المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

زيارة فلسطين اليوم أولى يا غوتيريش وهزيمة “الناتو” في أوكرانيا محسومة

بقلم: رامي الشاعر*

أرسل الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، رسالتين إلى الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، يطلب فيهما استقباله في كل من موسكو وكييف.
وأعلن الناطق باسم الأمين العام عن رسالتين منفصلتين إلى الرئيسين بهذا الصدد، حيث دعا غوتيريش إلى وقف القتال في أوكرانيا لمدة 4 أيام، والسماح بممرات إنسانية بالتزامن مع أسبوع الآلام، الذي يحييه المسيحيون، مضيفا أن الأمم المتحدة مستعدة لإرسال قوافل إنسانية إلى المدن الأوكرانية، حال التوصل إلى هدنة بمناسبة عيد الفصح.
من جانبه، كان المستشار الألماني، أولاف شولتز، قد صرح منذ بضعة أيام، في أعقاب اتصاله بزعماء غربيين، بأنه “لا يجوز” السماح بانتصار الجيش الروسي في أوكرانيا، حيث أعلن شولتز عن اتفاقه مع شركائه في الاتحاد الأوروبي و”الناتو” بأن روسيا لا يجوز أن تحقق انتصارا في هذه الحرب، داعيا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى التوقف عن “قصف المدن الأوكرانية” و”إعلان هدنة” و”سحب الجنود”. لكن المستشار الألماني، في الوقت نفسه، أضاف أن “الناتو” لن يتدخل في النزاع مباشرة، وأنه من الممكن تقديم مساعدات مالية لأوكرانيا بقيمة 50 مليار يورو في إطار مجموعة الدول السبع الكبرى.
تعني الترجمة العملية لهذه التصريحات ما أسلفنا وطرحناه في مقالات سابقة عن اعتزام “الناتو” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية خوض حرب ضروس ضد روسيا انطلاقا من الجبهة الأوكرانية، وحتى آخر جندي أوكراني، كما تعني أن غرض الولايات المتحدة من الصراع الدائر هو التضحية بأوروبا ككبش فداء، حتى آخر مواطن أوروبي، من أجل أهداف جيوسياسية واستراتيجية أمريكية لن تسمن أو تغني من جوع أي من دول القارة العجوز، التي يبدو أن الشلل أصاب دماغها قبل أن يتمكن من أدواتها السياسية، ويدفع بها نحو الهاوية التي تتابع السقوط فيها بسرعة مرعبة.
إن ذلك التصريح وما يشبهه من تصريحات عنترية لمسؤولي “الناتو” يؤكد على أن روسيا، خلال خوضها العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، تواجه حربا ضروسا من دول “الناتو”، التي تسعى إلى “هزيمتها” على الأراضي الأوكرانية، وهو الهدف الاستراتيجي الذي وضعته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في “الناتو” على مدى العقود الثلاث الأخيرة، ولا يعبر تصريح المستشار الألماني شولتز، إلى جانب فتح مخازن سلاح “الناتو” على مصراعيها من أجل أوكرانيا، وتمريرها عبر بولندا، سوى عن محاولة بائسة لإنقاذ مخططات “الناتو” لتحويل أوكرانيا لأكبر قاعدة عسكرية برية وجوية وبحرية للحلف ضد روسيا، وهي المحاولات التي تحطمت ولا زالت تتحطم على صخرة نجاح روسيا في تحطيم البنى التحتية التي عكف “الناتو” على بنائها طوال الثمان سنوات الماضية.
ومع استمرار العملية العسكرية، وتحطيم المزيد من البنى التحتية العسكرية في أوكرانيا، ونزع سلاح الدولة المعادية لروسيا والمهددة للأمن القومي الروسي، أوكرانيا، تتحطم أوهام الغرب في تحويل روسيا إلى دولة غير نووية خاضعة بالكامل للإملاءات الغربية والأمريكية، والسيطرة التامة على مواردها الاقتصادية ومقوماتها الجغرافية وبذا شطب تاريخ وإنجازات وثقافة ووجود الأمة الروسية، في متابعة لما اعتمدته مناهج دراسية في كثير من الدول الغربية بشأن تاريخ الحرب العالمية الثانية، وكذلك التوجه للمساواة بين النازية والشيوعية، وما سمعناه ونسمعه من تزييف للتاريخ وتهميش لدور الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية، التي دفعت فيها الأمة السوفيتية بكل ما تضمه من شعوب زهاء 26 مليون إنسان.
قد يتمكن المرء من تفهم أجيال جديدة لم تعاصر الحرب، ولم تتح لها الفرصة في القراءة عنها، لكن التضليل والتزييف والخداع الذي يمارسه قادة وزعماء أوروبيون عاش أهلهم وأقرباؤهم ويلات الحرب العالمية الثانية وتجرعوا مراراتها، هو ما يدهش المرء حقا، وما يزيد من الدهشة هو كم الحقد والغل والكراهية والعداء لكل ما هو روسي، حتى على مستوى الثقافة والفنون والرياضة، وهو ما يدفع نحو استنتاج أن ذلك العداء وتلك الكراهية يمتد أثرها إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، وربما يكون جذرا من جذور الفاشية التي انتهجتها ألمانيا النازية، وتمكنت من خلالها إقناع الغالبية العظمى من سكان القارة بأنها إنما “تحررهم” من “نير الشيوعية”، وتحقق “أحلامهم القومية”، مثلما حدث مع أوكرانيا، التي عادت النازية لتظهر بكل فجاجة ووضوح، بعد أن اكتسبت إلى جانب ملامحها العنصرية ملامح الإرهاب “الداعشي”، المتمثل في القتل الوحشي والتمثيل بالجثث واستخدام المواطنين العزل كدروع بشرية، تماما مثلما كانت تفعل داعش في “الرقة” و”حلب”، بينما يفرض الغرب خطابه الفاشي على العالم، من خلال إعلامه المدجن، وبنفس آليات “الرقة تحترق” و”حلب تحترق”..
إن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا إنما تهدف إلى تعزيز الأمن القومي الروسي، وهي ماضية في طريقها المحتوم للقضاء على المخطط الغربي المنصوب لروسيا، ولن تسمح الدولة الروسية بأي تهديد لأمنها القومي أو لوجودها، وكما صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ذات يوم فإن روسيا حقا “لا يعنيها عالم بدون روسيا”، وهي على استعداد لمواجهات نووية إذا لزم الأمر، إذا ما مست تلك التهديدات وجود الدولة الروسية، أو أمن الشعب الروسي.
والحصار الاقتصادي التاريخي وغير المسبوق الذي تواجهه روسيا يؤكد على أن الهدف الرئيسي من الحرب المعلنة ضد روسيا هو تركيعها وتدميرها، لذلك تبدو محاولات “البنتاغون” للاتصال مع القيادة العسكرية الروسية، والتي باءت بالفشل، غير ذات قيمة، بعد الكشف عن خطط “البنتاغون” و”الناتو” بشأن روسيا، وما تكشف من قواعد عسكرية ومستندات للمختبرات البيولوجية الأمريكية على الأراضي الأوكرانية وما نراه من دعم عسكري بالغ الخطورة، يزيد من اشتعال الحرب، ويدفع بمزيد من الضحايا الأوكرانيين قربانا للمصالح الأمريكية والغربية. لم يعد هناك لغة للحوار، ولا آليات أو أبجديات مشتركة يمكن الحديث بشأنها، ولم يتبق أمام روسيا سوى التوصل إلى تحقيق الضمانات الأمنية التي طالبت بها، ديسمبر الماضي، بالقوة، بعدما عجزت عن تحقيقها بالسبل الدبلوماسية والسياسية، ولم تلق آذانا صاغية في واشنطن أو بروكسل.
إن أي اتصالات أو مفاوضات أو وساطات على أي مستوى من المستويات لابد وأن تستند إلى خطوات عملية واضحة ومحددة بشأن التجاوب مع الشروط الأمنية التي طالبت بها روسيا نهاية العام الماضي، ولا يدور الحديث هنا بأي حال من الأحوال حول أوكرانيا، التي يستخدمها الغرب مطية رخيصة لتحقيق أغراضه، وإنما يدور حول العودة إلى وضع أوروبا عام 1997، وإعادة النظر في خطاب فلاديمير بوتين إلى مؤتمر ميونيخ للأمن (2007) بشأن أحادية القطبية، والذي يعجز الغرب عن استيعاب منطقه بعد 15 عاما، ويواصل صب مزيد من الزيت في المحرقة الأوكرانية، سعيا لإثبات تبعيته وانسحاقه وعبوديته لواشنطن، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح الشعوب الأوروبية.
لقد وجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منذ أيام بعدم اقتحام مصنع “آزوفستال” بمدينة “ماريوبول”، مشددا على ضرورة إحكام الطوق عليها حتى “لا تستطيع ذبابة أن تنفذ منه”، على خلفية تعليمات أخرى من كييف إلى المسلحين الأوكرانيين والمرتزقة الأجانب الموجودين داخل المصنع، والتي تأتي بالتليفون مباشرة من “البنتاغون” الأمريكي، بعدم الاستسلام والمقاومة حتى آخر قطرة دم، بينما تهذي وسائل الإعلام العالمية بـ “الاتهامات بجرائم الحرب” و”ماريوبول تحترق” و”مقتل المدنيين في كييف” وغيرها من أبناء عمومة “الخوذ البيضاء”، أبطال المشاهد السينمائية المعروفة في سوريا، لصرف انتباه العالم عن الهزيمة الميدانية لـ “البنتاغون” في “ماريوبول”، والقيام بمحاولات بائسة لتهريب ضباط “البنتاغون” و”الناتو”، ممن شاركوا في القتال، أو الرهان على تحريرهم أو التوصل لاتفاق لتدخل طرف ثالث على خط الأزمة يموّه خروجهم، حتى لا تطوف الهزيمة أرجاء الأرض، وتفضح أكاذيب الإعلام الأمريكي والغربي، خاصة إذا ما تم التحقيق معهم في العلن.
لكن محاولات كسب الوقت للخروج من هذا المأزق لن تنجح، وسيؤدي استسلام هؤلاء، ولو بعد حين، إلى سقوط أحجار الدومينو الأوكراني، وإحكام السيطرة على إقليم الدونباس والجنوب الأوكراني بالكامل، وتأمين ممر بري إلى القرم، والحصول على ممر إضافي إلى “ترانسنيستريا” المستقلة من جانب واحد عن جمهورية مولدوفا، والتي يعاني سكانها الناطقين باللغة الروسية أيضا من اضطهاد وعنصرية.
وإذا كانت عصابة كييف تتخذ من الشعب الأوكراني رهينة ودروعا بشرية في حربها ضد روسيا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ من أوروبا رهينة ومن شعوبها دروعا بشرية في حربها ضد روسيا، للوصول إلى هدفها وحماية العالم أحادي القطبية، وإجبار الأوروبيين على الخضوع لهيمنتها، حتى ولو أدى ذلك إلى كوارث إنسانية مدمرة للمدن الأوروبية.
إلا أن الوضع، مع شديد الأسف، سيبقى على ما هو عليه، حتى نجد بين الزعماء الأوروبيين سياسيا رشيدا، بدلا من أقزام السياسة الراهنة البليدة، يتمكن من إنقاذ القارة العجوز من المغامرات الأمريكية الرعناء والمجنونة.
أما بشأن دعوة الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لطرفي الأزمة، روسيا وأوكرانيا (وكأنه لا يعلم تمام العلم ويدرك تمام الإدراك أن روسيا لا تواجه أوكرانيا، بل تواجه الهيمنة الأمريكية والغربية بما في ذلك على صعيد جميع المؤسسات والهيئات التابعة للأمم المتحدة)، فلا يسع المرء في هذا المقام سوى أن يدعو الأمين العام غوتيريش إلى زيارة الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، بعد سنوات من الحصار والتجويع والقتل المنهجي الذي تمارسه دولة الاحتلال الصهيوني، التي تتهم، مع ذلك، روسيا “بجرائم حرب”! ربما ينقذ غوتيريش بذلك ما تبقى من حمرة الخجل لدى الأمم المتحدة التي تأتمر بإرادة واشنطن، وتعجز حتى عن توفير تأشيرات “أمريكية” لدبلوماسيين روس لحضور اجتماعات المؤسسة الدولية في مقرها الرئيسي بمدينة نيويورك على الأراضي الأمريكية.
فهل لنا أن نطالب هيئة الأمم المتحدة وأمينها العام بالاستيقاظ وشرب القهوة وقراءة مزيد من الأخبار حول أزمة الشرق الأوسط التي يبلغ عمرها أكثر من سبعين عاماً، والممارسات الإسرائيلية الغاشمة، تحت غطاء وحماية ومباركة الولايات المتحدة الأمريكية، بدلا من الانتقال جغرافيا، بالأمر المباشر، إلى الأراضي الأوكرانية، حيث تدخل الأزمة أسبوعها السابع؟ أم أن السيد أنطونيو غوتيريش يتوقع أن يكون تأثيره على الرئيس بوتين أقوى من تأثيره على نفتالي بينيت ومن ورائه؟
أشك بشدة.

*كاتب ومحلل سياسي

Exit mobile version