المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

حينما تكون المعرفة مقاومة

بقلم: رمزي عودة

تطرح هذه المقالة مفهوم المعرفة ليس من زاوية تطور بنية العلم كما طرحها توماس كون، وإنما من الفعل والتأثير كما طرحها فريرو، وهي عندما تستخدم المعرفة في الثورة والتغيير الجذري في المجتمعات، وأقصد هنا على وجه الخصوص الثورة ضد الاحتلال الإسرائيلي. في هذا الإطار، فإن إنتاج المعرفة المقاومة للاحتلال يؤدي إلى تغيير المجتمع الفلسطيني نحو التحرر والعدالة والمساواة.

المعرفة المقاومة للاحتلال الإسرائيلي تتحدد سماتها بأنها أولاً: معرفة علمية تستخدم المنهج العلمي الموضوعي وغير المتحيز، وأنها ثانيًا تستطيع وصف وتفسير استمرار نموذج الاحتلال من خلال الوصف الدقيق والموضوعي الذي يتضمن واقع الاستعمار الاحلالي الاستيطاني العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن ثم تفسير استمرار هذا الواقع، وأخيرًا فهي معرفة قادرة على مخاطبة وإقناع كل من المجتمعين النخبوي والشعبي، الوطني والأجنبي، وذلك من أجل تمكينها من إحداث التغيير المطلوب في السياسات واتجاه الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية.

في هذا السياق، يوجد هنالك عدة أدوات لإنتاج المعرفة المقاومة المشتبكة مع الاحتلال أهمها البحث العلمي وعقد المؤتمرات والندوات والتشبيك مع مراكز البحث والرأي، واستخدام الاعلام بكافة أنماطه بما فيها الاعلام الرقمي.
في الواقع، تمتاز المعرفة كأداة للمقاومة عن غيرها من أدوات المقاومة بأنها قوة ناعمة تكون في العادة أكثر قبولاً وإعتدالاً، كما أنها أكثر قدرة على الاقناع والتأثير، وأقل جاذبية في تأليب الخصوم وردات الفعل القمعية.

في هذا الاطار، امتازت أدوات النضال والمقاومة في يوم التضامن هذا العام باستخدام إنتاج المعرفة كأداة لمقاومة الاحتلال. وظهر ذلك جليًا في المؤتمر العلمي الذي نظمته الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال الإسرائيلي والأبرتهايد وجامعة القدس المفتوحة. في هذا المؤتمر الموسوم “بالتحرر الذاتي للفلسطينيين.. انتاج المعرفة المقاومة” قُدّمت أكثر من 34 ورقة علمية أعدها وناقشها أكثر من 100 باحث من نحو 12 دولة عربية وأجنبية إلى جانب الأوراق الفلسطينية. الفكرة الهامة التي طرحها المؤتمر تتلخص في وصف نموذج الابرتهايد الإسرائيلي ومقارنته بالنماذج العالمية الأخرى، وطرحه للآليات التي يمكن أن تنجح في مقاومة هذا النموذج. في هذا المؤتمر الذي عقد تحت رعاية سيادة الرئيس محمود عباس، تقمص الباحثون دور المقاتلين، واستخدموا المعرفة كسلاح لهم، ووجهوا هذه المعرفة ضد المحتل الإسرائيلي. إنه بحق يمكن وصفه بثورة العلماء ضد المحتل الإسرائيلي.

لقد رشح عن هذا المؤتمر العديد من النتائج والمخرجات الهامة في مختلف القضايا ذات العلاقة ببنية الصراع مع المشروع الصهيوني. ولكن فيما يخص إنتاج المعرفة المقاومة، فإن أهم المخرجات التي تضمنها المؤتمر تتلخص في تعزيز التشبيك بين مؤسسات البحث والرأي الفلسطينية والعربية والأجنبية، وتشجيع الجامعات الأجنبية على إنشاء زمالات بحثية للباحثين الفلسطينيين والأجانب تتعلق بالدراسات الاستعمارية، وتشجيع فكرة المقاطعة الاكاديمية لدولة الاحتلال.

ما أود قوله في هذا الإطار أنه أيًا كان إذا ما وجب على دولة الاحتلال أن تقلق من ذلك الجهد البحثي العلمي المقاوم، فإن علينا العمل على تطوير النموذج المعرفي (البرادايم) لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بحيث يكون قادرًا على استنهاض الهامات الوطنية والإنسانية، وليس فقط أن يُناقش في الغرف الضيقة والصفية. يجب أن يتضمن هذا النموذج مزج مفهوم الأبرتهايد بمفهوم الاحتلال الاحلالي بطريقة قادرة على سد الفجوة النظرية بين الحقوق المدنية والدينية للشعب الفلسطيني وبين حق تقرير المصير له. إن انتاج المعرفة تصبح حسب هذا البرادايم فعلاً تحرريًا كما يقول فريرو، وهي من زاوية أخرى قادرة على صهر الطلبة الجامعيين والمحاضرين في الثورة المقاومة للاحتلال، فهي بالنتيجة تصبح ثورة تقوم على إنتاج المعرفة.

Exit mobile version