الرئيسيةمختاراتمقالاتلماذا تحيي اسرائيل جابوتنسكي وجداره الحديدي

لماذا تحيي اسرائيل جابوتنسكي وجداره الحديدي

بقلم: مهند عبد الحميد

منذ العام 2005 اصدر الكنيست “قانون زئيف جابوتنسكي” الذي يلتزم بإحياء ذكراه ومسيرته. وتتولى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مهمة إحياء الذكرى التي تصادفت هذا العام يوم 8 تموز الذكرى الـ 81 على وفاته. اشتهر جابوتنسكي بوضع عقيدة أو “استراتيجية الجدار الحديدي” التي تدعو الى فرض أكثرية يهودية في فلسطين باعتبارها “أرضا إسرائيلية” من خلال الهجرة والاستيطان اليهوديين، وبناء دولة يهودية تتحالف مع دول إمبريالية عظمى، وفي الوقت نفسه، يتم العمل على دفع العرب عموما والفلسطينيين خصوصا الى فقدان الأمل، بل والقضاء على أي بصيص أمل قد ينشأ حول هزيمة اسرائيل، وإخضاعهم لشرط وجود اسرائيل والوقائع المادية التي صنعتها على الأرض قبل التفاوض معهم، وسيكون التفاوض مع العرب على قاعدة علاقات تعاون وحسن جوار ومصالح متبادلة، أما التفاوض مع الفلسطينيين كسكان أصليين فيكون على عدم الطرد من البلاد وحقوق مدنية وتحسين شروط الحياة. وكل ذلك يأتي عبر بناء قوة عسكرية والحفاظ على التفوق العسكري الدائم المقرون بهيمنة سياسية. كان اليمين الصهيوني بزعامة بنيامين نتنياهو هو الأكثر حماسا لفكر جابوتنسكي، في الوقت الذي لم يتعارض اليسار الصهيوني مع مضمون عقيدة الجدار الحديدي، بل أخذ بها وجسدها على الأرض من الناحية العملية.
بعد 81 عاما على وفاة جابوتنسكي صاحب عقيدة الجدار الحديدي، أين الشعب الفلسطيني والدول العربية من هذه العقيدة؟ يمكن القول، “انه حدث اختراق إسرائيلي نوعي للاستراتيجية العربية المناهضة للجدار في هزيمة 67، وذلك عندما أقرت الأنظمة العربية بحق اسرائيل في العيش بأمن وسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها” المعبر عنه بقرار مجلس الأمن رقم 242 الناتج عن الهزيمة النكراء. ثم جاءت اتفاقات كامب ديفيد العام 1979 كإنجاز استراتيجي لعقيدة الجدار، تبعها اتفاقات أوسلو العام 1993 واتفاق وادي عربة مع الأردن العام 1994 ومؤخرا اتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وكذلك التفاوض السابق على الجولان مع سورية، والتفاوض غير المباشر راهنا مع لبنان على ترسيم الحدود. الاتفاقات المبرمة سجلت نجاحا لعقيدة الجدار. مقابل ذلك، لم يعترف الشعب الفلسطيني بالهزيمة ولم يستسلم، والاهم لم يفقد الأمل وبقي يقاوم مشروع الإقصاء الذي يشطب الحقوق ويهيمن على المكان وينهب الموارد ويغير المعالم الثقافية والحضارية والدينية ويمارس التطهير العرقي وينشر الاستيطان. استمر الشعب الفلسطيني في صراع البقاء وارتقى به الى مستوى انتزاع الحق في تقرير مصيره باعتراف ودعم ومساندة أكثرية دول وشعوب العالم. بقيت شعلة الأمل تضيء دروب البقاء والصمود والتحرر والعودة برغم العتمة التي خيمت على المشهد عبر الاتفاقات المذكورة. يكفي القول، ان قرية العراقيب في النقب هدمتها السلطات الإسرائيلية 188 مرة، وأعيد بناؤها 188 مرة والحبل على الجرار، الهدم والبناء له مغزى كبير في صراع البقاء والتحرر. الشيء نفسه ينطبق على إضراب 18 أيار 2021 الذي توحد عبره الكل الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، ذلك الإضراب الذي تغلب على الجغرافيا الاستعمارية التي استهدفت تفكيكه، معلنا حضوره الموحد على الملأ.
هبة القدس لعبت دور المايسترو الذي أتاح مشاركة الضفة بهبة شبابية امتدت في سائر مواقع التماس مع سلطات الاحتلال، وأتاح دخول صواريخ ومدافع غزة على خط المواجهة الشعبية مع سياسة الضم والإقصاء والحصار الإسرائيلية، كما أتاح دخول الشتات الفلسطيني. هؤلاء جميعا تحدوا المحو وعقيدة الجدار الحديدي في اكثر حلقاته شراسة وخطرا ممثلة بصفقة القرن التي صاغها مستعمرون إسرائيليون وفريق كوشنير- ترامب، هؤلاء جميعا توحدوا في مواجهة صناعة اليأس وأحدثوا شقوقا سياسية ومعنوية في جدار جابوتنسكي.
لم يكتف جابوتنسكي بالتفوق العسكري وصناعة الوقائع المادية ومحاولة تدمير الأمل الفلسطيني والعربي الرسمي والشعبي. بل سعى الى إشراك الثقافة في الصراع، ثقافة تطوير الأساطير الدينية التوراتية التي تتحدث عن حق تاريخي مطلق لليهود في فلسطين، وتقديمها باعتبارها واقعا تاريخيا، أو كما يقول شلومو ساند “صار التناخ كتاب تاريخ موثوقا يرسم ولادة أمة، بما يتناقض مع هستوغرافيات ما بعد صهيونية، وإنجازات علوم الآثار، وأبحاث تاريخية قديمة ونظريات عصرية في بحث الأمة والقومية”. واقع الحال تجندت الثقافة الصهيونية في الدفاع عن الأساطير المؤسسة للمشروع وفي بناء الدولة والهوية كما دعا الى ذلك جابوتنسكي. والأخطر من ذلك عملت الثقافة الصهيونية الإسرائيلية بمختلف عناصرها على تهميش ومحو حقوق الآخر الفلسطيني وذلك من خلال استبدال الشرعية الدولية والقوانين المؤسسة لها بالشرعية الدينية والأساطير المؤسسة لها. ورغم انفراد دولة اسرائيل في إنكار الشرعية الدولية والقانون الدولي في كل ما يتعلق بصراعها مع الشعب الفلسطيني، إلا ان الأمم المتحدة ودولها العظمى وقفت وما زالت تقف عاجزة أمام الإنكار الإسرائيلي للشرعية الدولية، ولحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على جزء من أرض وطنه، وحق اللاجئين في العودة، وحق الأسرى في تطبيق القانون الدولي عليهم.
في الوقت نفسه، بدأ يبزغ أمل عنوانه التجرؤ على الابتزاز الإسرائيلي الذي يتعامل مع كل نقد للسياسة الاستيطانية والعنصرية الإسرائيلية باعتباره موقفا معاديا للسامية ولحق اسرائيل في الوجود. إن رفض الابتزاز الإسرائيلي والثقافة الحصرية الإسرائيلية الموغلة في الأساطير يأتي من قبل بعض الدول والكثير من المنظمات والحراكات الاجتماعية ومجموعات من الأكاديميين والفنانين والمثقفين في سائر أنحاء العالم. هؤلاء شقوا طريقا منحازا للعدالة وحقوق الإنسان، ومفعما بالأمل بعكس دول عظمى تساعد في إطفاء الأمل وتكريس الخضوع للابتزاز الإسرائيلي. الصراع، الآن، بين ثقافة جابوتنسكي الثقافة الإسرائيلية السائدة التي تنتصر للأساطير ولا تعترف بالآخر إلا بوصفه خانعا وذليلا ومستسلما لإرادة المستعمرين الإسرائيليين. وثقافة حق تقرير المصير لكل الشعوب دون استثناء، ثقافة منظومات حقوق الإنسان والعدالة ومناهضة الحرب والهيمنة والعنصرية. كم تبدو الثقافة الأولى ثقافة جابوتنسكي رجعية وعنصرية واستعمارية، في مقابل ثقافة الحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، ومن حسن الحظ ان الثقافة الفلسطينية كانت جزءا لا يتجزأ من ثقافة الحرية رغم ما اكتنفها من شوائب عديدة.
كانت إدارة ترامب اكبر داعم للجدار الحديدي وثقافته، وكانت اتفاقات التطبيع السابقة واللاحقة اكبر سند لثقافة الجدار، كذلك فإن كل قمع او تخلف او تزمت او تبعية أو تهافت سياسي وامني في السياسة الفلسطينية يعتبر اهم سند لثقافة الجدار الحديدي.
Mohanned_t@yahoo.com

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا