الرئيسيةتقاريرشموع المسيرةثلاث وثلاثون عاما على رحيل القائد جاسر عثمان دويكات: لن يموت البحر...

ثلاث وثلاثون عاما على رحيل القائد جاسر عثمان دويكات: لن يموت البحر يا حارس البيدر

الشهداء لا يموتون، ولا يغادرون الوطن لحظة، إنما هم ملح الأرض، وماءها، التي ما ان تصعد للسماء، حتى تعود مطرا لتنبت سنابل القمح، وأزهار الياسمين، يعودون في موسم الزيتون خيرا، وفي موسم الربيع نسيما عليلا، وفي اللحظات الصعبة ريحا عاتية، ونارا حارقة تضق مضاجع الأعداء.
ويضطر الزمن أن يتنازل عن شروطه أمام بهاء الشهداء وتضحياتهم، فإن كان قادرا بأيامه وليلاليه أن يطوي صفحات الأحداث والأوجاع، الأفراح والأتراح، إلا أن عنفوان الشهادة، وطيب دماء الشهداء، تفرض شروطها، وتعيد رسم الحكاية من جديد وكان أحداثها ترتسم من جديد، فيفقد الزمن سطوته أمام سطوة من زرعوا الحقول الوعرة نضالا وعطاء، لتفترش سهول الوطن ثورة، وانتفاضات تلو أخرى، إلى أن يحصد شعبنا نصرا مداده دماء الشهداء.
ثلاثة وثلاثون عامآ مضت على ترجل الشهيد القائد ” جاسر عثمان دويكات ” أبو عمار “، ولا زال اسمه عاليا، وحضوره يملأ ساحات الوطن، ودماءه تروي أشجار الزيتون وأزهار الدحنون من النهر إلى البحر، ولا زال المناضلون يذكرون اسمه في أحلك اللحظات، ليمدهم بالعزيمة اللازمة لإكمال الدرب،
اَمن شهيدنا جاسر أن الشهادة لا تنتقص من حضور المناضل الأبدي، فلم يأبه بالموت، بل استقبله فرحا باسما، ببهاء أجمل العرسان، فقد نشأ وترعرع على حب الوطن، بل كان الوطن هو رسالته الأولى وتحريره هو غايته الأسمى، كان رياضيا، وسيما، خلوقا، إجتماعيا، معطاءا، وكأنه كان يعرف في مكنون ذاته انه خلق ليكون شهيدا، فكان خلقه، وسلوكه يرتقي دائما لسلوك الشهداء والمناضلين، فغادرنا مبكرا ولم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره، تاركا خلفه نهجا نضاليا وزوجة وطفلان، أكبرهما عمار، تيمنا بقائد المسيرة ورمز النضال ياسر عرفات ” ابو عمار ” والاخر اياد ” تيمنا بالشهيد القائد صلاح خلف ” ابو اياد “، إذ لم يكون ياسر عرفات، وخليل الوزير، وسعد صايل، وابو اياد أسماء نضالية عملاقة في ذاكرة شهيدنا فقط، بل كانوا رفاق درب، وموجهي نضاله في الأرض المحتلة.
كانت زنازين المحتل، ونازية محققيه كفيلة بأن ترسم ملامح الشخصية النضالية للشهيد البطل، فقد كان في ربيع العمر حينما أضحى زائرا دائما لزنازين الإحتلال، ولأقبية تحقيقه التي تشهد له بالصلابة الفولاذية، ولم يتعدى عمر الطفولة حينما كان أسمه مرتبط بالصمود الاسطوري في زنازين المحتلين، فكان وجوده بها عاملا هاما في رفع معنويات رفاق الدرب في أقبية التحقيق ،وتوجيههم لأساليب التحقيق التي ينتهجها المحتل، لما راكمه من خبرة نضالية بسبب تعدد مرات اعتقاله، إذ عرف عنه صلابته وشجاعته ، ولم يسجل في سجله الناصع اعترافا للمحتلين، على الرغم من تيقن المحتل أن شهيدنا هو قائد وموجه العمل العسكري في نابلس وشمال الضفة الغربية، وبأنه قائد الهجمات النوعية على جنود الإحتلال وعملاءه، بالإضافة إلى أن إصابته في بطنه خلال تصنيعه للمتفجرات التي أتقن صناعتها قد أكد شكوك المحتلين، إلا أنهم أخفقوا ولو لمرة واحدة في انتزاع اعتراف من شهيدنا البطل، الذي امن ان الحفاظ على سرية العمل العسكري والتنظيمي، وحماية رفاق الدرب هو واجب مقدس، مما حذى بفاشيي العصر الجدد من محققي الاحتلال الى استخدام ابشع طرق التعذيب التي لا يتحملها بشر ضد شهيدنا البطل، وصلت الى حد التسبب بجرح عميق في قدمه باداة حادة، وتقطيع شريانات القدم، وتركه ينزف وهو مشبوح إلى أن فقد الوعي، واهمين أن جرح الجسد قد يوهن الارادة ، متناسين أن ارادة الثوار من فولاذ، يزيدها النار قوة وصلابة، حيث خرج شهيدنا البطل من الأسر بعد شهرين من العلاج، بعد أن تيقن المحتل بأن قدمه لن تعود إلى وضعها الطبيعي قبل الإصابة، إلا أن القائد جاسر دويكات سرعان ما عاد لقيادة العمل العسكري من جديد، مستثمرا إصابته في القدم للسفر خارج الوطن بحجة العلاج، للتواصل مع قيادة حركة فتح في الخارج، وتوفير ما يلزم منه للمجموعات المسلحة للقيام بالعمل الفدائي الذي ابدع شهيدنا في مضاعفته حتى غدى كابوسا يؤرق المحتل.
أمن شهيدنا أن المتفجرات محلية الصنع غير كافية لتغطية حاجة العمل العسكري الذي كان يقوده، فنجح بإدخال السلاح إلى الأرض المحتلة، من خلال التنسيق مع الشهيد القائد سعد صايل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وجنرال حصار بيروت، واستطاع توسيع العمل العسكري، وتكثيف الضربات الموجعة لجيش الاحتلال، ومعسكراته، مما جعل المحتل يفقد صوابه ويبذل جهودا استخبارية كبيرة لوقف استنزافه البطولي، على أيدي شهيدنا ورفاق دربه الأبطال، حتى نجح في رصد كمية من السلاح دخلت لشهيدنا البطل بتعليمات من القائد سعد صايل، والذي كان لاستشهاده اثرا كبير في نفس شهيدنا البطل، إذ اقسم أن يثأر لدماءه من المحتلين، فكان قدر الله أن يرتقي شهيدا وهو يقوم باستلام السلاح من إحدى النقاط الميتة في قرية رامين، برفقة رفاق الدرب والخندق والبندقية الشهداء الابطال حسن الدريني، وأبو حسن الدريني.
استشهد جاسر، في الوقت الذي كان اخوته الأربعة خلف القضبان، إلا أن الجماهير الوفية زفت شهيدها بما يليق بالقادة الشهداء، وها هو اليوم شهيدنا البطل، في ذكراه الثالثة والثلاثين، يفرح من السماء، حينما يرى عمار وإياد، مكملين لدربه، وحافظين لسمعته الطيبة، ويرى اشقائه من رجال الوطن، وموجهي الرأي العام به، حراسا لاحلامه بوطن حر سيد مستقل، لم ترهبهم جميعا سنوات السجن ولا ظلام الزنزانة، حافظين لوصيته التي قال فيها :
أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
وانظر إلى شفتي أطبقتا على هوج الرياح
أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح
واقرع طبولك يستجب لك كل شعبك للقتال

كتب رائد محمد الدبعي

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا