المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

الاخوان ليسوا القوميين كتب عمر حلمي الغول

كثير من النخب السياسية يلتبس عليها تشخيص دور حركة حماس في الساحة. وضاعت معايير القراءة العلمية في فهم العلاقة بين الخطاب والشعار المعلن وبين الوظيفة والمهمة الموكلة لها في المشهد السياسي الفلسطيني، وعلاقة ذلك بالتنظيم الدولي للجماعة. ولم يميزوا بين شرط العلاقة الجبري معها من قبل ممثلي منظمة التحرير وبين التقييم العلمي لما ترمي اليه من إنخراطها في الفعل السياسي “الكفاحي” الفلسطيني بعد عشرين عاما من إنطلاقة الثورة المعاصرة. نتج عن ذلك، تخبط وتشوش في الربط بين التكتيكي والاستراتيجي. لم يكن دخول حركة حماس للمشهد السياسي عفويا او نتاج “صحوة وطنية”، بل لتحقيق أهداف القوى، التي تقف خلفها (التنظيم الدولي للاخوان وقوى عربية ودولية وإسرائيل) وهي: القيام بدور البديل لمنظمة التحرير؛ تمزيق وحدة الارض والنسيج الوطني والثقافي للشعب العربي الفلسطيني؛ تبديد المشروع الوطني برمته. وكان لازما عليها لتمثل الدور الوطني، لبوس ثوب “المقاومة”، كي تلعب دور حصان طروادة التدميري. وقدم العشرات والمئات من المواطنين من خلال الانتماء لحركة حماس ارواحهم دفاعا عن الشعب والوطن بخلفية صادقة، لانهم إعتقدوا، ان حركة حماس، معنية ب”التحرير”، لاسيما وانها رفعت شعارات تضليلية “تمجد المقاومة” وضد التفريط. حتى ذهبت قطاعات واسعة من الشعب لتصديقها، والتفوا حولها، وصوتوا لها في الانتخابات التشريعية، ومنحوها الاغلبية. ولان إسرائيل والولايات المتحدة ساهمت ومن يقف معها في حملة التضليل لتسويقها وتعويمها في المشهد الوطني. ونجحوا ونجحت في اقتحام المشهد من اوسع ابوابه.

للاسف النخب السياسية لم يحكموا المنطق والعقل في المحاكمة العلمية لدورها، وسقطوا في المنهج الستاتيكي الشكلي، واعتقد هذا البعض، ان حركة حماس لن “تفرط” ب”تاريخها” او بشهدائها، وكأن تاريخها ناصع او مشرف! وتناسوا انها جزء لا يتجزأ من التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، بما لهم وعليهم، وبالتالي إعتقادهم لا يمت للحقيقة والمنطق بصلة، وفيه تضليل للذات والشعب على حد سواء. لان تاريخها، هو تاريخ جماعة الاخوان المسلمين غير المشرف والمعادي للامة العربية وشعوبها ونهوضها وتطورها. اضف إلى ان المقاربة من حيث المبدأ بين التنظيم الدولي للاخوان المسلمين والاحزاب القومية واليسارية، هي مقاربة بائسة، تنم عن ضبابية سياسية وفكرية. لان القوى القومية واليسارية على كل اخطائها وخطاياها وديكتاتورية انظمتها السياسية، كانت تؤمن بوحدة الشعوب وتطورها، وتلتزم بالدستور الوضعي، وتؤمن بالدولة الوطنية والقومية الديمقراطية، وسعت لفصل الدين عن الدولة او لنقل حيدته نسبيا، ولم تميز بين انسان وآخر على اساس الدين او الطائفة او المذهب او الاثنية. ورسخت الهوية الوطنية والقومية لشعوبها، بعكس تنظيم الاخوان المسلمين، الذي عمل منذ وجد في المشهد السياسي والثقافي العربي في 1928 على تمزيق وحدة الارض والشعب هنا او هناك من بلاد العرب، ولعل لاولئك القادة في انتهاكات حركة حماس الخطيرة، واختطافها لمحافظات الجنوب، وإصرارها على الانفصال وإقامة “دولة غزة” خير دليل على ما يذهب اليه المرء. وما تقوم به حركة الاخوان في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن والعراق والصومال وفي الدول الاسلامية كأفغانستان ومالي ونيجيريا وتشاد .. إلخ تعميق للدليل آنف الذكر. وركوب حصان “المقاومة” ورفع الشعارات العنترية والديماغوجية التضليلية، لا تغطي اهداف جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين او اي مكان من بلاد العرب والمسلمين.

عدم تمييز بعض النخب السياسية لشروط اللحظة السياسية، والحاجة للتعامل مع إفرازات المشهد في الساحة، وتعقيدات العملية الوطنية، حرصا على المصالح العليا للشعب، وبين إستغلال وتضليل القوى التكفيرية الاسلاموية وفي مقدمتها حماس، واهدافها التخريبية العميقة، المتناقضة مع اهداف الشعب الوطنية، يعكس تراجع وانكفاء الفكر السياسي الفلسطيني والعربي عموما، وغياب دورالعقل والمنطق العلمي في تشخيص ظاهرة حماس التخريبية في الساحة الفلسطينية. وقادم الايام سيحمل في طياته الدليل والبرهان على دور حركة حماس الانفصالي والمعادي للوطنية الفلسطينية.

Exit mobile version