الرئيسيةأخبارالرئيسيةلا تراجع عن العقوبات .. لا تراجع عن الإضراب

لا تراجع عن العقوبات .. لا تراجع عن الإضراب

نشر الأسرى وصيتهم، إيذاناً بدخول الأمتار الأخيرة الفاصلة لـ”المعركة الكبرى”، التي ستكون السجون ساحاتها، والأمعاء أسلحتها، وأيام الشهر الفضيل أوانها.

لا تراجع، تقول إدارة سجون الاحتلال عن إجراءات تنكيل أوصى بإيقاعها وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، ولا تراجع، يؤكد الأسرى- الذين بدأوا بالعصيان منذ 36 يوماً- عن برنامجهم النضالي المقرّ لصون حقوق يحاول شطبها المتطرف إيتمار بن غفير.

وبين اللا واللا، لا مفر من انفجار “بركان الحرية أو الشهادة”، الذي اختارته الحركة الأسيرة عنواناً لإضراب عن الطعام ضمن حملة الدفاع عن إنجازات اضطروا من أجل انتزاعها إلى فقدان آلاف الكيلوغرامات من بنيتهم، وبعض أعضائهم ووظائفها الحيوية، في احتجاجات وإضرابات عن الطعام سابقة.

“يتوجه الأسرى للإضراب عن الطعام مكرهين، ومن يخوض معركة الأمعاء الخاوية يعي ما سيواجهه من معاناة، وتدرك إدارة سجون الاحتلال أن الشروع بالإضراب لا يفله سوى الإذعان للمطالب، فصاحب الحق صلب لا يمكن كسر إرادته، مهما قابلها من أساليب ومغريات وما يكتنفها من مخاطر تصل حد الموت”.

هكذا لخص الأسير المحرر إسماعيل عارف، من بلدة دير عمار شمال غرب رام الله، ما تكون عليه إضرابات الأسرى، التي تمثل سلاحاً إستراتيجياً أخيراً، لا يتم اللجوء إليه إلا حين تتعاظم الهجمة من إدارات سجون الاحتلال، وبعد فشل كل الحلول الأخرى الممكنة.

قضى عارف 23 عاماً في سجون الاحتلال، خاض خلالها 5 إضرابات مطلبية عن الطعام على الأقل، آخرها عام 2017 إلى جانب أكثر من 1500 أسير، احتجاجاً على قرارات منها: منع الزيارات، وإعادة الأسرى المرضى من عيادة سجن الرملة إلى الأقسام، والمطالبة بتحسين وضع عربات نقل المعتقلين الحديدية “البوسطة”.

الإضراب استمر 42 يوماً، تخلله أعنف هجمة من إدارات الاحتلال على الأسرى المضربين. حملة نقل واسعة، واستهداف بالغاز السام، والمهاجمة بالهراوات وغيرها، وباعتراف الاحتلال نفسه، فقد استخدمت إدارة السجون حينها جميع الأساليب العنيفة تجاه كسر الإضراب.

بعد فك الإضراب، تعرض عارف لوعكة صحية، وشعر بعدم اتزان، فطلب الخضوع لفحص طبي تبين إثره أنه مصاب بـ”مشاكل” في الكلى ووظائفها، وبقي على مدار عامين يخرج إلى الفحوصات في عيادات السجون ليتيقن من مرضه، وكعادتهم، ما انفك أطباء إدارة سجون الاحتلال يقولون “كل شيء على ما يرام، ليس هناك ما يستدعي القلق”.

وبعد استنفار أسرى فتح في 12 قسماً بسجن النقب، وتهديدهم بالتصعيد، خضعت الإدارة ونقلت الأسير إلى مستشفى “برزلاي”، وتبين من خلال الصورة الأولى أن كليته اليسرى “منتهية” ويجب استئصالها.

ويضيف عارف، أن الفلسطيني على قناعة مطلقة بأن قرار النضال ضد الاحتلال مآله إلى ثلاثة: النصر أو السجن أو الشهادة، وروح الفدائي الفلسطيني لا يمكن أن تنكسر أمام إدارة الاحتلال حتى لو كان المصير الموت، وهذا ما يدفعنا إلى الإضراب حتى لو كان الأسوأ في انتظارنا.

وارتقى 235 شهيداً من أبناء الحركة الأسيرة، ومنهم من لفظ أنفاسه الأخيرة في إضرابات عن الطعام، أولهم الأسير عبد القادر أبو الفحم، الذي ارتقى في 11 تموز / يوليو 1970، خلال إضراب سجن عسقلان، وتبعه الشهيدان راسم حلاوة وعلي الجعفري، اللذان استُشهدا خلال إضراب سجن نفحة عام 1980، والشهيد محمود فريتخ الذي استُشهد على أثر إضراب سجن جنيد في 1984، والشهيد حسين نمر عبيدات الذي استُشهد في تشرين الأول / أكتوبر 1992 في إضراب سجن عسقلان.

الأسير المحرر عبد السلام أبو محسن، وهو صاحب تجربة اعتقال امتدت لعشرين عاماً شارك خلالها في عدة إضرابات عن الطعام، أوضح أنه حين يبدأ تنامي التوجه إلى الإضراب المفتوح عن الطعام بعد فشل الحوار مع إدارة سجون الاحتلال وسائر الوسائل الاحتجاجية الأخرى، يبدأ إعداد الأسرى ممن لمن يخوضوا الإضرابات في السابق عبر توزيع “نشرات تعبوية” تشمل شرحاً مفصلاً لكل ما يمكن أن يتعرض له الأسير، وكيف يجب التصرف.

فالوقوف مثلاً، له بروتوكول خاص يقوم على عدة مراحل لتجنب الشعور بالدوار، وبالتالي السقوط والتعرض للخطر، بسبب قلة التغذية والسوائل، وكل ذلك معد من أطباء أو ممرضين تعرضوا للاعتقال.

وتشمل حالة التعبئة حسب أبو محسن، الأساليب التي يمكن أن تمارسها إدارة سجون الاحتلال لكسر الإضراب، بالتحذير من الخطر المحدق بالحياة أو بالكلى والأسنان والشعر وغيرها من الوظائف الحيوية، ويتم ذلك بعد نقل الأسير إلى العيادة إذا ما تعرض للتوعك بفعل الإضراب.

“في العيادة يتم ممارسة الضغوط على الأسير المضرب الذي يشتكي من وجع أو عدم اتزان، هناك يتم تطبيق أساليب الضغط النفسي من الاستخبارات والإدارة لكسر الإضراب. الأسرى المقبلون على الإضراب يتلقَّون شروحات لرفع الوعي حول ذلك”.

وبين أن الاحتلال ينظر إلى الإضراب عن الطعام كحالة تمرد على قوانين إدارة السجون وقراراتها، ومباشرة يبدأ بالإجراءات العقابية كالنقل والعزل، وما يرافق ذلك من تنكيل بالعدد العنيف، والطرق على الأبواب، والصراخ، والتهديدات، وفتح مكبرات الصوت على مدار الساعة، وما يمكن تسخيره من وسائل عقابية في محاولة لكسر الإضراب بالتأثير المعنوي.

وشدد على أن إعداد “جيش الإضراب” يبدأ بالجانب الإداري وهو الأهم، فالحماسة وحدها لا تكفي لخوض معركة، وهنا يتم التأكيد على ضرورة الالتزام بتعليمات القيادة، التي تكون أكثر خبرة وفهما وروية في تقييم الأمور والتطورات.

وفي المرحلة التالية، يجري تعريف الأسير على ماهية الخطوة النضالية ودواعيها، فالإضراب الذي يُعرف بـ”النضال السلبي”، لا يعتمد فيه الأسير على القوة، بل على ضعف الجسد مقابل قوة الإرادة المفرطة، في سبيل انتزاع مكتسبات انتُزعت على مدار أربعة عقود في سجون الاحتلال.

يقول أبو محسن: “بعد استلام حكومة اليمين المتطرف لدى الاحتلال، انصب الاهتمام على الإنجازات التي حققها الأسرى، ومنها في الكانتينا، والتعليم في بعض الجامعات، والفورة مهددة، ووقت الاستحمام، والخبز الطازج، بمعنى أن يتم التحكم بكل مناحي الحياة داخل المعتقلات، وهذا يضع الأسرى بين خيارين: إما أن ترفض وتحتمل لأسبوع أو عشرة أيام أو أسبوعين أو عشرين يوما، وتعود تحيا بلا كرامة، وأعتقد أن الأسرى سيفضلون الموت على ذلك”.

وينوه المحرر عبد السلام أبو محسن، إلى أن إعداد الأسرى للإضراب يقابله استنفار أوسع من إدارات السجون وإعلان حالة طوارئ دائمة، إذ تُمنع الإجازات عن جميع الطواقم بمن فيهم المدراء، ويجري استدعاء المزيد من قوات القمع والطواقم الطبية والإسعافات، ويوضع الجميع في حالة الاستعداد على مدار الساعة.

“سنشهد في الأيام الأولى من الإضراب، فتح قنوات اتصال أكثر مع ممثلي الأسرى من إدارات السجون، سيأتون ليقولوا نحن مثلكم نريد أن ننتهي من هذا الأمر، وهذا يدلل على حجم الضغط الذي تفرضه الإضرابات عليهم، وتتغير بموجبه أنماط حياتهم.

قدورة فارس، رئيس نادي الأسير، أوضح بدوره أن اجتياز مرحلة العصيان يومها السادس والثلاثين واقتراب المعركة الكبرى المتمثلة بالإضراب المفتوح والجماعي، تعني أن التعنت والتعصب والعنجهية سادة الموقف وهي العوامل التي تدير آلية حكم سلوك إسرائيل.

وقال: “الخبرة وُضعت جانبا لصالح التطرف ولصالح المستوى السياسي الذي يتصرف استنادا إلى مخزون الحقد والكراهية لديه، وهو لا يريد أن يستخدم خبرة الخبراء التي تراكمت عبر عقود في طريقة التعامل مع الأسرى، وهذا يعكس بعض مؤشرات المرحلة بشكل عام في صراع الفلسطينيين مع الاحتلال، لأن المعتقلات تمثل عينة نموذجية منا ومنهم في نهج التعامل، وقضية الأسرى تصلح لأن تكون من أدوات القياس حين الحاجة إلى بلورة إستراتيجية وطنية بشكل عام”.

وأكد أن إسرائيل لم تنفك عن محاولات تطويع الأسرى وقهرهم وكسرهم في الماضي والحاضر، ولن تتوقف في المستقبل أيضا، لأنها تدرك أكثر من غيرها القيمة الرمزية للحركة الأسيرة، ووضعها في إطار الرواية الوطنية، وتشكيل الوعي الجماعي للفلسطينيين، ولذلك حين يُستهدف الأسرى في كسر روحهم وإرادتهم، إنما المستهدف هو الشعب الفلسطيني، فإذا تمكنوا من التغلب على هؤلاء المناضلين وإهانتهم والحط من كرامتهم، فما بال بسطاء الناس؟

وأوضح رئيس نادي الأسير، أن ملف الأسرى إذا ما طُرح في اللقاءات التي عُقدت مؤخراً في العقبة وشرم الشيخ، فإن حكومة الاحتلال تحاول أن تقابله بالدعوة إلى مطالبة ترحيل خطوة الإضراب إلى ما بعد شهر رمضان، وهي بذلك لا تتنازل عن نواياها بـ”الذبح”، ولكنها تطلب أن يكون ذلك وفقا لرزنامتها وفي توقيت مواتٍ لها أكثر.

وإزاء ذلك، قال الباحث في شؤون الأسرى منقذ أبو عطوان، إن الأسرى هم أفضل من يتابع ويحلل ويضع الخطط المعدة مسبقا، ويدركون تماما أن هناك تخوفات لدى حكومة الاحتلال من تفجر الأوضاع في شهر رمضان، فضلاً عن مكانة هذا الشهر وقدسيته عند الشعوب في العالمين العربي والإسلامي.

ويتابع أن الأسرى يعتقدون أن حالتي المواجهة والغليان ستكونان في رمضان أكثر أثراً في حكومة الاحتلال، ما يجعلها تضطر إلى الدخول في حوار قد ينتهي بالموافقة على شروطهم المتواضعة.

وذكر أبو عطوان أن إدارة السجون تستعد للحظات الصعبة التي من الممكن أن يشهدها رمضان، وبالتزامن مع ذلك تُفتح قنوات اتصال مع قيادة الحركة الوطنية الأسيرة حول المطالب، ومن يقول إن فترة العصيان لم تؤت أكلها، فعليه أن يتذكر أن إعلان الإضراب عن الطعام يشترك فيه جميع القوى الوطنية والإسلامية، وهذا مؤشر على فشل مماطلة الاحتلال وخسارة رهانه على انقسام الصف الفلسطيني داخل السجون، وضياع فرص تفسخ الحركة الأسيرة ودق الأسافين بينها، وبالتالي ستعود صاغرة للحوار، لأنها تدرك تبعات عدم التعاطي مع مطالب الأسرى داخل المعتقلات وخارجها.

عبد الناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، تحدث كذلك عن خشية دولة الاحتلال من بدء الإضراب عن الطعام في السجون، والقلق الذي يساورها من أن يكون الأسرى شرارة المواجهة، والصاعق الذي يقود إلى انفجار الأوضاع خارج المعتقلات.

لذلك، كما يقول فروانة، “تحاول إسرائيل نزع فتيل التوتر القائم في السجون، وتهدئة الأوضاع في الأمتار الأخيرة، وليمر هذا الشهر “على خير”،

وأضاف: “هناك حوارات مع إدارة السجون وتدخلات خارجية في هذا الشأن ربما تثمر عن شيء، رغم الرفض القاطع للتراجع عن إجراءات بن غفير”.

وتطرق فروانة إلى أن الأسرى متنبهون إلى مكر إدارة السجون واحتمال قيامها بالالتفاف على مطالبهم، بهدف دفع الإضراب عدة أسابيع إلى الأمام، ولذلك يطالبون بالتزامات واضحة بالتراجع عن كل الإجراءات التعسفية التي أُقرت بحقهم”.

وقال: “الأسرى مصممون على المواجهة، لأنهم أكثر خبرة في التعامل مع إدارة السجون، ويمتلكون من الإرادة والعزيمة والإصرار على المضي قدماً في خطواتهم وخوض الإضراب المفتوح عن الطعام. الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي، إذا استمرت في رفضها التراجع عن الإجراءات، فبالتأكيد نحن ذاهبون إلى إضراب متدحرج قد يحرق الأخضر واليابس”.

وفا- رامي سمارة

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا