الرئيسيةمتفرقاتثقافةفيلم صلاة العشاء قفزة عن المألوف في السينما الفلسطينية

فيلم صلاة العشاء قفزة عن المألوف في السينما الفلسطينية

كتب: المخرج سعود مهنا رئيس ملتقى الفيلم الفلسطيني

معظم المخرجين الفلسطينيين صنعوا أفلاما تتكلم عن الوطن والشتات والهجرة والمقاومة ومقارعة الاحتلال وهذا شيء جميل وعمل وطنى مهم لتأكيد الحق الفلسطيني وتأكيد الرواية الفلسطينية التي تحاول إسرائيل وأعوانها وعملائها تشويهها في العالم، وتعودنا على أن نشاهد أفلام فلسطينية مرتبطة بالأرض والإنسان وأصبحت صبغة معروفة وأحيانا مكررة. المخرج الفلسطيني يوسف علاري خرج عن المألوف بفيلمه المهم “صلاة العشاء” الذى اعتمد في صناعته على أن نشاهد فليم سينمائي فلسطيني بعيدا عن المألوف وركز على رؤية سينمائية حقيقية تداعب الوجدان والعقل بقصة جريئة وغير عادية وبصناعة تبشر بالخير على مسار السينما الفلسطينية والعربية. صلاة العشاء فيلم يروى قصة الشاب المنحرف “باسم” الذي يعشق ويواعد زوجة إحدى الرجال الصالحين (إمام مسجد) القاطنين معه في ذات الحي، وبطرق شيطانية يسيطر على صديق له بعد أن يجعله ينزلق معه في شرب الخمر وممارسة الرذائل ويقرضه المال ويكتب عليه شيكات، ليحكم سيطرته عليه، ومن ثم يطلب منه أن يذهب كل ليلة لصلاة العشاء، وبعد انتهاء الصلاة يجعله يسأل الإمام سيل من الاسئلة حتى يتيح لصديقه الخلوة مع زوجة الإمام لأطول فترة ممكنة. ولكن بذكاء من الكاتب وهو مخرج الفيلم تتسارع الأحداث عبرة حبكة درامية محكمة فيتأثر الشاب بالإمام من خلال الأحاديث التي تدور بينهما كل ليلة، ومن خلال أخلاق الإمام العظيمة التي جعلت الشاب يحب تلك اللحظات التي يقضيها مع الإمام بالجامع، بل ويرجع إلى ضميره الذي بدأ يأنبه على ما يفعله بهذا الرجل الفاضل، فأخذ بالابتعاد عن الشرب والرذيلة وحاول مرارا اقناع صديقه باسم بالابتعاد عن زوجة الإمام، مما أغضب باسم الذي طلب منه أن يستمر في هذه اللعبة القذرة وهدده بالسجن إن لم يقم بتسديد الشيكات. الفيلم نموذج جديد وراق عن سينما بها رسالة وفكر وجمالية كبيرة في الحبكة و القصة المأخوذة من الواقع المرير، حيث يبدأ الفيلم بعبارة “مستوحى من الواقع” أهم ما في الفيلم أنه رغم المكيدة التي أحيكت للإمام وطعنه في عرضه، إلا أن الفيلم أظهر الإمام بأجمل صورة إنسانية وأخلاقية وإيمانية، كما وأظهر أن الاستغلال والهيمنة لهما نهاية سيئة، الفيلم مليء بالإسقاطات، من أهمها استغلال الدين والشخصيات الدينية من أجل مآرب خبيثة. لقد أبدع المخرج في تصوير المشاهد واختيار المواقع وحتى اختيار الممثلين وتجنيد الآيات القرآنية لتكون داعمة للسيناريو بطريقة مميزة، كما أبدع في تسخير الإضاءة حسب الحالة النفسية للأحداث مما أضفى جمالية على المشهد، كما استخدم التكوين السينمائي بجدارة رغم المساحات الضيقة الداخلية للتصوير وهذا يحسب للمخرج، الجدير بالذكر أن المخرج يوسف علاري هو الذى قام بتمثيل دور المجرم (باسم) فأبدع أيضا في تقمص الشخصية والأداء الاحترافي العالي المستوى. حقيقة ما أدهشني في الفيلم هو نهايته وطريقة سرده للأحداث التي لا تخطر على بال أي مبدع، فكانت مفاجئة جعلت من الفيلم نموذجا نادرا في كتابة السيناريو. إننا نرى أجمل ما في الفيلم أنه كسر قاعدة الأفلام الفلسطينية التقليدية، وقدم لنا سينما نظيفة لا تعتمد على الشعارات أو المواقف الإنسانية حيال الوطن والقضية؛ لذلك نعتبر فيلم “صلاة العشاء” علامة فارقة ونموذجا جديدا في مسار السينما الفلسطينية، لأنه اعتمد على قصة وسيناريو وصناعة مختلفة تماما عما شهدناه وألفناه من أعمال سينمائية فلسطينية. أمَّا من ناحية الممثلين فقد وفق علاري في اختيار طاقم العمل، فقد أجاد دوره ببراعة الفنان المميز ماهر مزوق، والممثل محمد خالد الذي وفق بتجسيد الشخصية الإمام ، وأيضا الفنانة منيرفا أحمد التي قامت بدور الزوجة الخائنة كان أدائها رائعاً، كل هذا القدر والتناغم في أداء الممثلين دعم قوة وجمالية الفيلم، لذلك فاز الفيلم حتى كتابة هذا المقال بإحدى عشرة جائزة في العديد من المهرجانات السينمائية الدولية ومرشح أيضا بالفوز بالعديد من الجوائز. من هنا أنادي جميع صناع الأفلام الفلسطينيين أن يقدموا أفلام سينمائية بهذا المستوى الراقي الذي يعبر عن الإبداع في الفكر و الصناعة، وهذا ليس نداء بأن نترك الأعمال الوطنية التي تتكلم عن القضايا المصيرية الفلسطينية، بل هو نداء بأن نترك لأنفسنا فسحة من الخوض في صناعه أفلام سينمائية بكل مقاييس السينما المتطورة والجديدة التي تحاكى العقل والتي تبهر كل المهتمين بالسينما وكل من يشاهد الفيلم.

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا