الرئيسيةمختاراتمقالاتداعش إسرائيل ... تنظيم كاخ الإرهابي

داعش إسرائيل … تنظيم كاخ الإرهابي

بقلم: دكتور محمد عمارة تقي الدين

إن الغوص في أكثر مستويات التحليل عمقاً هو أمر من شأنه أن يخبرنا، أن النمط الإدراكي المهيمن والمُسيطر على أذهان أغلبية المتدينين داخل الكيان الصهيوني في لحظته الراهنة، والمُشكِّل لوجدانهم الجمعي نحو العرب عامة والفلسطينيين خاصة، هو باعتبارهم نفايات بشرية سامة، أو حشرات ضارة يجب التخلُّص منها بأسرع وقت: إبادةً أو تهجيرًا.

فوجودهم، وفقًا لقناعات هؤلاء المتدينين، هو أمر من شأنه أن يحول دون تحقق حلم الخلاص وعودة المسيح اليهودي المُخِّلص، ومن ثم إقامة مملكة الرب وفردوسه الأرضي الذي يحيا فيه اليهود وحدهم، بعد أن تتم عملية إبادة أعداء اليهود إبادة تامة في معارك آخر الزمان.

ومن هذا المنطلق، وتأسيسًا على هذا التصور وتلك القناعة، فإن الغالبية العظمى من المتدينين الصهاينة داخل الكيان الصهيوني يرون أن ” العربي الجيد هو العربي الميت”، وأنه لا خلاص بمفهومه الديني طالما ظل الوجود العربي في فلسطين، ومن ثم يتحتم إنهاء هذا الوجود العربي بأية طريقة كانت، فكل الوسائل مباحة.

وهو أمر يجعل من المستحيل التوصل لتسوية عادلة للصراع العربي الصهيوني، في ظل احتمال قوي بانقضاض هذه التيارات الدينية على سدة الحكم داخل الكيان الصهيوني بشكل كامل، وهو الانقضاض الذي بدأت ملامحة في التبدِّي في الآونة الأخيرة.

وسنحاول في هذه الدراسة إضاءة واحدة من المنظمات الصهيونية الإرهابية ذات القناعات الدينية الموغلة في عنصريتها، وهي منظمة كاخ، تلك التي أسسها الحاخام “مائير كاهانا” عام 1971م، فهي منظمة إرهابية تؤمن بالعنف في حده الأقصى باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافها، لذلك فقد ارتكبت العديد من العمليات الإرهابية ضد العرب، مما أثار موجة استياء عالمية، والتي على إثرها تم حظر المنظمة في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

وكلمة كاخ هي كلمة عبرية تعنى ” هكذا ” ، وهي تعليق على شعار الحركة، وهو عبارة عن يد تمسك بالتوراة، ويد أخرى تمسك بالسيف، ومكتوب تحته كلمة “كاخ” ، أي أنه هكذا، وبهذا الطريق وحده، والذي يجمع بين التوراة والسيف، أي بالعنف المتأسس على قناعات دينية ستتحقق الأحلام في إقامة دولة إسرائيل الكبرى، والتي تمتد لديهم من النيل إلى الفرات، فشعار الحركة، في حقيقة الأمر، يعبر عن أيديولوجيتها الإرهابية ذات النزعة العنصرية خير تعبير، ويفضح خاصية التوسع والتمدد السرطاني النائمة في عمق الفكر الصهيوني.

وعلى هذا الأساس، وانطلاقًا من تلك الرؤية، يرى كاهانا أن دولة إسرائيل ليست مجرد كيان سياسي، بل هي كيان ديني تحقق بمشيئة الرب، لذلك لا توجد قوة في هذا العالم- وكما يدعى – تستطيع تدميرها أو منعها من التوسع.

فالتاريخ في رأيه ووفق قناعاته يتمركز حول المشروع الصهيوني وحده ويندفع باتجاهه لكن في ثوبه الديني، رافضاً الصيغة العلمانية من الصهيونية، إذ يسير وفقًا لخطة جبرية مرسومة ومحددة سلفًا، ستتحقق في نهايتها دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، في تلك اللحظة سيجرى تنحية العلمانيين الصهاينة جانباً، فقد انتهى دورهم في تلك المسيرة المقدسة، إنهم (حمار المسيح) بمفهومه الديني الذي سيحمل المسيح لمقصده دون وعي منه، وهنا وعند هذا الحد ينتهى دوره.

بل ويهاجم الديمقراطية باعتبارها فكرة وآلية اخترعها الأغيار،غير اليهود، وأن اليهود لا يصلح معهم سوى تطبيق الشريعة اليهودية، التي لن ينصلح حال اليهود إلا بها، وبها وحدها، بحسب زعمه.

وإذا ما تمعنّا برنامج الحركة، سيتضح لنا جلياً مجمل فكر الحركة، وهو يرتكز على عدة محاور هي:-

أولاً: حدود دولة إسرائيل هي من النيل إلى الفرات.
ثانياً: طرد العرب من كامل إسرائيل والتوسع في عمليات الاستيطان هو أمر غير قابل للمساومة.

ثالثاً: القدس هي ملكية خاصة لليهود وحدهم، ومن ثم يجب تدمير المقدسات الإسلامية بها لتعود يهودية خالصة.

ومن أجل تحقيق هذا البرنامج، قامت الحركة بالعديد من العمليات الإرهابية ضد العرب، حيث ضمت في داخلها العديد من التنظيمات الإرهابية المتخصصة في هذه الأعمال، ومنها: تنظيم ” تاناخ” وهو تنظيم شبابي للتدريب على الأعمال العسكرية وكيفية استخدام السلاح لقتل الفلسطينيين، وتنسب لهذا التنظيم العديد من العمليات الإرهابية ضد العرب، كذلك منظمة ” دولة يهودا”، ومنظمة ” الإرهاب ضد الإرهاب “، ومنظمة “حملة الخناجر” .

أحد المؤشرات التي تدل على انزلاق المجتمع الصهيوني نحو أقصى التطرف، هو انتخابه كاهانا عام 1984م ليصبح عضوا في الكنيست، رغم كل ما يقوم به هو ومنظمته من عمليات إرهابية.

بعد مقتل المؤسس مائير كاهانا، انقسمت الحركة إلى حركتين رئيسيتين هما: حركة “كاخ” وحركة ” كهانا حى”، وبسبب امتعاض الرأي العام العالمي من المجازر التي قام بها أعضاؤها ضد الفلسطينيين تم حظر أنشطة الحركتين وإعلانهما كمنظمتين إرهابيتين.

غير أن من يعتنقون الأيديولوجية الكاهانية لا يزالون يتواجدون بقوة داخل إسرائيل وخارجها، ويعبرون عن أنفسهم وعن فكرهم المتطرف سواء بحراك على الأرض(عمليات إرهابية) أو عبر وسائل الإعلام المختلفة(تحريض على العنف).

ولك أن تعلم أن باروخ جولدشتاين مُرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي ضد المصلين عام 1994م، هو من المنتمين لتلك الحركة، تلك المجزرة التي راح ضحيتها تسعة وعشرون شهيداً، غير مئة وخمسين مصاباً، وذلك بدم بارد، حيث أطلق النيران عليهم أثناء أدائهم لصلاة الفجر.

بين يديّ الآن أحد مؤلفات مائير كاهانا، هو كتاب “شوكة في عيونكم”، والذي يخلع فيه على العرب كل صفات الشيطان، ومن ثم دعا فيه إلى ضرورة الترحيل الفوري للعرب من أرض إسرائيل، إذ يقول: ” ليس هناك إمكانية للتعايش السلمي بين الطرفين”, فهم في نظره ” قنبلة موقوتة ” وسوف تنفجر في الدولة اليهودية في أية لحظة.

كذلك فهو يؤكد على أن طرد العرب هو عمل مقدس وواجب ديني، فيقول: ” إن فكرة إبعاد العرب من إسرائيل ليست مجرد نظره شخصية، وبالطبع ليست نظرة سياسية، بل نظرة يهودية تعتمد على تعاليم دين التوراة.. إن طرد كل عربي هو واجب ديني”.

ويقول أيضا: ” بدلًا من أن نخشى ردود فعل الغرباء إذا فعلنا ذلك، يجب أن نرتعد خوفًا من غضب الله إذا لم نفعل ذلك ونطرد العرب بأنفسنا “.

وهي أفكار عنصرية موغلة في عنصريتها ونزوعها نحو العنف والإرهاب، ولا تحتاج لمزيد من شرح أو تعليق.

ومما يجدر ذكره هنا، أن أحد أحفاد الحاخام مائير كاهانا، وهو مئير إتنجر Meir Ettinger، يُعد واحدًا من غلاة المتطرفين في إسرائيل في الوقت الحالي، حيث يسير على نهج جده لأمه، ومن ثم يطلقون عليه لقب (شبح مائير كاهانا)، إذ يدعو للعنف ويشرعنه كوسيلة لتحقيق غايتين بحسب زعمه: الأولى وهي الخلاص من العرب، والثانية وهي إسقاط الحكم الإسرائيلي الحالي الذي يرى أنه حكم علماني كافر، ومن ثم إقامة إسرائيل التوراتية على أنقاضه.

ووفقًا لرؤية إتنجر يجب أن يتصاعد العنف ويتأجج الصراع ليبلغ ذروته حتى تنهار الحكومة الإسرائيلية وتُخلق حالة من الفوضى، ومن ثم يمكن إقامة نظام حكم جديد منبثق عن الشريعة اليهودية، ولأجل هذا الهدف يجب العمل على هدم المؤسسات القائمة وإقامة مؤسسات جديدة، وهو يبدو متأثرًا بشكل كبير بأطروحات الأناركيين ودعاة الفوضى الخلاقة، غير أنه مزجها بنبوءات نهاية العالم بنسختها الدينية.

يرى أنه يتحتم تطهير كامل “أرض إسرائيل” من (الذين يعبدون الأصنام)، وهو يقصد المسيحين والمسلمين، إذ يعتبر ديانتهم ديانية وثنية، وأن وجودهم بتلك الأرض هو أمر من شأنه الحول دون الانخراط في عملية الخلاص.

وقد تم القبض عليه إثر اتهامه في قضية إحراق عائلة الدوابشة الفلسطينية في عام 2016م، إذ مات أربعة أفراد من الأسرة حرقًا، من بينهم طفل عمره عام ونصف، وكانت تلك الحادثة مثار اهتمام العديد من الصحف العالمية.

والجدير بالذكر أن عمليات إحراق منازل الفلسطينيين من قبل المستوطنين الصهاينة هي عملية متواترة الحدوث، إذ تتسق مع ما سبق طرحه من قناعات لدي هؤلاء المتشددين، بل تجد لها تأصيلًا فقهيًا حول آلية تنفيذها لدى هؤلاء، فها هو المتطرف الصهيوني المتماهي مع الفكر الكاهاني، موشيه أورباخ (Moshe Orbach) ، وهو من سكان بنى باراك، يضع كتيبًا بعنوان ” ملكوت الشر ” (The Kingdom of Evil) ، يقدم من خلاله برنامج عمل لكيفية إحراق العرب في منازلهم، إذ يقول: ” عليك أن تذهب للقرى العربية وتبحث عن منازل العرب مسلمين ومسيحيين، وتكسر الزجاج أو الشبابيك أو الأبواب، وتقذف بالمولوتوف داخله، ولكي تتجنب هرب سكانه قبل احتراقهم أشعل مدخل المنزل هو الآخر، لكي توقع أكبر عدد من الإصابات الكبيرة فيما بينهم، ويمكن أن تضربهم على رأسهم لكي تمنعهم من الهرب فيفقدوا وعيهم ويحترقوا في النيران “.

وهو ذات السيناريو الذي تم به إحراق منزل عائلة الدوابشة، لذا أشارت أصابع الاتهام إليه وللمجموعة الإرهابية التي ينتمي إليها، والتي يطلق عليها (العصيان)، والجدير بالذكر أنه كان قد سبق القبض على موشيه أورباخ من قبل بتهمة إحراق إحدى الكنائس، ومنازل أخرى تمت كتابة عبارات عنصرية على جدرانها، مثل: غادروا (Leave) والموت للعرب (Death to Arabs).

وبالعودة إلى إتنجر، فقد وجَّه خطابًا للمحكمة التي مثل أمامها بتهمة إحراق منزل الدوابشة، قال فيه:” لقد منعتموني من الوصول إلى بيتي، والمكان ليس لكم، ولكنه للنبي يعقوب، مالك أرض إسرائيل، ومنعتموني من العودة إلى منزلي في القدس، والقدس ليست لكم، فهي مقر الهيكل، هذه الحكومة ــــ حكومة إسرائيل ــــــ هي ضد التوراة وضد وصايا الرب”، وهو خطاب يُجسد مجمل رؤيته الدينية وقناعاته العقائدية المتمركزة حول أحقية المتطرفين اليهود بالأرض، وبالتالي شرعية إبادة كل من عليها من غير اليهود.

إذ يدعو إتنجر، الذي يسير على نهج جده مائير كاهانا، لإقامة حكم يهودي وخلافة يهودية خالصة على منهاج التوراة، تماماً كما تدعي داعش، مما دفع البعض لإطلاق لقب (أمير داعش إسرائيل) عليه.

والجدير بالذكر أنه قد وُجِّهت اتهامات صريحة للسياسي والمتطرف الصهيوني أفيجدور ليبرمان بأنه كان عضواً سابقاً في هذا التنظيم الإرهابي.

وفي التحليل الأخير، تبقى كلمة مفادها: أن ما يرتكبه الصهاينة من أعمال إجرامية ضد الفلسطينيين، هي في كثير منها ذات دوافع ومنطلقات دينية تأسست على قراءات خاطئة ومتعسفة ومقتطعة ومجحفة للنصوص الدينية، لكنها تبقى، في التحليل الأخير، قراءات مُتعمَّدة، إذ جرى صبغها عمداً بلون الأيديولوجية الصهيونية.

إذ تنطلق من تفسير حرفي جامد ومنحرف ومؤدلج لكثير من تلك النصوص باقتطاعها من سياقها التاريخي ومحاولة إسقاطها على الواقع الحالي قصراً، وهو واقع مغاير تماماً للواقع الذي نزلت به تلك النصوص وجاءت استجابة لمفرادته، وتماشياً مع حيثياته على الأرض في محاولة لتقويم اعتلالاته وتجاوز إكراهاته لتسمو به بما ينسجم ودعوة السماء، غير أن ذلك لم يحدث، بل ما حدث هو العكس تماماً.

والخطأ في ذلك أن هذا الفهم العنصري يبدأ من أيديولوجيا فكرية ما متجهًا إلى النص ليبحث عما يعضد أيديولوجيته تلك، فاليهودي المتطرف المعاصر يقرأ هذه النصوص على ضوء أيديولوجيته التي تكونت مسبقًا، ومن ثم يُسقطها على واقعه، فالنص المقدس، لديهم، هو الذي عليه أن يُأقلم ذاته مع الأيديولوجية المتطرفة ويخضع لسلطانها وليس العكس، وهي جريمة بحق النصوص المقدسة يجري ارتكابها من قبل جماعات التشدد في كل الأديان ولا تقتصر على أتباع الصهيونية الدينية وحدهم.

من هنا تتخذ فتاوى التشدد اليهودي مساراً واحداً ومركزياً، هو: تشويه وشيطنة الفلسطينيين جميعهم باعتبارهم أحفاد العماليق، وهم، أي العماليق، الأعداء التاريخيون لليهود الذين دعت التوراة لإبادتهم.

في حين أنه كان يجب النظر إليهم باعتبارهم أعداء حقبة تاريخية مرت وانقضت، بل يجرى استدعاء تلك النصوص وإعادة تأويلها، وفق أيديولوجية هؤلاء، ليتخذ العداء مع العرب وضعية أزلية/أبدية، مؤكدين أن كل زمان وله عملاقه الخاص به والذي يتحتم القضاء عليه، وأن العرب هم بالضرورة عماليق هذا العصر.

ومن ثم، فهي قناعات بلون الدماء تضرب بجذورها عميقًا في الوجدان الصهيوني، لتشكل وعيه الجمعي، وتنتشر بين سكان الكيان الصهيوني انتشار النار في الهشيم كمقولة تأسيسية، ومن ثم تنتقل للفعل والممارسة، وهي قناعات من شأنها الدفع نحو مزيد من القتل للعرب، والمزيد من تفريغ الأرض من أهلها، ومن ثم إحلال صهاينة محلهم، عبر إضفاء تبريرات دينية زائفة على تلك الممارسات لتكتسب قداسة زائفة.

ومن ثم يبدو الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، بكل بشاعاته وجرائمه ضد الفلسطينيين، وكأنه أمر إلهي وفرض ديني يتحتم الامتثال التام له من قبل الأتباع في خشوع وإذعان، بل والذهاب فيه إلى حده الأقصى كماً وكيفاً، لتفريغ الأرض تمامًا من أهلها: قتلاً أو تهجيراً، ومن ثم توطين الإرهابيين الصهاينة مكانهم، وفق استراتيجية: التفريغ والإحلال التي كثيراً ما تحدث عنها الدكتور عبد الوهاب المسيري.

الملاحظة المركزية هنا، أن تلك الممارسات الإجرامية بحق الفلسطينيين تتصاعد بمرور الوقت، كنتيجة مباشرة لما يوفره النظام الدولي المنحاز للكيان الصهيوني من حماية لهؤلاء، عبر منع صدور قرارات دولية رسمية من شأنها إدانة هذا الإرهاب الصهيوني، في ظل وجود آلة إعلامية صهيونية هائلة توجه خطابها بلغات عدة، ولديها المقدرة على أن تصور المجرم كما لو كان هو الضحية.

 

 

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا