الرئيسيةمختاراتمقالاتتوفيق زياد..صوت التمرد والحرية

توفيق زياد..صوت التمرد والحرية

بقلم: باسم برهوم

عندما نهض الشعب الفلسطيني من جديد نهاية خمسينيات وستينيات القرن العشرين، رافضا أن تكون نكبة عام 1948 قدرا له، نهض في الثقافة كما نهض في السياسة، واكتمل بذلك تعبيره عن هويته الوطنية الخاصة به، وهي الهوية التي تعمد المشروع الصهيوني الاستعماري طمسها وإلغاء وجود الشعب الفلسطيني. وبقدر ما لعب الشتات ومخيمات اللجوء في النهضة السياسية، ومن ثم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية والانطلاق بالثورة الفلسطينية المعاصرة، فإن الفلسطينيين الذي بقوا في المناطق التي أصبح اسمها إسرائيل قد ساهموا بشكل ملموس بالنهضة الثقافية، وذلك في سياق تثبيتهم ودفاعهم عن هويتهم الوطنية واللغة العربية القومية، و في سياق كفاحهم ضد العنصرية ومن أجل المساواة.

قبل أيام احتفل الشعب الفلسطيني بعيد ميلاد أحد رموز النهضة الثقافية الفلسطينية، الشاعر توفيق زياد، ابن الناصرة والجليل، الذي توفي عام 1994 في حادث سير على طريق أريحا القدس وهو عائد من استقبال قائد النهضة السياسية ياسر عرفات في مدينة أريحا. ما يميز توفيق زياد أنه برز في حقل السياسة كما برز في الثقافة والأدب، وهو بهذا المعنى حفر بالوعي الوطني على طريقته الخاصة. كان شخصية جماهيرية، متمردا جريئا عاشقا للحرية وملهما ومحفزا لها، لذلك لم يكن صدفة أن يبقى حتى مماته رئيسا لبلدية الناصرة، مدينة البشارة، ولم يكن صدفة أن يحفظ كل فلسطيني أشعاره عن ظهر قلب.

من منا لم ينشد قصائد زياد… أناديكم أشد على أياديكم..أبوس الأرض تحت نعالكم وأقول
أفديكم..وأهديكم ضيا عيني..ودفء القلب أعطيكم.. فمأساتي التي أحيا نصيبي من مآسيكم.. أنا ما هنت في وطني ولا صغرت أكتافي…وقفت بوجه ظلامي يتيما، حافيا، عاري…حملت دمي على كفي وما نكست أعلامي.

وبصيغة التحدي وتأكيد الحق التاريخي في الوطن التاريخي للشعب الفلسطيني، يقول توفيق زياد..كأننا عشرون مستحيل في اللد والرملة والجليل.. وهنا، باقون على صدوركم كالجدار.. وفي حلوقكم كقطعة زجاج، كالصبار..وفي عيونكم زوبعة من نار.

توفيق زياد لم يكن إلا وطنيا فلسطينيا، دافع حتى آخر رمق عن الوطنية الفلسطينية، وتصدى لكل محاولات تشويه الهوية ومعززا لها كذلك، وكان مدافعا عن الأرض، وبرز كأحد أهم رموز يوم الأرض المجيد في 30 آذار/ مارس 1976. وانحاز توفيق زياد للعمال والطبقات الأكثر فقرا، فجمع بإبداع نادر بين النضال الوطني والاجتماعي فبالنسبة له لا يمكن لشعب أن ينهض ويكرس وجوده ويحافظ على هويته إلا إذا كان متضامنا متكافلا فيما بينه.

وسواء كان توفيق زياد يجول في شوارع الناصرة أو في أزقتها القديمة على قدميه، أو كان عضوا في الكنيست يقف على منبره، وفي مجلس بلدي الناصرة، فإنه لن يغير جلده الفلسطيني وأهدافه، كان صوت التمرد صوت الحرية صوت الشعب الفلسطيني في أكثر المواقع النضالية صعوبة.

توفيق زياد سيبقى في وعي الأجيال قائدا وطنيا، أحد الصناع المهرة للهوية الوطنية والثقافية إلى جانب سميح القاسم ومحمود درويش وإميل حبيبي وإميل توما وتلك الكتيبة التي كانت في خندق الدفاع الأول وكانت التعبير الرائع للعلاقة العضوية بين الفلسطيني وأرضه وتراثه وتاريخه وحضارته.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا