المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

واللا:” حماس تتقاسم في هذه اللحظة المصلحة ذاتها مع تل ابيب فهي لا تريد حل الدولتين”

حماس وإسرائيل
الحركة تتقاسم في هذه اللحظة المصلحة ذاتها مع تل ابيب فهي لا تريد ولا تؤمن بحل الدولتين

المضمون:( يحاول الكاتب تحليل اقوال السيد الرئيس للوفد اليساري الذي جاء الى المقاطعة لتقديم واجب العزاء باستشهاد الطفل علي دوابشة،حيث قال :” اذا ما استمر الوضع كما هو ففي الشهر القريب القادم، سيكون لنا موقف آخر”)

ظهر يوم الاحد، بدا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) غاضبا على نحو خاص. ففي أعقاب قتل الرضيع علي دوابشة في قرية دوما وصل اعضاء ميرتس لزيارة عباس في المقاطعة في رام الله، كي يعربوا عن صدمتهم من الحالة ويقدموا العزاء. جلس عباس وانصت لمقدمة رئيسة ميرتس زهافا غلئون بوجه مكفهر. عيناه شبه مغمضتين لسماع ترجمة اقوالها، بشكل ذكر برئيس الوزراء الراحل ارئيل شارون، الذي درج على الاستماع بعينين شبه مغمضتين للمحيطين به.
ومع أن عباس رد بالشكر للوفد الاسرائيلي الذي وصل إلى رام الله ولكنه سرعان ما انتقل للهجوم على حكومة اسرائيل وبالأساس سعى لإفهام الحاضرين حجم الضائقة التي علق فيها. فقال: «ما الذي يمكنني أن اقوله لعائلات الشهداء (الذين قتلوا في عمليات الإرهاب اليهودي ـ أ. ي)؟ لمن سيرفعون شكواهم؟»، قال. وهاجم نتنياهو بل وربما اكثر الادارة الأمريكية التي بالكلمات الاكثر بساطة، هجرت الفلسطينيين. وعندها اطلق إلى الهواء قول غير واضح، بقي بلا جواب: «اذا ما استمر الوضع كما هو ففي الشهر القريب القادم، سيكون لنا موقف آخر»، قال ولم يوضح ما يقصد.
مراقب غافل يقف جانبا، ما كان يمكنه أن يتأثر اكثر مما ينبغي. فقد سبق أن أطلق عباس تهديدات اكثر صراحة ولم يحصل معها شيء. ومع ذلك، قبل نحو اسبوع، قبل أن تقع العملية الوحشية في دوما، نشر محلل الشؤون العربية في القناة الاولى، عوديد غرانوت نبأ يقول ان ابو مازن يهدد بالاستقالة من منصبه في ايلول. بداية، حاول مقربوه نفي الامور. بعد ذلك ارسل إلى وسائل الإعلام شخصيات من فتح شرحت بان «اقواله أخرجت عن سياقها» وانه اراد على الاطلاق تهديد قيادة فتح بسبب مشاكل تنظيمية قبل انعقاد المؤتمر السابع للحركة. ولا يزال، على الرغم من جملة محاولات النفي من مقربي وشبه مقربي عباس، فان رئيس السلطة اطلق بالفعل التهديد الصريح أمام رجاله. فهل هذه خطوة «الموقف الاخر» الذي تحدث عنه ابو مازن في لقائه مع اعضاء ميرتس؟ أم ربما يعد هو مفاجأة كبرى؟
من الصعب القول في هذه المرحلة. ثمة غير قليل من المؤشرات التي تؤكد الشك بان عباس يعد الارضية لخطوة كبيرة وبالمقابل ايضا غير قليل من المؤشرات على أنه لا يعتزم اخلاء مكانه. احد رجاله الاكثر قربا وافق فقط على أن يقول لنا انه في شهر ايلول «كل شيء سيتغير». وربما بخلاف المرات السابقة، في الساحة الاسرائيلية ايضا، هذه المرة يتعاطون مع اقوال ابو مازن بجدية.

ماذا سيفعل؟

مرت أكثر من عشر سنوات منذ انتخب ابو مازن لمنصب الرئيس الفلسطيني، وقد بات الان ابن اكثر من 80 سنة. من اللحظة الاولى التي دخل فيها المقاطعة وحتى اليوم، يواصل كونه مؤيدا متحمسا لفكرة الدولتين، اسرائيل وفلسطين، على اساس حدود 67، على أمل أن تؤدي مفاوضات ناجحة مع اسرائيل في نهاية المطاف إلى اقامة الدولة الفلسطينية المنشودة. غير أنه منذ كانون الثاني 2005 وحتى اليوم، اخذ هذا الحلم بالابتعاد فقط. مكانة حماس تعززت في الجمهور الفلسطيني، وفي الطرف الاسرائيلي تحكم حكومة لا ترى فيه شريكا وتكبد نفسها عناء قول ذلك لكل من يريد أن يسمع والمستوطنات تواسع التوسع. امكانية أن تقوم في الضفة في يوم من الايام دولة فلسطينية، انتهت امام ناظره وتبدو كخيال اكثر مما تبدو كواقع. السكان الفلسطينيون في القرى المحيط برام الله، نابلس أو بيت لحم، يرون على مدى السنين كيف يتغير الواقع الجغرافي السياسي والبؤر الاستيطانية والمستوطنات تحتل جبل آخر وقمة اخرى. دولة فلسطينية ذات تواصل اقليمي من الخليل وحتى جنين، لم تعد فكرة عملية.
ينبغي بالطبع أن يضاف إلى ذلك احساس الخيانة الذي يشعر به من جهة الادارة في واشنطن. ذات الرئيس الأمريكي الذي اقنعه بالاصرار على عدم ادارة مفاوضات مع اسرائيل طالما استمر البناء في المستوطنات هو ذات الزعيم الذي لا يذكر اليوم كلمة «فلسطينيين». البيت الابيض يركز على شيء واحد فقط في هذه اللحظة في الشرق الاوسط وهو الاتفاق النووي مع إيران. كل الباقي ينتظر. وبالتوازي فان امكانية المصالحة مع حماس في غزة اختفت هي الاخرى وفي داخل فتح قام له منافس يحاول التآمر عليه ـ محمد دحلان.
ومرة اخرى، السؤال إذا كانت كل هذه المشاكل ستؤدي بالرجل إلى الاستقالة او كبديل الاعلان عن خطوة دراماتيكية اخرى مثل وقف التنسيق الامني. عندما سُئل يوم الاحد في المقاطعة من قبل مراسل القناة 10 حزاي سمنتوف عن هذه الامكانية، اجاب بسؤال غاضب من جهته، هل ستتوقف هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين. وقفت هناك متفاجئا إلى جانب سمنتوف. منذ سنوات غير قليلة وأنا أعرف عباس (للدقة 15 سنة) وكان دوما يعرف كيف يحافظ على الهدوء، اما الصحافيين على الاقل، ولكن يبدو أن شيئا فيه قد انكسر.
ولعله ينبغي البدء من اواخر «الجرف الصامد» عندما ولدت بالذات كل الاحداث حول اختطاف الفتيان الاسرائيليين الثلاثة في حزيران والحرب في غزة، في ظل توثيق العلاقة الامنية مع اسرائيل، ولدت توقع خطوة سياسية اسرائيلية مع الفلسطينيين. غير أن مثل هذه الخطوة لم تقع. فقد فهموا في السلطة بسرعة شديدة بان اسرائيل معنية بادخال قوات ابو مازن إلى قطاع غزة كي يقوموا بهناك بدور «مقاول تنفيذ»، قوات تحافظ على الهدوء وبالمقابل لن يحصلوا على شيء. وكانت خيبة الامل ظاهرة.
ومنذ ايلول/سبتمبر الماضي قال لي احد رجال ابو مازن اننا في السنة القادمة سنشهد تطورات هامة ولا سيما في كل ما يتعلق بالتنسيق الامني. كادت تنقضي سنة وينبغي الاشارة ايجابا إلى أن رسالة ابو مازن بالنسبة للتنسيق الامني لم تتغير: وفي يوم الاحد ايضا اعرب عن معارضة قاطعة لكل نية للثأر على موت دوابشة او لكل مظهر عنف. وبالتوازي فان التنسيق الامني بقي بل وتحسن فقط في السنة الاخيرة.
ولا يزال، في نظرة إلى الوراء، المؤشرات قبيل ايلول القادم كانت هناك حتى قبل تلميحات ابو مازن امام اعضاء ميرتس.
قبل نحو شهرين تقريبا، قال رئيس الفريق الفلسطيني المفاوض من م.ت.ف في مقابلة في رام الله: «قبل نهاية هذا الصيف، لن تبدو الحياة ذات الشيء. أنا لا اتحدث عن العنف». وتحدث مثنيا على تدويل النزاع وكرر قائلا: «الكل يفهم بان الوضع كما هو لن يبقى حتى نهاية الصيف».

في اسرائيل يتعاطون مع التهديدات بجدية

ولكن ما الذي يمكن للسلطة أن تفعله في مثل هذه الوضعية وهل لم نسمع من قبل مثل هذه التهديدات؟ أولا، استقالة عباس ممكنة ولكن يجب القول، ان الاحتمالة لا تبدو عالية. فلماذا يستثمر ابو مازن كل هذه الجهود في الاشهر الاخيرة في محاولة اضعاف منافسيه في م.ت.ف وفي فتح إذا كان ينوي الاستقالة في ايلول؟ فقد حرص على مصادرة أموال سلام فياض، اقالة ياسر عبد ربه من منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة العفو الدولية وواصل الحرب الهادئة ضد «العدو رقم 1» ـ محمد دحلان.
هل كان يعمل هكذا شخص يوشك قريبا على ترك منصب رئيس السلطة؟
إذن لماذا في الساحة الاسرائيلية مع ذلك يتعاطون مع هذه الامكانية بجدية؟ أولا لان رجاله يبدون علائم العصبية الحقيقية وهذا مؤشر على أنهم يتعاطون مع تهديدات الرئيس ولا يستخفون بها. بهدوء تام تجري خلف الكواليس ايضا اقوال عمن يمكنه أن يكون خليفة لعباس في حالة عدم سماح حالته الصحية له بالاستمرار. ولكن إذا استقال عباس واضح جدا أن ايا من رجال فتح لن يحاول الحلول محله كرئيس للسلطة. وهذا نصل إلى السبب الثاني الذي من أجله يتعاطون مع هذا التهديد في الساحة الامنية الاسرائيلية بحدية: هذا سيناريو كابوس دولة اسرائيل.
على أي حال، غير قليل من الاسرائيليين يقولون: «فليستقيل، من يحتاجه على الاطلاق». غير أنه في محافل الامن الاسرائيلية يفهمون جيدا ضرروة ابو مازن لدولة اسرائيل والدور الهام الذي يلعبه في الحفاظ على الهدوء النسبي. بدون عباس وبدون سلطة، ستكف الاجهزة عن العمل ووجع الرأس الامني لدولة اسرائيل سيضاعف ضعفين وثلاثة اضعاف. وهذا لا شيء مقارنة بوجع الرأس الاخر ـ بدون سلطة فلسطينية تقوم بعملها، من سيعالج الشؤون المدنية للمناطق؟ من سيخلي القمامة، يحرص على الماء، الكهرباء، المجاري وما شابه؟ هل دولة اسرائيل تريد أن تعود للدور الذي قامت به حتى اتفاقات اوسلو؟ اغلبية ساحقة من الاسرائيليين، بمن فيهم اعضاء البيت اليهودي، سيردون بالنفي على ذلك.

البديل خطوط صورته

يوم الثلاثاء التقيت في رام الله «البديل» لعباس ولفتح. ولعل كل اولئك في اسرائيل ممن يدعون اليوم بان ابو مازن ليس شريكا لاتفاق سلام، يتعين عليهم أن يتعرفوا على هذا البديل، عن كثب أكبر.
في مكاتب حركة حماس في شمال رام الله، كان يمكن ان نجد في ذات الصباح الشيخ حسن يوسف، من كبار مسؤولي المنظمة في الضفة، محمد ابو طير (الذي اشتهر في حينه بفضل لحيته البرتقالية التي اصبحت بيضاء) واحمد عطوان، عضو البرلمان عن حماس من سكان القدس في الاصل والذي ابعدته السلطات الاسرائيلية من المدينة.
ربما في اطار السياسة الإعلامية المختلفة جدا لمسؤولي المنظمة في الضفة، مقارنة بسياسة نظرائهم في غزة ممن يقاطعون الإعلام الاسرائيلية، ليس لزعماء حماس اولئك أي مشكلة للقاء صحافيين اسرائيليين والحديث مع الجمهور والقيادة الاسرائيلية من خلالهم. ما أطلقه كبار حماس في رام الله من اقوال، تبدو اكثر اعتدالا، اقل حماسة، مقارنة باولئك من غزة او من الخارج.
يكاد يكون «بش وجهك للاسرائيلي». وعلى الحيطان برزت خريطة «فلسطين 1948»، من كل صوب، ولكن تصريحات قادة حماس بدت معتدلة جدا. الايادي ايادي حماس والصوت صوت فتح. وقال الشيخ حسن يوسف: «حماس وافقت في اتفاق القاهرة 2005 على اقامة دولة فلسطينية في حدود 67». سألته مرة اخرى عن 67 وكرر قوله، «نعم، حدود 67». نحن نقبل ذلك مقابل الهدنة».

وماذا عن اتفاق سلام مع اسرائيل؟

وهنا ايضا اتخذ الشيخ يوسف خطا حذرا وغير سلبي. «نحن تفي حماس لا ندعي أن نكون بديلا للسلطة أو لـ م.ت.ف. هم سيديرون معكم المفلوضات. نحن لا نطلب اكثر من ذلك». وعندما أبديت له ملاحظة بان اقواله تبدو مختلفة عن اقوال رفاقه في قيادة الحركة في غزة وفي الخارج، لم ينفِ الشيخ (ابو «الامير الاخضر»، مصعب حسن يوسف) وجود خلافات في الرأي في قيادة المنظمة: «حماس هي حركة كبيرة واسعة من ناحية فكرة. يوجد بيننا حوار دائم. وبطبيعة الاحوال توجد اراء مختلفة. ولكن عندما يكون مطلوبا اتخاذ قرار في موضوع جدي، يتخذ موقف واحد يمثل كل الاعضاء في المنظمة دون استثناء».
كما تحدث يوسف عن ضرورة الوصول إلى اتفاق تهدئة بين اسرائيل وحماس في غزة وهكذا ايضا محمد ابو طير في مقابلة اخرى. ولكن الكثيرين في قيادة المنظمة لم يستطيبوا اللهجة المتصالحة لمسؤولي حماس في الضفة. ليس سرا أن قادة المنظمة في غزة كان يسرهم أن يروا موجات عمليات في الضفة الغربية بهدف اضعاف السلطة، حتى لو كان يعني هذا ان يعتقد قادة الحركة هنا مرة اخرى.
هل هذه ستكون القيادة الفلسطينية التي ستواجهها اسرائيل إذا ما استقال عباس؟ يبدو أن لا. ففتح لا تزال على ما يكفي من القوة في الضفة كي تقرر النبرة وروح الامور. ولكن التفضيل من جانب اسرائيل للحفاظ على الوضع الراهن وعدم تقدم المفاوضات للسلام، يؤدي إلى تعزيز التأييد لحماس واضعاف السلطة. حماس تتقاسم في هذه اللحظة ذات المصلحة مع اسرائيل. فهي لا تريد ولا تؤمن بامكانية اتفاق سلام على اساس الدولتين.
من ناحيتهم يمكن التوقيع في كل يوم معين على اتفاق وقف نار طويل المدى مع اسرائيل، يستمر لسنوات، حتى بدون اقامة دولة فلسطينية. إلى أن بعد عشر سنوات، ربما أقل، ربما أكثر، لا تعود دولة اسرائيل تكون دولة اليهود.

كتب آفي يسسخروف،عن موقع واللا

Exit mobile version