الرئيسيةتقاريرشموع المسيرة"الحكيم في ذكرى رحيله" كتب عيسى عبد الحفيظ

“الحكيم في ذكرى رحيله” كتب عيسى عبد الحفيظ

في الثاني من آب عام 1926 شهدت مدينة اللد صرخة الطفل الوليد جورج حبش، وفي 26/10/2008 شهدت مدينة عمان رحيله.

“أنا اسلامي التربية، مسيحي الديانة، اشتراكي الانتماء”، بهذه الكلمات البسيطة المعبرة لخص الحكيم تكوينه الانساني، وانتماءه الفكري، ونظرته إلى العالم.

العالم الذي ظلم الحكيم وكل ابناء شعبه. فقد كتب عليه أن يعيش النكبة وهو يدرس في الجامعة الأمريكية في بيروت، حين قرر ترك الدراسة من هول الصدمة التي أحدثتها النكبة، نكبة شعبه بأسره. لكن إصرار الوالدة جعله يستمر في دراسته ويتخصص في طب الاطفال، بل ويعمل استاذا مساعدا في الجامعة الأمريكية، وينقل النشاط السياسي إلى حرم الجامعة نفسها، تنظيم التظاهرات احتجاجا على الموقف العربي الرسمي، بل وأن يحطم البوابة الرئيسية للجامعة، ما أدى إلى فصله منها نهائيا، بعد أن استطاع تحويل جمعية العروة الوثقى من منتدى بحث إلى منتدى سياسي تتصارع فيه الأفكار والرؤى وكلها تدور حول القضية الفلسطينية.

كانت فلسفته بسيطة قريبة من الواقع الفلسطيني المرتبك، فخاطب العقول قبل القلوب “ثوروا فلن تخسروا سوى القيد والخيمة”. نعم لم يكن الفلسطيني ليخسر سوى قيده الذي حاولوا تكبيله به ليسكت على الظلم الفادح الذي وقع عليه، والخيمة التي ترمز إلى نكبته وفقره وتشريده.

كان يعي تماماً معادلة الصراع، واختلال الموازين، والحالة الفلسطينية التي كانت ما زالت تحت وقع الصدمة “الثورة الفلسطينية” قامت لتحقيق المستحيل لا الممكن”.

كان السؤال الذي يؤرقه، ويسعى جاهدا للإجابة عنه “كيف حصل ما حصل، وما هو الرد؟” من العروة الوثقى التي أدت إلى طرده من الجامعة الأمريكية إلى عيادة الأطفال في (سقف السيل) في عمان أين افتتح عيادته الخاصة شبه المجانية للفقراء والمعوزين، بدأ الحكيم بالتحرك السياسي المنظم. فكانت (كتائب الفداء العربي)، التي تحولت إلى حزب سياسي عام 1956 تحت اسم (حركة القوميين العرب)، وامتد نشاطها ليشمل الساحة الأردنية، ولبنان، وسوريا، ودول الخليج، والعراق، وليبيا. وكان للشهيد الراحل وديع حداد، ومقبل مومني، وسالم النحاس، وأبو علي مصطفى، وغيرهم أدوارهم وبصماتهم على حركة القوميين العرب التي امتدت على معظم مساحة الوطن العربي معززة من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر منذ العام 1964.

سبق ذلك الانفصال، والدور الذي لعبه الحكيم في إعادة اللحمة إلى الوحدة العربية التي كان يرى فيها شرطا أساسيا للتحرير. لكن الأيام والاحداث كانت له بالمرصاد، فحدثت النكسة عام 1967، لتضع الحكيم في موقع إعادة النظر في كل ما حدث ونتائجه وأسبابه وكيفية الخروج من المأزق الجديد الذي أدى إلى ضياع كل ما تبقى من فلسطين، بل واحتلال أراض شاسعة من مصر وسوريا، فأعلن قيام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

لم ييأس الحكيم حتى حين أعلنت القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل الانشقاق، ولم ييأس حين أعلن نايف حواتمة الانشقاق وتأسيس الجبهة الديمقراطية. ثابر وناضل وقاوم وتصدى مسلحا تنظيمه بالنظرية الثورية الماركسية اللينينية، وتبنى نظرية العنف الثوري حين بدأ بخطف الطائرات والتي وصلت في يوم واحد إلى ثلاث طائرات ضخمة ممتلئة بالركاب انزلها في مهبط قديم منذ الحرب العالمية الثانية ليس أكثر من شارع في بقعة شبه صحراوية قرب مدينة الزرقاء الاردنية.

ترك الحكيم قيادة الجبهة للشهيد أبو علي مصطفى الذي عاد إلى أرض الوطن، مثال في الرجولة والتواضع والثورية.

لم تهمل الطائرات الاسرائيلية ابو علي مصطفى كثيراً، فتم نسفه في مكتبه في رام الله بصاروخين اطلقا من طائرتي أباتشي كانتا ترصدانه على مسافة عدة كيلومترات.

ونحن نستذكر الحكيم ونستذكر جملته الخالدة “تستطيع طائرات العدو ان تقصف مخيماتنا وان تقتل شيوخنا واطفالنا، وان تهدم بيوتنا، ولكنها لن تستطيع أن تقتل روح النضال فينا”.

لا يسعنا إلا أن نترحم عليه وعلى عطائه الذي رسخ كل جهده وعمره من أجل أن تبقى فلسطين على الخارطة، وستبقى كما قال الشهيد ياسر عرفات “شاء من شاء وأبى من أبى”، وكما قال هو في كتابه الوحيد (الثوريون لا يموتون أبدا).

أخبار ذات علاقة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أهم الأخبار

اخترنا لكم

المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا