الرئيسيةمتفرقاتثقافةالمطبعة الوطنية الفلسطينية "مطبعة الحياة".. القصة الكاملة

المطبعة الوطنية الفلسطينية “مطبعة الحياة”.. القصة الكاملة

بقلم: عبير البرغوثي

البناء والاستقلال لا يتمان بين عشية وضحاها، وبناء فلسطين معركة طويلة متعددة الأبعاد، فقط من لديه رؤية ونفس طويل يستطيع الصعود في طريق وعر يستحق التضحيات، في كل قطاع هناك تحديات، وفي كل مؤسسة هناك قصة نجاح، يكتبها جنود أصحاب بأس وإصرار، يصلون الليل بالنهار، يد تحمل رؤية القيادة ويد تحول المسـتحيل إلى قصة نجاح تؤكد أن العمل دون كلل هو طريق بناء متطلبات الاستقلال في كل الميادين.

هكذا كانت بداية حكاية حلم دار “الحياة الجديدة” بأن تكون مستقلة بطباعة كلماتها دون قيود أو شروط، ومن قلب معاناة لسنوات وسنوات ولدت الفكرة، لماذا لا تكون لنا مطبعة وطنية كباقي الدول والمؤسسات؟.

الرئيس يطلق شرارة المشروع

المطبعة الوطنية فكرة حولتها توجيهات واهتمام السيد الرئيس محمود عباس إلى واقع بهدف تطوير الإعلام الوطني الرسمي بشكل عام، وفي القلب منها متطلبات تطوير جريدة “الحياة الجديدة”، فكانت البداية بتجهيز بنية إدارية تستشرف المستقبل وتواجه التحديات ومتطلبات التغيير، وجاء قراره بتشكيل مجلس إدارة جديد برئاسة الوزير أحمد عساف المشرف العام على الإعلام الرسمي وقيادة الجهد والإشراف على تحولات نحو حياة جديدة.

لم يحتج المجلس الجديد وقتاً طويلاً ليكتشف قدم وعدم صلاحية مطبعة الجريدة الحالية، فقد مضى عليها أكثر من أربعة عقود تغيرت خلالها كل فنون وقدرات الطباعة منذ تصنيعها عام 1974، وكانت اطلاع سيادة الرئيس على هذا الواقع كافيًا لإصداره قراره بشراء مطبعة حديثة للجريدة، وكانت رؤيته من البداية أن تكون بمثابة مطبعة وطنية تخدم حاجات الشعب الفلسطيني في هذا المجال.

القرار الرئاسي في غاية الأهمية، والبناء عليه وتحويله لمشروع عملي هو التحدي الحقيقي لإرادة العمل، فالتغيير عملية مستمرة ولا تسير على خط مستقيم، وبقدر ما تكون البدايات صحيحة ودقيقة بقدر ما تكون النتائج أيضًا في الاتجاه والمستوى السليم وفوق مستوى التوقعات، لذلك مرت مسيرة تأسيس المطبعة الوطنية بالعديد من المحطات، حيث شكل قرار الرئيس بتشكيل لجنة خاصة تشرف على عملية التأسيس تضم في عضويتها ممثلين عن وزارة الاقتصاد والمالية وديوان الرقابة الإدارية والمالية، شكل محطة الانطلاق الأساسية التي جمعت كافة الشركاء من ذوي العلاقة والمسؤولية، لإعطاء اللجنة قوة الدفع اللازمة، فبدأت اللجنة بالعمل في صيف عام 2016، وعلى الفور تم تشكيل لجنة فنية منبثقة عن لجنة التأسيس، من خبراء من القطاع الخاص، بهدف وضع الاحتياجات والمواصفات الفنية للماكينات المطلوبة.

جمهورية الهند الصديقة توفر التمويل

الوقود المالي هو محرك العديد من المشاريع، وتوفره يشكل نقطة فارقة في مدى الانتقال من الأفكار للتطبيق العملي، فكانت الفكرة في البداية أن يتم تمويل المطبعة وطنيا، المقصود من الموازنة العامة للسلطة، وبالتالي أن يتم طرح عطاء في السوق المحلية، وبالفعل تم تحديد الاحتياجات والمواصفات الفنية وتقدير الأسعار وطرح العطاء بإعلان في جريدة “الحياة الجديدة”، وقد يكون هذا الخيار مهمًّا، لكنه قد يستغرق وقتًا طويلاً بسبب ظروف واقعنا المالي على مستوى القطاعين العام والخاص.

كان لجهود مؤسسة الرئاسة دور استراتيجي في ايجاد الحلول العاجلة، من خلال تأمين تمويل من دولة الهند الصديقة بقيمة خمسة ملايين دولار لشراء ماكينات المطبعة، لتكون بمثابة بث الروح التنفيذية للمشروع.

ومع اكتمال الصورة الفنية وتوفير التمويل، انطلقت المرحلة الثانية، واتسع الحلم وتطور المشروع من فكرة مطبعة خاصة بالجريدة لتترسخ القناعة والحاجة لتأسيس مطبعة وطنية فلسطينية.

لكن برزت نقطة فنية تتطلب إعادة ترتيب بعض الأمور، فاتفاقية المنحة الهندية، التي وقعها الوزير أحمد عساف نيابة عن دولة فلسطين في مطلع عام 2017، كانت تقتضي شراء الماكينات من السوق الهندية وبالتالي طرح عطاء الشراء في الهند، لذلك تمت إعادة تشكيل اللجنة الفنية لوضع الاحتياجات والمواصفات والكلفة التقديرية، وتمت الاستعانة بخبير متخصص في وضع العطاءات لضمان أقصى درجات المهنية، ليتم بعد ذلك نشر العطاء في السوق الهندية وفقًا للاتفاق.

من التحضير للبحث عن تمويل للتجهيز لعطاء دولي خارج الأراضي الفلسطينية، كلها مهام عمل عليها فريق العمل ليل نهار، لأن المشروع يستحق العناء، والنجاح يضيف فصلاً جديدًا لمؤسسات الوطن في ميدان هو في أمس الحاجة للتجديد ومواكبة تطورات عصر الطباعة الحديثة، ومع إنجاز تلك المهام دخل مشروع المطبعة الوطنية مرحلته الثالثة، مرحلة التفاوض مع الجهة الموردة التي رسا عليها العطاء، وكانت مفاوضات شاقة استمرت أشهرًا لضمان الحصول على الماكينات بمواصفات جيدة جدا ضمن سقف قيمة المنحة الهندية، وفي نهاية المفاوضات تم توقيع اتفاقية مع الشركة الهندية من قبل وزارة المالية الفلسطينية وفق النظام والإجراءات في هذا المجال.

قرار رئاسي بتمويل تأمين أرض لإنشاء المطبعة

والصعوبة ليست في الجوانب الفنية، بل برزت بشكل أوضح لتأمين قطعة أرض لبناء مقر المطبعة عليها، وكانت مهمة شاقة بكل المقاييس إلى أن تم الحصول على قطعة أرض شمال رام الله، وأثناء ذلك كان السيد الرئيس محمود عباس أصدر قرارًا بتمويل عملية البناء ما شكل تاريخ الولادة الحقيقية للمشروع.

وتواصلت قرارات الدعم من الرئيس بإصداره قرارًا بتشكيل لجنة خاصة تشرف على عملية بناء مقر المطبعة، وهي اللجنة التي ضمت في عضويتها ممثلين عن وزارتي المالية والأشغال العامة. بدورها استعانت اللجنة بمكتب هندسي استشاري وبخبير عطاء عملوا جميعهم كفريق عمل مع مهندسي وزارة الاشغال ثم تم طرح العطاء في السوق المحلية وما إن رسا العطاء على شركة تم البدء بالعمل بالتوازي مع الجهود المبذولة مع الشركة الهندية لتوريد الماكينات واستلامها على مراحل.

التحديات محطات لإعادة التفكير والتصميم على النجاح

بناء مطبعة وطنية ليس مجرد نزهة أو كبناء ملحق لمنزل، بل هي عملية فنية وإدارية وتشغيلية معقدة، خاصة في ظل تنوع أصحاب العلاقة، والتعامل مع مؤسسات ذات أنظمة إدارية ومالية ومحاسبية مختلفة، كما هو الحال في فلسطين والهند، ما خلق في طريق بناء وتأسيس المطبعة مصاعب وعقبات كثيرة موضوعية وذاتية، تتعلق بطريقة ومتطلبات عمل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية والمؤسسات ذات العلاقة في الهند.

لكن الصعوبة الموضوعية الأكبر هي تزامن عملية بناء المطبعة مع تفشي جائحة كورونا، التي أثّرت سلبيا سواء على عملية البناء أو توريد الماكينات من الهند أو إرسال الخبراء للمساعدة في التركيب والتدريب، وكان للتفهم والدعم الذي قدمه السيد الرئيس محمود عباس الخاص ورعايته المستمرة للمشروع، الأثر الكبير في التغلب على مختلف العقبات الإدارية والمالية، ما مكن إدارة المشروع ممثلة بالوزير أحمد عساف من القيام بدور مميز سواء في اتخاذ القرارات الصائبة، أو عبر تدخلاته المتواصلة مع الجهات المعنية لتذليل كافة العقبات.

المطبعة الوطنية مؤسسة دولة وليست مجرد آلات للطباعة

المطبعة ليست مجرد آلات بل هي عنوان لهوية وطنية في هذا المجال، وهي مشروع استراتيجي ستكون له أبعاده وآثاره الاستراتيجية كونه بصمة سيادية في قطاع الإعلام، وسيكون لهذا الصرح الوطني تأثيره المباشر بالتعاون مع باقي مؤسسات دولة فلسطين بمجرد بدء المطبعة بممارسة مهامها خلال الأيام القادمة.

فقد تم تصميم هذا المشروع الوطني الكبير وتجهيزه بأكثر من 30 ماكينة بمختلف الأحجام والمواصفات الحديثة لتغطية كافة نواحي الطباعة الصحفية، والكتب، والقرطاسية والفواتير والمواد الإعلامية والملصقات وغيرها لتلبية الاحتياجات الفلسطينية، إنها ليست آلة تصوير إنها مطبعة وطنية شاملة.

الرئيس هو ربان هذا المشروع

كان للسيد الرئيس دور محوري منذ اللحظة الأولى للمشروع وحتى وصولنا لما نحن عليه الآن، كان داعماً وصديقاً ومسانداً في كل ساعة عمل، تابع التفاصيل مع إدارة المشروع وقدم النصح والتوجيه والإرشاد، كان حاضرًا ومشجعًا لفريق العمل والجنود المجهولين الذين واصلوا الليل بالنهار لتحويل هذا الحلم إلى صرح وطني يضاف للعديد من الإنجازات التي تفخر بها فلسطين.

حلم تحقق بسواعد وجهود فريق عمل إداري وفني وتشغيلي متكامل، اجتمعوا على إيمان وقناعة بأهمية النجاح وليس غير النجاح مهما كانت الظروف، ولم يكن لهذا الصرح أن يرى النور لولا المنحة التي قدمتها جمهورية الهند الصديقة، فلا بد من توجيه الشكر لجمهورية الهند الصديقة عى دعمها المستمر للشعب الفلسطيني، ودعمها بشكل خاص مشروع المطبعة الوطنية، كما يستحق الشكر كافة سفراء الهند لدى دولة فلسطين الذين ساهموا بالفعل في تسهيل كافة الخطوات، وعلى اهتمامهم الخاص بمشروع المطبعة.

ونجاح المشروع بتعاون كافة الشركاء من الوزارات والمؤسسات العامة وفريق القطاع الخاص والخبراء الذين عملوا في كافة مراحل المشروع، كل ذلك شكل نموذجًا للتعاون، وكل هؤلاء يستحقون الشكر على دورهم المميز وعلى كل جهد بذلوه.

الكل لم يبخل بأي جهد لإنجاح هذا المشروع وخاصة فريق العمل من دار “الحياة الجديدة”، ومن على هذا المنبر ندعو بالرحمة للأستاذ المرحوم ماجد الريماوي الذي مضى قبل أن يرى هذا الصرح الوطني ويحتفل بإنجازه مع باقي أسرة التأسيس.

المصدر: صحيفة “الحياة الجديدة”

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا