الرئيسيةمختاراتتقارير وتحقيقاتقرية جالود الفلسطينية تعيش النكبة مجددا.. 75 عاما تشابهت فيها الأداة والفاعل

قرية جالود الفلسطينية تعيش النكبة مجددا.. 75 عاما تشابهت فيها الأداة والفاعل

تقرير: عاطف دغلس

نابلس- حين وُلد محمد كمال عابد في قريته جالود (قرب نابلس بالضفة الغربية) كان قد مضى على نكبة الشعب الفلسطيني نحو 35 عاما، فهو لم يشهد تفاصيل المجازر التي ارتكبها المستوطنون وعصاباتهم الصهيونية المتطرفة آنذاك، لكنه يعيش اليوم الواقع ذاته، بل أشد.

وقبل أيام قليلة، عاش حي “الشيخ بشر” بقرية جالود أحداث الليلة الدامية، بعدما هاجم أكثر من 60 مستوطنا -تسللوا جماعات من مستوطنات عدة- 13 منزلا في الحي، وأرادوا ارتكاب مجزرة فيها بعدما أطلقوا النار، ففزع السكان عبر مكبرات الصوت بالمساجد وتصدوا لهم.

وأحرق المستوطنون وأعطبوا 3 سيارات -بينها مركبة عابد- وأصابوا عشرات المواطنين، وعاثوا خرابا بمنازلهم، وحطموا نوافذها، وكادوا يحرقونها فوق ساكنيها لولا تصدي أهلها وثباتهم.

ويقول عابد (40 عاما) -وهو أب لـ6 أطفال- للجزيرة نت “كانت “ليلة عصيبة ومرعبة عاشها الأهالي -خاصة الأطفال- في حي الشيخ بشر، وحبسوا أنفاسهم خوفا من مجزرة تشبه محرقة دوابشة في قرية دوما المجاورة، وهو ما هددهم به أحد جنود الاحتلال عندما اقتحم القرية وطالبهم بتركيب كاميرات، وإلا سيتكرر مشهد دوابشة”.

الاحتلال صعد عمليات الهدم في الضفة لإتاحة المجال أمام المستوطنين (الجزيرة)

حتى لا تتكرر المجازر
ويسابق الاحتلال الزمن لتهجير أهالي قرية جالود، لا سيما حي الشيخ بشر، لموقعه الإستراتيجي؛ فهو آخر تلة صامدة في وجه المستوطنين من بين 7 تلال احتلوها، التي تتوزع فوق جبال جالود والقرى المجاورة، وتعرف باسم “الرؤوس الطوال”، ويدفع الاحتلال بقوة وبمخطط أُعد سلفا لتهجير المواطنين.

وخلال أقل من عام تعرضت جالود -التي يسكنها 850 نسمة- لأكثر من 40 اعتداء، كان لحي الشيخ بشر نصيب الأسد فيها، وكان أخطرها حرق المركبات وأكثر من 200 شجرة زيتون معمرة بالمواد الكيميائية.

ويقول رائد حج محمد رئيس مجلس قروي جالود إنهم يجابهون 10 مستوطنات وبؤرة استيطانية ومعسكرات للجيش منذ عام 1975، استولت عبرها على أكثر من 80% من مساحة القرية، المقدرة مساحتها بـ22 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع).

وأضاف حج محمد أن الاحتلال سار بمخطط مواز للاعتداء المباشر عبر منع البناء الجديد في حي الشيخ بشر، أو توسيع وزيادة المنازل القديمة؛ وذلك للضغط على السكان ودفعهم للرحيل.

كما اتخذ من مقام “الشيخ بشر” مزارا للمستوطنين، ويخطط لعزل الحي “عبر جدار فاصل” بأكمله عن القرية، وضمه للمستوطنات المحاذية -مثل “إحيا” و”إييش كودش”- وغيرها، والتي تتصل ببعضها عبر سلسلة جبال بالأغوار الفلسطينية.

وثمة مشهد لم يغب عن بال حج محمد، وهو خوف الأهالي من توحش المستوطنين؛ ولذا حصَّنوا منازلهم بالأقفال وحراسة النوافذ كأنهم داخل موقع عسكري، ولزم أطفالهم البيوت، وتجهزوا عبر فرق للمساندة والحراسة ليلا.

ولا يريد الأهالي في جالود تكرار “مجازر” أحدثها المستوطنون وعصاباتهم قبل 75 وعاما ولا زالوا، فمن حيث الفعل والأدوات تشابهت الظروف إلى حد التطابق، وإن اختلفت المسميات.

مراحل المشروع الاستعماري
وعصابات “شتيرن” و”أرغون” و”هاجانا” التي أوغلت في دماء الفلسطينيين وأرضهم عام 1948 هي نفسها اليوم “شبيبة التلال” و”تدفيع الثمن”، واستخدمت الأدوات ذاتها من الرصاص والحرق والقلع والتدمير، عبر أسلوب يقوم على الغدر والهجوم الجماعي والاستفراد بالقرى والمنازل البعيدة والنائية وخلق حالة من الذعر والإرهاب.

وما عجزت عنه تلك العصابات عام 48 حين قتلت 800 ألف فلسطيني وهجرت أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينية، تستكمله الآن تنفيذا لمخطط مستمر يسعى إلى “الدولة اليهودية” القائمة على التطهير العرقي بكل معنى الكلمة.

وعندما فشل الاحتلال في تنفيذ ما وُصفت “بصفقة القرن”، أجَّلت إسرائيل التهجير الخارجي وبدأت بالتهجير داخليا وقسرا، والذي يقوم -وفق وزير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان السابق وليد عساف- عبر 3 مراحل: أولاها إخلاء الفلسطينيين من بعض مناطق الضفة الغربية كمسافر يطا والأغوار ومناطق خلف الجدار، وهؤلاء يشكلون 40% من مساحة الضفة، إضافة إلى التهجير “الناعم” لسكان القدس.

وتكون المرحلة الثانية بتنفيذ مشروع القدس الكبرى، القائم على إدخال التجمعات الاستيطانية الكبرى بالضفة الغربية كـ”معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون” بالوسط والجنوب و”بزخات زئيف” بالشمال، لإحداث أغلبية يهودية في المدينة.

وما تبقى وسط الضفة الغربية، وهو المرحلة الثالثة، يُقطّع إلى تجمعات معزولة عبر تشكيل كتل استيطانية كبرى متواصلة في ما بينها عبر قمم الجبال، ولتنفيذ مخطط الكتل الاستيطانية يتم الضغط على التجمعات والقرى الفلسطينية، كما يجري في جالود وقريوت وقصرة (جنوب نابلس).

ويقول عسَّاف إن ذلك سيؤدي إلى الانفجار السكاني بين الفلسطينيين، وتصبح الهجرة للخارج طوعية، ويضيف أن الضفة الغربية تعيش الآن “استعمارا كاملا وليس احتلالا”.

وخلال عام 2022 فقط، ارتكب جيش الاحتلال والمستوطنون أكثر من 35 ألف انتهاك ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية والقدس، تنوعت بين القتل (171 فلسطينيا) والحرق والاعتقال والهدم والتشريد والإبعاد وغير ذلك، وفق مركز معلومات فلسطين.

صمود في وجه التطهير العرقي
وبين عامي 1948 و2023، تتشابه ظروف النكبة تماما؛ إذ شكّل الاستيطان -حسب عسَّاف- نقطة إجماع لكل الأحزاب الصهيونية، وتقاسم المستوطنون وجيش الاحتلال الأدوار في التخطيط والتنفيذ، إلا أن الفرق هو استعجال الحكومة الحالية الإسرائيلية تنفيذ مشروع “التطهير العرقي”.

ويضيف عسَّاف أنه “يتم توفير غطاء كامل للمستوطنين علنا، سواء بالتستر عليهم قانونيا وعسكريا، وذلك بإغداق السلاح عليهم وتدريبهم وإطلاق أيديهم للقتل من دون محاكمة، أو أوكلت إليهم مهمات إدارية وعسكرية يلاحقون عبرها البناء الفلسطيني ويبلغون عنه أو يهدمونه حتى”.

ويقابل ذلك صمت عربي وعالمي ومناخ فلسطيني يسمح للمستوطنين بتنفيذ جرائمهم؛ فهناك انقسام سياسي أضعف الفصائل والتنظيمات، وتراجع الأداء بعد تفكيك لجان الحراسة والمقاومة الشعبية وإضعاف دور هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

وختم عساف بالقول إن الرهان أمام كل ما يحدث يبقى على وعي الفلسطيني وإدراكه المؤامرة عليه؛ ولذا فهو يرفض الخروج من أرضه ويصر على الصمود بها حتى لا يتكرر مشهد الرحيل ثانية بعد 75 عاما.

وحدَّت إسرائيل من نفوذ الفلسطينيين على أراضيهم للثلث أو أقل بتقسيم الضفة الغربية (5800 كيلو متر مربع) عبر اتفاق أوسلو إلى مناطق “أ” و”ب” و”ج” (والأخيرة تشكل 62% من الضفة) لتسهل عليها عملية التهويد، وتلاحق كذلك ما تبقى لصالح أكثر من 700 ألف مستوطن يجثمون في 320 مستوطنة وبؤرة استيطانية أو يزيد، استكمالا لمشروع “المليون مستوطن” بالضفة الغربية.

المصدر : الجزيرة

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا