الرئيسيةمختاراتمقالاتالرقابة ومدى فاعلية المجلس التشريعي

الرقابة ومدى فاعلية المجلس التشريعي

بقلم: تمارا حداد

تمثل الرقابة على أعمال الإدارة عنصراً حيوياً وعاملاً مهماً في مكونات وتشكيلات العملية الإدارية وضرورة لضمان سلامة وشفافية وقانونية عمل الإدارة العامة وأدائها والرقابة الفاعلة لا تنفصل عن العمل الإداري، وتهدف الرقابة الى متابعة النشاط الاداري للكشف عن الانحرافات وتصحيحها وكذلك مراجعة وتقييم السياسات والاجراءات الإدارية المعمول بها والعمل على تعديل وتصويب ما يشكل منها عائقاً أمام تحقيق الانجازات.

تعتبر الرقابة التشريعية من اهم صور واشكال الرقابة السياسية على اعمال الادارة العامة، وتتعدد الوسائل الرقابية التي يمارسها المجلس التشريعي وفقا لما يحدده الدستور في الدولة من حقوق رقابية تجاه السلطة التنفيذية، ومن اهمها حق توجيه الاسئلة الى الحكومة او احد اعضائها واستجوابهم، وقد يكون الرقابة عبر الاستجواب ويعتبر اكثر اهمية من السؤال، وقد يكون الرقابة عن طريق اجراء التحقيق بواسطة لجان خاصة لجمع المعلومات حول موضوع معين ووقائع محددة ذات علاقة بالشان العام او احدى المرافق والادارات العامة في الدولة، وهناك رقابة من خلال تلقي الشكاوى والعرائض من المواطنين ذات الصلة بالشأن العام، وهناك رقابة على الشأن المالي والسياسة العامة للحكومة من خلال مناقشة الموازنة العامة واظهار آليات اوجه الانفاق المالي والتصرف به وكيفية توزيعه بين مختلف الوزارات والمؤسسات العامة من خلال مناقشة الموازنة والحساب الختامي لميزانية السلطة الفلسطينية، والمجلس التشريعي يحق له طلب ايضاحات بخصوصها من الحكومة او احد اعضائها، وتتحقق الرقابة التشريعية من خلال حق المجلس التشريعي في اقرار برنامج الحكومة وسياستها العامة، والمصادقة على قانون الموازنة السنوية العامة.

متى تكون الرقابة التشريعية غير فاعلة؟

في ظل السيطرة الحزبية على الجهاز الاداري والحكومة فالرقابة التشريعية تكون غير فاعلة لعدة أسباب:

ان رقابة المشروعية على اعمال الادارة العامة هي بالاساس رقابة قانونية تحتاج الى معرفة فنية وثقافية قانونية واسعة بالقانون، وهو امر لا يتوافر لدى اعضاء البرلمان على نحو يؤهلهم للدفاع عن حقوق المواطنين بالبرهان ضد تعسف الادارة العامة وتسلطها، وكما ان الرقابة البرلمانية بالاساس على المخالفات الادارية الكبرى اما المخالفات البسيطة اليومية في المؤسسات الحكومية لا تحظى باهتمام رقابي كافِ من قبل المجلس التشريعي، وتحريك الرقابة البرلمانية لا يتم بشكل مباشر من قبل الافراد بل بتحريك اعضاء التشريعي، ويغلب على الرقابة التشريعية الطابع السياسي اكثر من الاهتمام الجدي في الزام الادارة العامة”الحكومة” بالسير والعمل وفقا لمبدأ المشروعية واحكام القانون، لا سيما اذا كانت الحكومة مشكلة من الحزب ذي الاغلبية البرلمانية حيث يتم السكوت عن اخطائها والمحاباة لتجاوزاتها، ونأخذ ذلك بالتفصيل:

الحكومة ونظامها البرلماني تنبثق عن المجلس التشريعي حيث يشكلها الحزب الذي يحصل على اغلبية مقاعد البرلمان، لذا الحكومة البرلمانية تحظى بدعم الاغلبية البرلمانية وتحافظ عليها، من هنا يأتي دور الاغلبية البرلمانية في منع تحقيق نتائج الرقابة البرلمانية على اعمال الحكومة امام الاقلية والتي يتم اعتبارها اقلية معارضة، وقوة الرقابة البرلمانية حسب نوع الاغلبية فاذا كانت اغلبية الحكومة منبثقة عنها تكون رقابة ضعيفة وغير فعالة لاخفاء عيوب الحكومة، اما في حال تشكيل ائتلاف اغلبية هنا الرقابة تعتمد على الاتفاق المبرم بين الحكومة والائتلاف وتكون الرقابة فعالة، من هنا يتضح ان لا استقلال ما بين الحكومة من جهة والاغلبية البرلمانية من جهة اخرى في حال انبثاق الحكومة عن هذه الاغلبية، فان الاغلبية البرلمانية عندما تمارس الرقابة فانها تمارسها من خلال التاكد من استمرارية الحكومة واحترامها للوعود الانتخابية في البرنامج الانتخابي.

اما دور اقلية البرلمان في العمل الرقابي تتميز الرقابة البرلمانية بواسطة الاقلية بعدم الفعالية والكفاية لانها لا تقوم بدور المساءلة بسبب لا يوجد امكانية عددية لاتخاذ قرار ضد الحكومة، لذلك الاقلية لا تعمل على التغيير بل يقوم عملها بمطابقة العمل الحكومي مع الضوابط المعتمدة، قد تستطيع الاقلية فعل شيء بحال توافر شروط معينة مثل توافر الثقافة السياسية للشعب والمشاركة السياسية بمستويات عليا والرقابة الشعبية وتفعيل وسائل الاعلام وتحريك الراي العام، حتى تستطيع الاقلية ايصال صوتها لتعديل مسار الحكومة بما يتناسب مع مبدا المشروعية.

هناك قيود على فعالية الرقابة بسبب عدم كفاءة النواب، وانحراف بعض النواب عن مسارات الرقابة، وتزايد حجم المرافق العامة وتعدد انشطتها، والتطور الحاصل، الامر يؤدي عدم كفاية التشريعي للقيام بمهامه بسبب الاحزاب السياسية التي تنعكس على صناع القرار، وهناك التطورات التي لحقت بصلاحيات الممنوحة للحكومة لكونها الجهات الاكثر قربا من حيث العاملون والتكوين حيث لها صلاحيات على حساب البرلمان الذي انعكس على فعالية التشريعي، وهناك نقص ايضا في المجلس التشريعي في الموارد البشرية والمالية، وهناك سبب ازمة الرقابة التشريعية بعدم قدرة ممثلي الشعب بالاحاطة بكافة الامور المتعلقة بالحياة العامة من اجل ممارسة رقابة فعالة على اداء الحكومة، وبعض الرقابة البرلمانية قد تستخدم لتصفية حسابات دون رقابة مهنية نظرا لاصطباغها بالصبغة السياسية وتأثرها بالاحزاب الامر يؤدي الى عدم جدية الرقابة، وهناك خلط لدى النواب بين وسائل الراقبة وآثارها، وهناك عوائق تحول دون توجيه الاسئلة وامتناع بعض الوزراء عن حضور جلسات المجلس للاجابة عن الاسئلة الموجهة لهم، ناهيك في ان الاسئلة غير مستوفية شروط السؤال المهني، والرقابة التشريعية لا توقع جزاء مباشر على الادارة العامة نتيجة تصرفها غير المشروع بحق الافراد، بل يقتصر دورها بالضغط على الادارة العامة للعدول عن تصرفها عن طريق التهديد والتلويح باستخدام حقه في سحب الثقة من الحكومة او احد اعضائها.

حاولت السلطة الفلسطينية سد الفجوة الناتجة عن غياب التشريعي في جانب الرقابة من خلال عدة ادوات فهناك الرقابة القضائية، مع تعاظم دور السلطة الفلسطينية بسبب تدخلها في مختلف اوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي فان السلطة الادارية فيها تقوم بانشطة متعددة في تطوير المجتمع ويتمثل ذلك في تنوع اهداف المرافق العامة تديرها السلطة الادارية، وتمارس الادارة العامة من خلال ما تمكله قانوناً من امتيازات السلطة العامة لادارة تلك الانشطة مثل اصدار قرارات ادارية وابرام العقود وغيرها ولضمان عدم تجاوز السلطات الادارية العامة وهي تقوم اعمالها القانونية بموجب القوانين فانه يتعين على سلطات الادارة العامة احترام القواعد القانونية عملا بمفهوم الدولة القانونية ولضمان ذلك يكون هنا دور القضاء الرقابي واعادة الادارة العامة المطعون في تصرفاتها واعمالها الى نطاق دائرة المشروعية والقانون والالتزام باحكامها، وتمثل الرقابة القضائية على اعمال الادارة العامة الوسيلة لضمان الحقوق والحريات الفردية وحمايتها في حال قيام السلطة الادارية بتجاوز حدود سلطتها والتعسف والشطط في استعمالها على نحو يقود الى الاعتداء على المراكز القانونية للافراد وانتهاك حقوقهم وحرياتهم الدستورية والقانونية، يُعد خضوع الاداة العامة للقانون الضمانة الاساسية التي تحمي الافراد من تعسف الادارة وهذه الضمانة متحققة بفضل مبدأ المشروعية الذي اصبح طابعاً مميزاً للدولة الحديثة، ويستلزم تحقيق مبدا المشروعية تنظيم رقابة على اعمال الدولة بصفة عامة سواء اكانت تشريعية او تنفيذية او قضائية، بمعنى ان اعمال مبدا المشروعية وتطبيقه بصورة فعالة يوفر ضمانات حقيقية للافراد يقتضي الامر رقابة قضائية على الاعمال بشكل عام وتصرفات الادارة بصفة خاصة، ناهيك ان مبدا سيادة القانون من معايير الحكم الرشيد ليحقق التنمية المستدامة، هذا الامر بحاجة الى استقلال مؤسسة القضاء وعدم تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية في شؤون القضاء، من هنا رفع مستوى كفاءة الاجهزة الرقابية الادارية والقضائية من خلال منحها الصلاحيات الكافية ورفدها ودعمها بالكوادر البشرية المتخصصة والموارد المادية والتقنيات اللوجستية الحديثة.

ولا ننسى الرقابة الادارية ويطلق عليها الرقابة الذاتية تلك الرقابة التي تمارسها الادارة العامة بنفسها على ما يصدر عنها من قرارات او اعمال لغرض البحث في مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها لاحكام القانون بمعناه العام وملاءمتها من حيث تناسبها مع الهدف والصالح العام الذي تسعى الادارة الى تحقيقه ولها صور الرقابة التلقائية والرقابة بناء على تظلم اداري ومنه التظلم الولائي والتظلم الرئاسي والتظلم الى لجنة ادارية خاصة.

ولا ننسى ان هناك رقابة ادارية بواسطة اجهزة وهيئات مستقلة ومتخصصة مثل، الهيئة المستقلة لحقوق الانسان ” ديوان المظالم”، وهناك ديوان الرقابة المالية والادارية، وهناك هيئة مكافحة الفساد.

ولا ننسى ان هناك رقابة شعبية يجب ان تُفعل في غياب المجلس التشريعي كضمانة واقعية، تعد الرقابة الشعبية واحدة من الضمانات الاساسية لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم، وتعد ضمانة للحرية ضد الظلم والاستبداد في الدولة الحديثة، لذا فهي ضرورية امام غياب الضمانات القانونية، كوسيلة فعالة تهدف الى محاربة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة ومبادئ الحكم الرشيد.

خلاصة القول:

لا غنى عن الرقابة التشريعية لتفعيلها ان حصلت انتخابات مستقبلية تحتاج لنشاط زائد وخبرة كافية بالتحديد في منطق الادارة والقانون، ولتطوير العمل الرقابي من المهم انشاء مركز معلومات مزوداً بالاجهزة العلمية، وتفعيل دور الهيئات المستقلة واعطاء تقارير دورية عن عملها الرقابي، وتحديد موعد اجراء الانتخابات كأمنية اجتماعية لتمكين النظام الديمقراطي كمطلب شعبي وضرورة سياسية لبناء مجتمع مدني وتعزيز الثقافة الديمقراطية وتحقيق مبدأ المواطنة وتحقيق تغيرات جوهرية في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والادارية وتوظيف طاقات جديدة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وسن قوانين تحمي العمال والاسر الفقيرة والمهمشين.

 

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا