المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

“صانع الخبز”

اعتادت الأربعينية ناريمان مناع أن تصحو على صوت نجلها عمر فجرا ليؤديا صلاة الفجر معا، ثم تعود إلى نومها حتى تصحو على رائحة الخبز الطازج الذي يصنعه ابنها في مخبز على مدخل مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم.

لكن فجر الأمس كان المرة الأخيرة التي تسمع فيها عمر يوقظها ويقول لها “قومي يا حبيبة الجيش في المخيم”، وأوصاها بألا تخاف، قائلا لها “إنهم لا يرعبون نملة”.

قالت ناريمان إن الجنود اقتحموا المنزل بأعداد كبيرة وأخرجوا ابنيها عمر ومحمد والبنادق موجهة على رأسيهما، وفي المنزل المجاور ابنها يزن، اخرجوه وأبرحوه ضربا، وكسروا محتويات المنزل، وانسحبوا.

تضيف: بعد أن انسحبوا أصر عمر ان يخرج ليعرف من تم اعتقالهم من المخيم، وما أن خرج إلا وسمعنا صوت رصاص، “شعرت أن الرصاص اخترق قلبي وعقلي معا، وشعرت بأنه اخترق جسد عمر”.

وتابعت أن “الجميع قالوا لي ان عمر أصيب إصابة طفيفة في قدمه، لكن قلبي لم يصدقهم”.

“عندما وصلت المستشفى ورأيته مسجى غارقا بدمائه، حينها أدركت أنه ارتقى شهيدا”، تقول ناريمان.

وأشارت إلى أنه ليس سهلا في ليلة وضحاها أن يتشتت شمل العائلة، فالابن البكر أسير لا يعرف ما الذي جرى معه، والابن الأوسط شهيد، مؤكدة أن الاحتلال يتعمد إلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية في صفوف أبناء شعبنا.

وقالت إن أبناءها كانوا يتمازحون قبل اقتحام الجنود للمنزل، وكانوا يتبارزون ويطلقون تحديا من هو الأقوى، موضحة أن صوت ضحكاتهم ملأ أزقة المخيم.

وتشير إلى أن عمر أُسر مرتين، الأولى حُكم فيها سنتين، والثانية قبع فيها في أقبية مراكز التحقيق تحت التعذيب الشديد لمدة ثمانية عشر يوما ليجبروه أن يعترف على أعمال لم يقم بها، مبينة أنه كان شجاعا مقداما ولم يرضخ لكل أساليب التعذيب، حتى ملّ من عزيمته المحققون وأطلقوا سراحه.

بدورها، قالت زوجة عم الشهيد غادة مناع التي اقتحم جنود الاحتلال منزلها في البداية ظنا منهم أن يزن يسكن فيه، “كنت نائمة وفجأة وجدت الكلاب البوليسية فوق رأسي تنبح بشكل جنوني، ما اثار الرعب في قلبي، لدرجة أنني ظننت أني أرى كابوسا سأصحو منه قريبا، ولكن بعد دقائق وحينما رأيت الجنود فوق رأسي، هدأت قليلا، لأنهم لا يستطيعوا إخافتنا مهما عملوا”.

وتضيف أن الطريقة التي اقتحم فيها الجنود منزلهم وحشية وهمجية وهذا ليس بجديد عليهم.

وتشير إلى أن عمر وإخوانه عاشوا مع أولادها في بيت واحد، فهم السند لبعضهم البعض، وتربطهم علاقة قوية تحمل معاني إنسانية عظيمة في الوفاء والإخلاص، وكانوا دائما على قلب رجل واحد في السراء والضراء، وهم ينحدرون من عائلة مناضلة صلبة.

وتتابع انهم اعتادوا أن يأكلوا الخبز الذي يصنعه عمر في مخبز العائلة، فهو ماهر وفنّان في عمله ويمارسه بحب، مشيرة إلى أن يده جلابة للخير وممدودة دائما للعطاء، ومبسمه ضاحك يزيل الهم عن القلب، لكن اليوم يفتقده كل المخيم، فقد خسرت فلسطين خيرة شبابها.

من ناحيته، قال عم الشهيد عطا مناع إن آلة القتل الإسرائيلية تتعمد حصد ارواح الفلسطينيين، فالفلسطيني الجيد بالنسبة لهم هو الفلسطيني الميت. وأكد أن “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو صراع على البقاء وعلى الوجود، وأن من الطبيعي حينما يقتحمون منازلنا ويعتقلون أبناءنا أن يقاوم شعبنا الظلم والعنجهية والهمجية التي يمارسونها بحق أبناء شعبنا”.

وأشار إلى أنهم كعائلة وصلتهم أخبار من محامي الأسرى بأن شقيق الشهيد، يزن، محتجز في مركز توقيف “عتصيون”، وقد اوصت العائلة المحامي بأن لا يخبره باستشهاد أخيه، فالمرحلة التي يمر بها ليست سهلة على الإطلاق.

وفا- وعد الكار

Exit mobile version