الرئيسيةمتفرقاتكتابفلسطين بك تزهو

فلسطين بك تزهو

بقلم: كاتب والباحث بكر ابوبكر

يتعرض الكاتب د.سالم سرية في كتابه المعنون: فلسطين بين الصهيونية الانجيلية وتزوير التاريخ للخيط الواصل بين مواضيع متعددة واسطة العقد فيها هي فلسطين الهدف وفلسطين المبتغى.
وهو إذ يجعل من الصهيونية-الانجيلية (البروتستانت الإنجيليين) سابقة على تزوير التاريخ في العصر الحديث، فهو يشير حكمًا لأسبقية نشوء هذه الصهيونية الانجيلية ما قبل نشوء الصهيونية الخاصة بيهود العالم على يد الألماني ثيودور هرتزل.
من الواضح بين دفّات هذا الكتاب الثريّ المتشكل من مجموعة من الدراسات والمقالات للكاتب ذات الصلة المباشرة بفلسطين أنها تاتي في سياقها التاريخي من جهة، وفي سياق التأكيد أوالإثبات أوالتوضيح للأحقية العربية والاسلامية في فلسطين.
يؤكد الكتاب أن فلسطين هي التي كانت ومازالت على ما وجدت عليه من غابر الأزمان عربية سواء مرت عليها قبائل أو أقوام الكنعانيين أو اليبوسيين أو الفلسطينيين او اللخميين او غيرها من القبائل العديدة التي افترشت هذه الأرض وتمازجت فيها لتكون عديد الإمارات/”المشيخات حسب توماس تومسون” أو الكيانات التي تصرخ منذ الأزل بعروبة هذا البلد.
في الإشارات الكثيرة في الكتاب، كان “هيرودوت” أبوالتاريخ يسجل بثقة في كتابه التاريخي الهام اسم فلسطين خمس مرات بين الصفة الجغرافية، أو الاقليم الجغرافي، وبين صفة أو اسم الشعب أي فلسطين او الفلسطينيين ولم يجد أي من خرافات أوأوهام التوراة التاريخية بما يدعونه من ممالك/مشيخات أو هيكل أو خروج او غيره.
ومما أشار له الكاتب د.سالم سرية عبر سلسلة من الكتابات والكُتّاب ظهرت أسماء أولئك الذين تناولوا القضية الفلسطينية بمنطق الرواية الحقيقية والعادلة والمتسقة مع علم الآثار، بغض النظر عن الاختلاف بالجغرافيا (فاضل الربيعي، فرج الله صالح ديب، كمال الصليبي، جميل الخرطبيل…الخ) أو الاختلاف بالمضامين في رواية الأحداث التي اقتبسها الكهنة اليهود أو سرقوها ونسبوها لقوم بني إسرائيل المندثرين أو نفيها جزئيًا أو كليًا (أحمد الدبش، إبراهيم عباس، علاء أبوعامر، عصام سخنيني…) ما جعل كتاب التوراة عند العلماء المنصفين لا تشكل دليلا تاريخيًا، عدا عن أنه لايجوز التعامل مع أي كتاب ديني كسجِل تاريخي، كما أن علم الآثار كذب المضامين التاريخية “للتناخ” اليهودي عامة.
يعرج الكاتب د.سالم سرية على ذكر كثير من الكُتّاب والكتب، وإيراد كثير من الأحداث الضرورية لتصليب روايتنا العربية والاسلامية (والمسيحية المشرقية) عن فلسطين التي اعتبرها العرب في القرن العشرين القضية المركزية.
ورغم ظهور الانعزالية العربية مؤخرًا(خاصة إثر الاستجابة لصفعة القرن) ومحاولة التبروء من الانتماء الحضاري العربي وما قابل ذلك من انبهار بالغرب الرأسمالي الاستعماري العنصري أو الانسحاق تحت أقدامه إلا ان المفكرين العرب ومنهم في كتاب د.سالم سرية ما يعيدنا الى الطريق الصحيح في فهم حضارة هذه الأمة وفلسطين.
لا يقبل د.سالم سرية إسكات التاريخ العربي أو اسكات التاريخ عن روايتنا الحقيقية، وهذا “الإسكات” هو شأن الصهيونية وما سبقها وتعاضد معها من المسيحية الصهيونية.
كما لا يقبل ولا نقبل خرافات اليهودية-السياسية اليومية والمتعانقة مع الصهيونية العنصرية التي تحتل وطننا وبلادنا فلسطين العربية، وهي الخرافات أو الاختراعات التي فنّدها حتى الكُتّاب اليهود التقدميين أمثال أرثر كوستلر وإيلان بابيه وشلومو ساند وإسرائيل فنكلستاين وزئيف هرتزوغ وغيرهم الذين تكاتفت رواياتهم سواء التاريخية او السياسية أو الآثارية لتنفي المحتوى الصهيوني وما سبقه من التنظير الانجيلي-الصهيوني لأوهام أرض الميعاد لقوم بعينهم، وكأن الربّ حاشاه خلق الأمم لينتقي منهم قبيلة أوعرقا بعينه! بفعل عنصري مقيت لا يقبله لا العقل ولا معنى العدالة الأرضية او الربانية.
إن الكتاب الثري هذا يشكلُ سجلًا هامًا ومكثفا للرواية من زوايا عديدة ذات عمق تاريخي موغل بالقدم، وصولًا للعصر الحديث والمؤثرات الكثيرة فيه في مجالنا الحيوي.
ويتعرض لدور جماعات الضغط اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاوربية في الاستمرار بترداد الرواية بتحول واضح عن فكرة أن أصل التاريخ الحقيقي هو هنا في جزيرة العرب (تشمل شمالها بالعراق والشام ومنها فلسطين) وما ارتحل منها لافريقيا، وكل قبائلها ولغاتها القديمة.
لك أن تختلف مع بعض الروايات التاريخية أو الدينية أو الآثارية المنسوبة لأصحابها، كما يورد د.سالم سرية ولكن ليس لك أن تغلق عقلك عن تتبع الحق أنّا وجدته وكما تقول العرب “الحكمة ضالة المؤمن”.
إن الكثير من الأفكار والمفاهيم تحتاج لتفهم ووعي وحكمة وسِعة إطلاع ونقاش وجدل وتأمل مما حثّنا الخالق سبحانه على اتباعه، ولكن تبقى الحقيقة الأزلية التي لا نختلف عليها متمثلة بالانتماء المشترك لهذه الحضارة العربية الاسلامية بالاسهامات المسيحية المشرقية، وبأن فلسطين لا تروي روايتها الا من خلال تجذرها منذ فجرالتاريخ في حضن حقيقتها العربية مهما تغيّر عليها اسم قبائلها المختلفة أو أزمانها، وهي التي من المتوجب أن تشكل رداء الحكمة العربية ومنطقًا لالتفاف القادم حول الفكرة الوحدوية العربية الجامعة بأي شكل ترتضية الشعوب والأمة لتجد مقعدها الحقيقي كفاعل وليس كمفعول به بين الأمم التي تلقي بظلّها على العالم اليوم بالفكر والتقانة والعلم والإدارة والرسالية، وإن كانت هذه الاخيرة من مميزات أمتنا الرحبة.
فلسطين بك تزهو يا دكتور، وكل المحبة والشكر والامتنان للكاتب الدكتور سالم سرية على هذا الكتاب الهام والضروري والذي يليق أن يكون في كل مكتبة وكل بيت .
والله الموفق والنصر لنا
بكر ابوبكر
كاتب وباحث فلسطيني
21/3/2022م
(المادة تشكل مقدمة الكتاب الصادر عن الدكتور سالم سرية في نهاية شهر 4/2022م)

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا