الرئيسيةمختاراتمقالاتصناعة الفوضى واستحضار العنف – تقنيات وتكتيكات (2)

صناعة الفوضى واستحضار العنف – تقنيات وتكتيكات (2)

بقلم: أنور رجب

تمر استراتيجية صناعة الفوضى بثلاث مراحل، الأولى: ضرب حالة الاستقرار للنظام المستهدف ونشر الفوضى، والثانية: توجيه تلك الفوضى وإدارتها للوصول إلى الوضع المرغوب فيه، والثالثة: استخدام المدخلات التي أججت الفوضى لإخمادها وتثبيت الوضع الجديد بشكله النهائي. ولكل مرحلة من هذه المراحل تقنياتها وتكتيكاتها وأدواتها وخطواتها المتزامنة أو المتتالية التي تتداخل وتتقاطع في أكثر من محطة. في المرحلة الأولى التي تستهدف ضرب حالة الاستقرار، والتي يلعب الإعلام الدور الرئيسي فيها لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي، يتم التركيز على الإطاحة بهيبة الدولة ومؤسساتها، من خلال استهداف رموز الدولة (الرئيس– الحكومة– المسؤولين) والسعي لتحقيرها وإهانتها والحط من شأنها، وخلق حالة من عدم الرضى تجاه الحكومة وأدائها في قضايا الخدمات العامة وتأليب الشارع ضدها، وتصيُّد أخطاء وأحداث فردية لمسؤولين وموظفين وتضخيمها وتعميمها بوصفها ظاهرة مستشرية، وفي هذه المرحلة تحظى المؤسسة الأمنية بنصيب الأسد من الهجوم الممنهج وبث الإشاعات وتزييف الحقائق لتشويه أدائها والتشكيك بعقيدتها الوطنية، ولكن لماذا المؤسسة الأمنية بالذات؟ لأنها ببساطة الكتلة الصلبة المؤهلة والمدربة لحماية النظام والحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي.

وبالتوازي وبهدف خلخلة الوضع الاقتصادي وبالتالي توسيع قاعدة الاحتجاجات وعدم الرضى، يحضر العامل الخارجي من خلال فرض عقوبات اقتصادية على النظام، وتجميد الأموال ومصادرتها، ووقف برامج المساعدات الدولية تحت عناوين ومبررات مختلفة، وفي نفس الوقت تكثيف دعم المؤسسات والجمعيات الخيرية والاغاثية لا سيما تلك التابعة للجماعات المؤثرة بهدف توسيع قاعدة التأييد الشعبي لها، وهو ما يمهد للانتقال لخطوة أخرى وقد تكون بالتزامن أو التتالي، وهي التحرك الميداني وخلق حالة من الحراك والفوضى المربكة والمقلقة للنظام المستهدف من خلال الدعوة لعقد تجمعات ومظاهرات واعتصامات في الأماكن العامة وأمام المؤسسات تحت يافطات مطلبية – خدماتية، ثم تبدأ بالتكاثر والتوسع ورفع سقف المطالب التي لا تتوقف، فكلما استجابت الدولة كان هناك مطالب أخرى، هذا بالإضافة إلى استثمار الاحتفالات والمناسبات الوطنية والدينية وتوظيفها ما أمكن وتغيير وجهتها نحو الاحتجاج على النظام، ثم تتحول هذه الاعتصامات لاحقاً إلى إقامة تجمعات ثابتة ونصب الخيام في الميادين والأماكن عامة.

تتضمن هذه المرحلة ظهور وصناعة فواعل جديدة وتفعيل أخرى، وفي مقدمتها الحراكات الشبابية ذات الطابع السياسي، ولزيادة تأثيرها يتم تسميتها باسم معين واختيار شعار لها وملابس موحدة وصياغة أغان حماسية وهتافات وشعارات محددة خاصة بها وتغطية اعلامية واسعة لنشاطاتها، وتحظى هذه الحراكات بتأييد ودعم وتمويل القوى والأحزاب صاحبة المصلحة في صناعة الفوضى ناهيك عن دعم مؤسسات دولية لها تحت يافطة الاهتمام بقطاع الشباب. وبالتدريج تنضم قطاعات وفواعل أخرى لحركة الاحتجاجات مثل الاتحادات والنقابات والأحزاب والجماعات والشخصيات العامة ومؤسسات المجتمع المدني بعض منها بجهل وحسن نية وبعضها لارتباطاتها بمحاور إقليمية أو مؤسسات دولية، والبعض الآخر لها طابع انتهازي أو ثأري أو تسعى لركوب موجة التغيير أو ايجاد موطئ قدم لها على خارطة ما بعد سقوط النظام. وفي هذا السياق يبرز دور المؤسسات الحقوقية والقانونية ومراكز الدراسات واستطلاعات الرأي الممولة خارجياً في التحريض على النظام والمسؤولين من خلال رفع دعاوى قضائية أمام المؤسسات الدولية، وتصدير أبحاث ودراسات واستطلاعات مخالفة للواقع وتخدم استراتيجية الفوضى.

في المرحلة الثانية وبعد الانتشار الواسع لحركة الاحتجاجات والتحكم بها، تتم إدارة هذه الفوضى وتوجيهها وتطويرها باستخدام الوسائل الخشنة، عبر زيادة وتيرة الاصطدام برجال الشرطة والأمن والاعتداء عليهم لاستجلاب ردود فعل تؤدي إلى مزيد من سخونة الأوضاع، وتتصاعد عملية مهاجمة واقتحام المقرات والمؤسسات الحكومية ومحاولة تخريبها والعبث بها، وبالتدريج وبشكل ممنهج يتم توسيع ظاهرة الفلتان الأمني باستثمار وتوظيف دوائر الجريمة المنظمة من تجار السلاح والمخدرات والبلطجية وأصحاب السوابق، وزعزعة السلم الأهلي بإحياء النزاعات العائلية والنزعات الثأرية، وكل ذلك توطئة لبدء الخطوة الأخيرة في اسقاط النظام عبر تنفيذ عمليات اقتحام وتفجير واغتيال تستهدف مقرات المؤسسة الامنية وضباطها، وإحداث وتشجيع حالات تمرد وانشقاقات في صفوفها سواء بترتيبات مسبقة أو من خلال سياسة الترهيب والترغيب.

من الملاحظات المهمة ذات العلاقة بالتقنيات والتكتيكات المستخدمة خلال مراحل صناعة الفوضى تبرز وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي كأداة مركزية ورئيسية في إدارة عملية هجومية متواصلة ومستمرة لتحريض وشحن الشارع ضد النظام ورموزه، وهي عملية تفتقر لأي معايير أخلاقية أو وطنية، حيث تعتمد على فبركة الأحداث والروايات وبث الإشاعات وتشويه الحقائق وتزييفها، من خلال إنشاء مواقع إلكترونية وصفحات وهمية وتصدير يوتيوبرز ومدونين وشخصيات شبابية بأشكال وأساليب وأنماط مختلفة، وتبرز هنا مجموعة من الصحفيين والإعلاميين والشباب ممن يتم إعدادهم وتدريبهم جيداً لممارسة الاستفزازات ضد المسؤولين ورجال الشرطة والأمن وتوثيق ردات الفعل غير القانونية والعنيفة من قبلهم، بهدف تحريض الرأي العام المحلي والمؤسسات الدولية، وتكمل الدور فضائيات وقنوات تلفزة محلية وعالمية تظهر وجهاً واحداً من الرواية بما يخدم الاستراتيجية الشاملة لصناعة وإدارة الفوضى وتوجيهها.

يعتمد نجاح المرحلة الأخيرة على توفر العامل الداخلي سواء كان حزبا أو تيارا أو شخصية اعتبارية يناط بها السيطرة على الأوضاع وتوجيهها، وليس بالضرورة هنا أن يكون الخيار إعادة بناء النظام وإشاعة حالة من الاستقرار والأمن حتى لو توفرت مقوماتها، فقد يكون الخيار هدم الدولة وليس النظام فقط (سوريا– ليبيا- اليمن)، وقد يكون الحفاظ على مستوى معين يتأرجح بين الاستقرار والفوضى بما يخدم الاستراتيجية المعدة مسبقاً لهذه الدولة أو تلك، وهذا الخيار بتقديرنا قد يكون هو الأنسب للحالة الفلسطينية بما ينسجم مع المشاريع التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتكريس واقع يسمح بفرض سيناريوهات لحلول رفضتها وما زالت القيادة الفلسطينية وفي مقدمتها الرئيس ابو مازن بكل تحدٍّ وحزم وإصرار، وهو ما سنتناوله في مقالتنا القادمة.

وللحديث بقية….

صناعة الفوضى واستحضار العنف – تقنيات وتكتيكات (1)

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا