الرئيسيةمختاراتمقالاتالوطنية والمواطنة.. وأبو زايد وساق الله

الوطنية والمواطنة.. وأبو زايد وساق الله

بقلم: موفق مطر

انكشفت حقائق وباتت ثابتة لا تحتاج لبراهين إضافية لتأكيدها، فالمواطنة، والحقوق والحريات والالتزام بالقانون عند البعض لا تخضع للمزاج ومكاسب اللحظة وحسب، بل مجتثة من أرضية المبادئ والقيم، فممتهنو الرقص على حبال الوطنية وواجباتها ومتطلباتها باتوا ولا أبرع في استثمار المآسي الفردية والجمعية وحتى الوطنية الشاملة، والتكسب منها لدرجة أن القضية عندهم باتت مجرد سلعة يزجونها في مزادات محلية وإقليمية ودولية.

أسقطوا بأيديهم أوراق التوت والتين وحتى الزيتون، ولم يبق لديهم ما يسترون به عوراتهم، حتى الذي لم يقصد بلوغ ذروة الوقاحة في التعري والتجرد، كانت موجة ضوء- وليست موجة ماء أو هبة ريح– خلال أحداث الأيام القليلة الماضية كفيلة بتمييع لاصقها البدائي.

المواطنة عند هؤلاء عوراء، حتى العين الصحيحة للإبصار والحاسة الضرورية للرؤية مصابة بالزيغ، أو أن بعضهم قد سلّحها بعدسة لاصقة، مستوردة خصيصا لرؤية أمور وأحداث البلد المحلية، ولاستطلاع تطوراتها وتداعياتها بفهلوة قل نظيرها في فضائيات الرأي الآخر الذي ثبت لنا أنه مجرد انعكاس للرأي الأول من مرآة مخادعة للبصر والبصيرة.

المواطنة عندهم جعجعة، يطحنون الأمور والأحداث والقضايا برحى العبثية والعدمية ويصبون عليها زيت الشعارات والهتافات الحارق لنسيج المجتمع وخيمة الوطن، يعرفون أن العقلانية تتطلب الحوار والنقاش بموضوعية، والمعالجة بحرص وإخلاص، لكنهم يتجهون لإحراق الصواري بدافع هوس يمتلكهم، أو مدفوعين.

تمتد ألسنتهم حاملة بكتيريا الاتهامات المسمومة، وينشرون رذاذ الكراهية والعدائية والتخوين والتكفير في كل اتجاه، ويمنحون أنفسهم صلاحية منح أوسمة بطولة وصكوك غفران وتذاكر سفر إلى الجنة لهذا المواطن، ويطوقون ذاك بجدران الخيانة والعمالة للعدو ويقررون مصيره إلى الجحيم، لا لسبب وإنما لأنهم لا فكرة لديهم عن الوطنية إلا بما أملته عليهم شياطينهم.

الوطني وحدوي، لا يغلب مصلحة الفصيل على الوطن وإذا بلغ عنده الاعتزاز بانتمائه الفصائلي وفضله على الوطني– رغم أن الخلل في هذا- فإنه يمتنع عن السقوط في مستنقع الحال الانفصالي، أملا في يد وطنية تنقذه، ويمضيان معا.

الوطني لا يفرق بين إنسان وآخر في الوطن، فالجميع عنده متساوون في القيمة، الصغير كما الكبير، لا يميز على أساس الجنس أو الدين، أو اللون، لا حدود عنده إلا حدود الدولة، لا يقر بالانتماءات الجهوية، لأنها ممر الأعداء الخفي لولوج قلعة الوحدة الوطنية، يؤمن ويحرص على تصويب وتذويب الانتماءات العشائرية والعائلية لتصب في بحر الانتماء للوطن، حيث أفراد الشعب سواسية، لا تفريط بكرامة أحد، ولا بحقه في الحياة والحرية والتعبير عن آرائه وأفكاره غير مضطر أو مكره، ولقيمته الإنسانية معيار واحد، مفتوح على الآفاق بلا حدود، وما سيادة القانون والعدل إلا لحفظ هذا الحق المطلق، ما دام المرء حافظا لحقوق الآخرين ومحترما قيمة الآخر الإنسانية، وروحه المقدسة، وأفكاره النبيلة بذات القدر من الاحترام الذي يحب أن يناله من الآخر سواء كان فردا أو سلطة إنفاذ القانون.

للتذكير: انفجار ضخم ومدمر في سوق الزاوية في مركز مدينة غزة يوم الخميس الماضي بسبب عبوات ناسفة كبيرة الحجم كما أفاد بيان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أما المواطن عطا أحمد عبد الرحمن ساق الله، 68 عاماً، فكان ضحية الانفجار وإلى جانبه 14 مواطنا ستة منهم أطفال أصيبوا بجروح، وفيما دماء الضحية الأولى لم تجف بعد، أطلق مسلحو حماس النار في منطقة حي التفاح شرقي مدينة غزة، فقتلوا الشاب حسن محمد أبو زايد ٢٧ سنة.. لكن!!

لم تنظم المظاهرات مطالبة بنصب ميزان العدالة، لم يتم طلب لجان تحقيق دولية، ولم… ولم، والسؤال هنا: أليس أبو زايد وساق الله مواطنين؟! أم تراهما شخصين على باب الله لأنهما قتلا في ظل سلطة قمع وقهر وجريمة وانفصال؟! أما الحقيقة الأمر من العلقم، فهي أن المواطنة للأسف باتت عند البعض (الصامت) ثوبا يلبسونه ويخلعونه بأوامر، فيما المواطنة في أصلها قلب وعقل وفكر وعمل وفعل وحواس وبصيرة ورؤية وحرية وحق وجمال وكرامة وعدل ومساواة.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا