المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا

لنطرق جدار الخزان كتب عمر حلمي الغول

مرت الذكرى الثالثة والاربعون لرحيل المفكر والاديب والاعلامي غسان كنفاني قبل يومين. في الثامن من تموز/ يوليو 1972. اغتالت إسرائيل ابو فايز، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، ليس لانه قائد في فصيل فلسطيني فقط، بل لانه يحمل رؤية فكرية سياسية وثقافية، وكونه طرق على جدران الخزان الفلسطيني والعربي، ولانه حث الجماهير الشعبية على امتلاك زمام الامور، والخروج من تحت عباءة القوى المعطلة لمسيرة التحرير الوطنية والقومية.

ما احوجنا اليوم لنداء الراحل غسان للطرق على جدران الخزانات الفلسطينية والعربية في آن. حيث تضيع دول وشعوب الامة في متاهة الاسلام السياسي، والمخطط الاميركي الاسرائيلي. تتلاشى الدولة الوطنية، تتمزق الشعوب إلى ديانات وطوائف ومذاهب واعراق، تنهار القيم الوطنية والقومية، جماعات تكفيرية تخريبية، عنوانها الابرز جماعة الاخوان المسلمين، لا تفقه في علوم الدين والدنيا، او بتعبير ادق تلعب دور العراب لتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد، وتعمل على اختطاف الامة إلى مستنقعات آسنة باسم “الدين” و”الطائفة”، لإعادة تقسيم وتمزيق نسيج شعوب الامة العربية لدويلات وإمارات تافهة، عبر تكريس الظلامية في اوساطها، وتبديد طاقات شبابها وكفاءاتها في حروب وهمية، ولاستنزاف ثرواتها وخيراتها على شراء وتخزين الاسلحة، ولاسقاط خيار النهضة والتنمية المستدامة، ولتصفية قضية العرب المركزية، وتسييد دولة التطهير العرقي الاسرائيلية على كل الارض الفلسطينية وعموم الارض العربية.

عندما يعيد المرء للذاكرة الوطنية والقومية، دعوة الشهيد القائد والمفكر كنفاني، فانه لا يناشد عواطف النخب السياسية والفكرية والثقافية الاعلامية، إنما يستنهض فيهم، دورهم النهضوي، ويدعوهم لتحمل مسؤولياتهم الشخصية والوطنية والقومية، ويحفزهم للخروج من نفق المراوحة والاسترخاء وانتظار الموت المحتم للأمة وقضاياها، إذا ما استمر أسرى الهزيمة والاستسلام لمشيئة اهل النظام العربي الرسمي المتآكل، الذي مهد الارضية الخصبة للاسلام السياسي التخريبي في الانتشار والحضور المريب في المشهد السياسي العربي، وقدم الدعم لحركة الاخوان المسلمين و”داعش” و”النصرة” و”انصار بيت المقدس”… إلخ من التفريخات المعادية للامة العربية وشعوبها وقضاياها وخاصة قضية فلسطين.

نعم العرب بحاجة ماسة الآن ليطرقوا جميعا، كل من موقعه ومكانته وانتمائه، وكل مؤمن بهويته الوطنية والقومية وبالمشروع القومي التنويري على جدران الخزانات للانتصار على هزيمة الذات، ولحمل راية الوطنية والعروبة، ورفعها عاليا لصد رياح الغرب الاستيطاني وربيبته إسرائيل والفرق المنتجة لمذاهب البداوة والتخلف والظلامية، والحامية لكل ادوات التمزيق للجسد القومي.

آن الاوان لاستعادة زمام الامور، والانبعاث من جديد للدفاع عن النسيج الوطني والقومي الجامع، ولحماية الاثنيات الموجودة في اوساط الشعوب العربية، ومنحها حقوقها في المواطنة الكاملة، وتكريس الديمقراطية وحرية الرأي والرأي الاخر، وتكريس المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وحماية حقوق الطفل، وتغيير جذري للمناهج التعليمية، وتطويرها بما يتناسب وروح العصر، وفتح الابواب على مصاريعها لنشوء مراكز الابحاث في مجالات العلم والمعرفة والفكر المختلفة، وإحداث ثورة في الخطاب الديني، والعمل بقوة على فصل الدين عن الدولة، وتعزيز دور السلطات التشريعية والقضائية لكبح جماح السلطة التنفيذية، ووفق ظروف كل بلد عربي على حدة، وتعزيز التكامل القومي على المستويات والصعد المختلفة، واعادة نظر جدية في مؤسسة الجامعة العربية، واخراجها من المكانة والدور الشكلي، ودفعها نحو مرحلة نوعية لتلعب فعليا الجسر الحقيقي للتكامل والتكافل العربي العربي، واعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، كقضية مركزية للعرب، وتفعيل اوراق القوة والاسلحة الموجودة باليد العربية لفرض الحل السياسي.

ليتذكر الفلسطينيون والعرب جميعا من الوان الطيف الفكري والسياسي الوطني والقومي واليساري والليبرالي، ان الرافعة الاساسية لشعوب ودول الامة الان، هي القومية العربية المعمدة بالديمقراطية. لانها تحفظ مكانة كل قوة، وتصون استقلاليتها، وتفتح الباب امامها للتكامل والتعاون مع القوى الاخرى، وتصون دولة المواطنة الكاملة. لذا اطرقوا على الجدران كلها، وانهضوا من سباتكم، وانتصروا على هزيمتكم.

Exit mobile version