيق الاتفاق النووي.
لم يتحدث بايدن علناً عن الموضوع، لكن يبدو أنه أدرك خطورة الوضع والحاجة الماسة إلى معالجته. الدليل على ذلك نراه في سلسلة تعيينات كبار المسؤولين في منظومة اتخاذ القرارات في موضوعات الأمن القومي: مثل تعيين أنطوني بلينكن وزيراً للخارجية، وويندي شيرمان نائبة لوزير الخارجية، وجاك سليفان مستشاراً للأمن القومي، ووليام بيرنز رئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه).
تدل هذه التعيينات على توجه واضح، لأن كل هؤلاء كانوا في دائرة المستشارين والمساعدين الذين صاغوا الاتفاق النووي في إدارة أوباما، وهم قادرون على البدء بالعمل مع الإيرانيين منذ يوم عملهم الأول في الوزارة. ينطبق هذا بصورة خاصة على بيرنز وسليفان اللذين كانا من آباء القناة السرية التي أدارتها الولايات المتحدة مع إيران في عُمان وأدت إلى حدوث الاختراق وتوقيع الاتفاق النووي.
أين إسرائيل في هذه الصورة؟ بنيامين نتنياهو يستعد لمخطط بايدن الرامي إلى إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، لكنه يفعل ذلك انطلاقاً من «تصوّر» ليس من المؤكد أنه سيساعده. هو يعتمد من جهة على نظرية «اتفاق نووي محسّن أولاً» – وفي مركزها صيغة «صفر أجهزة طرد مركزي وصفر تخصيب»، أي مواصلة العمل على تفكيك الاتفاق القائم، بينما مخطط بايدن يتحدث عن عودة سريعة إلى الاتفاق الأصلي. من جهة ثانية، ينوي نتنياهو على ما يبدو العودة إلى نموذج العمل الذي تميز به في صراعه ضد الاتفاق في أيام أوباما. أي المخاطرة بإعطاء نفسه صلاحيات حصرية في الموضوع والاحتفاظ بالأوراق من دون الكشف عنها (بوساطة السيطرة على رئيس مجلس الأمن القومي، مئير بن شبات) واستبعاد كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية.
أسلوب العمل هذا يمكن أن يعرقل نقاشاً منتظماً في الطاقم الوزاري المصغر. في هذا الشأن يجب أن نتذكر أن الاستخبارات العسكرية تحديداً تعتبر الاتفاق النووي (على الرغم من بعض العيوب) مساهمة إيجابية في أمن إسرائيل. كلمات بهذه الروحية قالها رئيس شعبة الأبحاث، العميد درور شالوم، في مقابلة وداعية أجرتها معه صحيفة «يديعوت».
تعتبر الاستخبارات العسكرية أن الاتفاق النووي أزال التهديد الوجودي الوحيد لإسرائيل، ومنع ظهور دولة جديدة تملك سلاحاً نووياً في الشرق الأوسط، ومنع سباقاً إقليمياً نحو التسلح النووي .

عن «هآرتس»

*خبير استراتيجي في مركز الأبحاث الاستراتيجية في جامعة تل أبيب.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا