بينت كان هشًّا

بقلم: عمر حلمي الغول

الزعامة لا تصنعها المواقع الرسمية، إنما الذات الشخصية، الحضور والكاريزما والقدرة على مخاطبة الآخر، مطلق آخر في الداخل أم في الخارج. كما أنها (الزعامة) لا تشترى، ولا تباع في أسواق السياسة، ولا تمنحها الشعارات الكبيرة والغوغائية رصيدًا، ولا تصنع لها الحملات الإعلامية الباهتة والمفتعلة أرجل وأقدامًا، لأن مكامن القوة تختزنها الذات الفردية، وهي التي تعطي المكان والزمان والموقع الوظيفي قيمته وأهميته.
في محاولة قراءة حضور نفتالي بينت على رأس حكومة التغيير الإسرائيلية، وبالعلاقة مع القيادات الإقليمية والدولية، تبين بالعين المجردة، أنه ما زال غضًا، ولا يعدو أكثر من موظف لعبت الصدفة المحضة توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وهنا لا أناقش إن كان له ستة أعضاء او أكثر في الكنيست، لأن الزعامة لا علاقة لها بعدد المقاعد، ولا بالجعجعة، إنما بالقدرة الذاتية والمَلَكات الخاصة، التي تسمح له بتبوء مكانة الزعامة.
ما تقدم عميق الصلة بخطاب نفتالي بينت، رئيس وزراء إسرائيل لأول مرة على منصة الأمم المتحدة مخاطبًا ممثلي الوفود القليلة، التي تجرعت الحضور تزلفًا أو مرغمة لأسباب نعرفها جميعًا. وتبين أن حضوره كان باهتًا وهشًا ومخيبًا لحلفائه في الائتلاف الحكومي، وفي أوساط حزب الصهيونية الدينية والمجموعات المتطرفة الأخرى والمجتمع الإسرائيلي عمومًا.
كان خطابه فاشلاً بامتياز، لماذا؟ أولا لأنه لم يتمكن من مواجهة التحدي الأبرز، والمعضلة الأهم في تاريخ دولة المشروع الصهيوني الاستعمارية، أي القضية الفلسطينية، والتي قامت الدولة المشروع ذاتها على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وما زالت هذه القضية وشعبها عنوان الصراع الأخطر مع الدولة والمشروع الصهيوني على حد سواء. ولا يمكن لا الملف الإيراني ولا الملف الداخلي ولا التطبيع المجاني المذل لبعض العرب أن ينقذ إسرائيل الفاشية من أم الأزمات ومقصلة التاريخ. وعدم تعرضه للقضية الفلسطينية وحل ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بكلمة واحدة ولو سهوًا، ليس نتاج تجاهل، أو ارتباطاً بالبعد الأيديولوجي الصهيوني المتطرف، إنما لأنه لا يملك جوابا نهائيا، ولا حتى نصف جواب أو بعض الجواب، وأيضًا خشية وخوفًا من التورط بنقل الخلاف الشكلي مع الإدارة الأميركية إلى العلن حول موضوع حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، هذا من جهة، وخشية وخوفًا من أقرانه في الائتلاف الحكومي في حال زل لسانه بكلمة طالعة أو نازلة أن يفرط عقد تحالفه، الذي تغنى به أمام منصة الجمعية العامة في دورتها الـ76 من جهة أخرى.
كما أنه لم يستطع حتى شكر الإدارة الأميركية ورئيسها جو بايدن على ما تضمنه خطابه أمام المنصة الأممية الأولى بتركه باب ترجمة خيار حل الدولتين مفتوحًا، وهو ما يعني منح حكومة بينت/لبيد ضوءًا أخضر لمواصلة الاستيطان الاستعماري في الأرض الفلسطينية العربية، وبالتالي تدمير العملية السياسية.
ثانيًا أضف إلى أن تركيزه على الملف النووي الإيراني كان هروبًا، وشكلاً من أشكال ذر الرماد في عيون المعارضة الإسرائيلية، التي يقودها الملك الفاسد نتنياهو، لدرء حملتها الإعلامية عليه، وللتأكيد أن حكومته تملك الإرادة والقرار للتصدي لهذا الملف وحدها. وهذا لا يمت للحقيقة بصلة، لأن بينت ولبيد وساعر وغانتس وليبرمان وشاكيد يسبحون بحمد الإدارة الأميركية، ولا يقوون على الخروج عن طاعتها، وهذا ما عابه عليهم زعيم الليكود أكثر من مرة، وحتى بعد إلقاء الخطاب المهزلة.
ثالثاً كما أن تركيزه على الوضع الداخلي وإئتلافه الحكومي كان مربكاً ومشوشاً، ليس لأنه توقف أمامه، فهذا حق ومشروع ومن المنطقي تعرض رؤساء الدول والحكومات ووزراء خارجياتها لأوضاع شعوبهم ودولهم، والأزمات، التي يواجهونها. لكن بينت أراد أن يوحي، أنه يقف على رأس تحالف قوي، وهو يعلم علم اليقين، أن تحالفه واقف على شعرة واحدة شفافة أكثر من ورقة السيجارة، وأقل هبة هواء تطيح بها.
يعلم القاصي والداني، أن اللقاء الأول عادة يرسم ملامح ومكانة هذا الإنسان أو ذاك، النتيجة أن الموظف الصهيوني المتطرف سقط في الاختبار، ولم يحقق في وقوفه أمام أعلى وأهم منبر أممي المكانة التي يريدها، فخرج خاسرًا داخل وخارج دولة إسرائيل الفاشية، وأمام الموالاة والمعارضة.

المصدر: الحياة الجديدة

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا