المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

أوروبا تتجه يمينا.. ما العمل فلسطينيا؟

كتب: باسم برهوم

بعد فوز اليمين المتطرف في كل من السويد وإيطاليا والمجر، وإحرازه تقدما ملحوظا في فرنسا وإسبانيا، فقد بات واضحا أن أوروبا التي تتجه يمينا قد بدأت تدخل مرحلة جديدة من تاريخها، فاللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية تصل قوى لا تخفي خلفيتها الفاشية والنازية. فما يجمع بين هذا اليمين المتطرف أنهم قوميون متطرفون، مع مسحة دينية محافظة، وتتركز تعبئتهم السياسية ضد المهاجرين، خاصة الأفارقة والقادمين من دول إسلامية، أما أوروبيا فهم غير متمسكين بالاتحاد الأوروبي، وهذا منطقي كونهم قوميين متطرفين، ويناهضون فكرة الأمة الأوروبية، والتي هي الهدف الذي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تحقيقها.

وبالرغم أنه من السابق لأوانه الحديث عن فشل الاتحاد، فإن علامات سؤال جدية بدأت تطرح حول مستقبله، كما أن هذه الظاهرة الأوروبية تؤكد أننا دخلنا فعلا مرحلة ما بعد العولمة، والعودة للانغلاق على الهويات القومية والمحلية بدل فكرة الهوية الإنسانية الشاملة. ولعل السؤال إذا ما كانت هذه الظاهرة هي مسألة عابرة تستمر لدورة انتخابية واحدة، أم أنها ظاهرة ستأخذ مداها الزمني لعقد أو عقدين قادمين؟

وفي مجال تحليل صعود اليمين المتطرف في أوروبا، بالتأكيد هناك أسباب قديمة وأخرى راهنة، فقد بنى اليمين المتطرف شعبيته في السنوات العشر الماضية في مواجهة سياسة الباب الأوروبي المفتوح أمام المهاجرين التي انتهجتها المستشارة الألمانية السابق أنجيلا ميركل، سياسة الباب المفتوح، لم تنعش النزعات القومية والوطنية، وإنما قدمت لهذه القوى اليمينية المتطرفة ورقة تحرض من خلالها على الاتحاد الأوروبي والحدود المفتوحة بين الدول الأوروبية. أما في البعد الأعمق فإن هذا اليمين واجه ثقافة أوروبية وعالمية ترفض وصوله للحكم على خلفية دور النازية والفاشية في النصف الأول من القرن العشرين والذي قاد أوروبا والعالم إلى حرب عالمية دامية أزهقت خلالها أرواح ما يقارب من 100 مليون إنسان معظمهم أوروبيون.

انتهت الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي في تسعينيات القرن الماضي، وتحول التنافس والصراع بين قوى جميعها رأسمالية سرع بعودة اليمين المتطرف، مستفيدا من صعود الترامبية اليمينية في الولايات المتحدة الأميركية، والتي طرحت شعار “أميركا أولا” واستبداله اليوم بشعار أكثر تطرفا “أميركا قوية”، وهي شعارات مسحوبة من تاريخ أوروبا الفاشية في القرن العشرين.

ونذكر هنا أن أحد أهم أهداف الرئيس ترامب كان ولا يزال تفكيك الاتحاد الأوروبي، لذلك هو شجع بريطانيا على الخروج مقابل اتفاق تجارة بين البلدين بأكثر من 300 مليار دولار سنويا وهو اتفاق لم تحصل عليه بريطانيا حتى الآن. أما العامل المباشر الراهن فهو الحرب الأوكرانية وما لها من تداعيات على الاقتصاد العالمي، خاصة على أوروبا، التي تدفع ثمن هذه الحرب على شكل أزمات طاقة وتضحم وركود اقتصادي، فاليمين المتطرف ينتعش في العادة مع مثل هذه الأزمات لأنه يقدم للجمهور آمالا وهمية، ويخاطب الغريزة وليس العقل، فالحزب النازي وصل للحكم في ألمانيا في مطلع ثلاتينيات القرن العشرين في ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية والتضخم الذي بلغ في ألمانيا في حينه نسبا غير مسبوقة.

وبغض النظر عن كل ما سبق، وهو يدخل في باب التحليل والتكهنات، فإن العالم اليوم أمام أوروبا مختلفة لم يشهد مثيلا لها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومن بين هذا العالم نحن الفلسطينيين كيف سنتصرف ونتعامل مع أوروبا المتغيرة؟ خصوصا أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر المانحين للشعب الفلسطيني، وكذلك السؤال، ما الذي سنفعله بخصوص موقف هذه القوى الصاعدة في
أوروبا من القضية الفلسطينية؟

أما إسرائيليا، فإن التيار اليميني المتطرف المتمسك بحرفية مفهوم يهودية الدولة، سيجد تبريرا يمكن تسويقه أكثر لسياسته المتطرفة ضد الشعب الفلسطيني، كما أن القيادة الإسرائيلية بشكل عام ستكرر ما قالته بعد الحرب العالمية الثانية، إن وجود الدولة اليهودية كان أمرا ضروريا للشعب اليهودي في ظل انغلاق القوميات على نفسها، أما نتتياهو فهو أكثر سعادة اليوم لأن نسخته ونسخة ترامب السياسية هي التي تسود عالميا هذه الأيام. ومن جانبنا، علينا أن نحضر أنفسنا لمواجهة دعوات المتطرفين في إسرائيل بخصوص الترانسفير وفكرة الدولة اليهودية “النقية”.

في نهاية الأمر ليس أمامنا إلا احترام إرادة الشعوب، سواء اتفقنا مع هذه الإرادة أو اختلفنا، فالأهم من ذلك كله هو أن نلاحظ ونحلل هذه المتغيرات وبناء عليه نبني سياساتنا، وقبل هذا وذاك علينا أن نحصن أنفسنا في هذه المرحلة الخطيرة المتقلبة، أن نعمل جديا من أجل تعزيز وحدتنا الوطنية، ونعيد بناء حركتنا الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وأن تكون الهوية الوطنية هي الأساس لهذه الوحدة. وبقدر من نكون محصنين يمكننا أن نتعامل بشكل أفضل مع عالم يشبه حاله حال سفينة في وسط المحيط تضربها الأعاصير من كل جانب.

Exit mobile version